أوردت وسائل الإعلام الفلسطينية المختلفة خبرا مفاده ان " مجهولون" قاموا بإحراق مخيم صيفي تابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بمنطقة الزوايدة شمال مدينة دير البلح وسط القطاع.
هذا الحادث ليس الأول من نوعه في القطاع، فقد أقدم من قيل إنهم أيضا "مجهولون" في حينه، على إحراق مخيم صيفي تابع لنفس الجهة أواخر الشهر الماضي، وقد أعلنت شرطة الحكومة المقالة فيما بعد انها القت القبض على من قام بذلك العمل.
سواء كان ما أعلنته الشرطة عن إلقاء القبض على الفاعلين صحيحا ام غير صحيح، فان من الواضح ان هؤلاء وأمثالهم يرغبون في فرض أفكار ومفاهيم متخلفة وبالية ولا علاقة لها بالمفاهيم التي ترعرع عليها أبناء الشعب الفلسطيني وذلك من خلال ممارسات وأساليب لا يمكن إلا ان تكون مستنكرة ومشجوبة ومرفوضة بكل المعايير، وهي بدون شك تساهم في المزيد من المعاناة لأطفال قطاع غزة، الذين روعتهم آلة القتل الشريرة لدولة الاغتصاب، خاصة في ظل واقع مرير يعيشه هؤلاء بعد الحرب الغادرة على القطاع وما تركته من دمار وعقد ومشاكل واضطرابات نفسية للنساء والأطفال وربما لدى الكثير من الكبار من الرجال.
الأراضي الفلسطينية بشكل عام تفتقر لكل ما يمكن ان يسعد او يبعث البهجة في قلوب الأطفال، خاصة خلال العطلة الصيفية، ليس فقط في قطاع غزة الذي يصنف كمنطقة منكوبة، لا بل وفي كل مكان من الأراضي الفلسطينية، حيث تفتقر المدن والبلدات والقرى والمخيمات الى مراكز الترفيه، سواء كان ذلك بسبب إجراءات وممارسات الاحتلال على مدى أربعة من العقود، أو لأسباب تتعلق بالفقر وقلة الإمكانيات لدى الجهات المختصة، سواء كانت مجالس بلدية او وزارات او غيرها، وبالتالي فانه لا يمكن النظر الى مثل هذه الأعمال غير المفهومة سوى انها تصب في ذات السياق الذي يستهدف اطفال فلسطين والتسبب لهم بمزيد من المشاكل والاضطرابات.
الحريق الذي شب في المخيم بعد ان قاموا بتقييد الحراس - يعني الجماعة كانوا يشتغلوا بكل أريحية وما مستعجلين ولا خايفين- والذي قام به خمسة من المسلحين كما قالت وسائل الاعلام، لا يمكن ان يتم عزله عن أعمال أخرى مشابهة تمت في القطاع ضد مراكز الانترنت والصالونات وغيرها، وبالتالي فانه لا يمكن الحديث عن حريق المخيمين خلال شهر تقريبا وكأنهما حالة معزولة وغير منظمة تقف وراؤها جهات بعينها.
من الواضح ان توفير الأمن لكل المؤسسات ولكل الأفراد في قطاع غزة هي مسؤولية الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة المقالة، وبالتالي فان تكرار مثل هذه الحوادث لا يمكن تفسيره إلا على انه إما عجز واضح من قبل هذه الأجهزة، وبالتالي فان حالة الفلتان مرشحة للازدياد، او ان جهات ما في تلك الأجهزة متورطة في تلك الأعمال وتقف خلفها، او ان القائمين على تلك الأجهزة يعلمون تمام العلم من هي الجهات التي تقف وراء هذه الأعمال لكن لا يتم اتخاذ أي إجراء حازم ضد هؤلاء لأنه "بدون لف ولا دوران" يصب في نفس التوجهات لحركة حماس الهادفة الى فرض توجهات بعينها على المجتمع الفلسطيني بشكل عام.
خلال الشهر الماضي صدر بيان عن جهة سمت نفسها "أحرار الوطن" هددت فيه بالتعدي على مدير عمليات الوكالة في القطاع بشكل شخصي، بغض النظر عن الجهة التي تقف وراء البيان، إلا ان في ذلك وفي كل الأحداث الشبيهة لحالة المخيمين، مؤشر خطير وهو دليل على تنامي ظاهرة التطرف في قطاع غزة، والتي أصبحت موجهة ضد أبناء الوطن الواحد، ومثل هذه الظواهر لا يمكن عزلها عما مارسته الحكومة المقالة وحركة حماس ولا زالتا في القطاع، مثل فرض الحجاب في المدارس وفرضه على المحاميات في المحاكم، ومنع المانيكان في واجهة المحلات بحجة انها تثير الغرائز، كل هذه الأعمال بالضرورة شجعت كل أشكال التطرف، بحيث أصبحت هذه الظاهرة تزداد وتتنامى، لأنها وجدت في ممارسات ومواقف الحكومة المقالة والأجهزة الأمنية في القطاع تشجيعا لها على المزيد من التطرف، ولعل المجموعات الدينية المتطرفة التي لاحقتها حركة حماس ووصفتها بالتشدد والتطرف والتي كان آخرها مجموعة عبد اللطيف موسى او جند أنصار الله، ما كان لها ان تترعرع لولا انها وجدت الأرضية والتشجيع من قبل حركة حماس التي تحاول فرض سطوتها من خلال الشعارات الدينية واستخدام سيف الدين من اجل ترهيب الناس وتكفير الآخر بالإضافة الى كل الممارسات التي أصبحت معروفة في قطاع غزة.
ان محاولة البعض القول ان المخيمات الصيفية تخالف العادات والتقاليد الفلسطينية ليس دقيقا، ومثل هذه المخيمات يتم تنظيمها منذ سنوات طويلة في كثير من مناطق الضفة والقطاع، سواء كان ذلك من قبل وكالة الغوث او غيرها، وهي لم تكن في أي مرة محل خلاف بين أبناء الشعب الواحد، وهي لم تصبح محل خلاف او تساؤل إلا بعد ان سادت الأفكار المتشددة، وكأن الناس كانوا خلال كل تلك الفترة الماضية كفارا ويجب الآن عودتهم او إعادتهم الى الطريق السليم.
في المحصلة النهائية، لا يمكن النظر الى هذا الاستهداف للمخيمات الصيفية بالإضافة الى كل ما ذكر، سوى انه عمل ممنهج ومنظم تقف وراءه جهات يمكن وصفها بالمشبوهة، ولا يمكن لذلك إلا ان يصب في مصلحة كل الداعين الى تصفية وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين، وزيادة معاناة أبناء الشعب الفلسطيني، وهو بالضرورة لا يخدم قضية اللاجئين التي يتباكى عليها الكثير من فصائل العمل الوطني والإسلامي.
28-6-2010
إحراق المخيم الصيفي الثاني في غزة فلتان امني أم عمل ممنهج؟!
رشيد شاهين
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية