توقف "فادي. ل" أمام سيارة حديثة من نوع فورتي كانت مركونة أمام أحد الأبنية في حي المحطة بمدينة حمص وراح يتأمل رقم الشاصي VINالموجود على الزجاج الأمامي ويقوم بتصويره دون أن ينتبه إليه أحد فالوقت ليلاً، ثم عاد في اليوم التالي وفتح السيارة بمفتاح نظامي وقام بسرقتها، عن طريق خدعة تقنية منتشرة على شبكة الأنترنت للأسف، ومما يسهل سرقة هذا النوع من السيارات دون غيرها -وفق خبراء في الميكانيك- أن دارة التشغيل القريبة من المقود تعمل عند إدخال أي أداة حادة فيها.
ولعل أحد الأسباب الرئيسية لسرقة السيارات الحديثة الصنع أنّها غير مزوّدة من الشّركة المصنّعة بجهاز IMMOBILIZER، الذي يمنع تشغيل محرّك السّيّارة بغير مفتاحها، فتصبح حالتها مماثلة لسرقة السيّارات قديمة الصنع.
علاوة على أن اللصوص "المحترفين" باتوا على درجة من الحذق في التعامل مع هذه التقنيات المتطورة المتوفرة في السيارات الحديثة، وإتمام عمليات السرقة بسرعة شديدة ودون أي ضوضاء. في ظل تراخِ أمني وعقوبات غير رادعة.
وكثرت سرقة السيارات في سوريا عموماً مع نهاية العام الماضي وبداية العام الجاري، في ظل تفاقم أزمة البنزين، إضافة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية حيث تتصدر سوريا التي تحكمها عائلة الأسد منذ نصف قرن قائمة الدول الأكثر فقرًا في العالم، ويعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر وفق إحصائيات حديثة.
وفيما تغيب الإحصائيات الدقيقة عن عدد السيارات التي تمت سرقتها في حمص خلال السنوات الـ 10 الماضية، فإن وزارة داخلية النظام اعتادت بين الحين والآخر نشر أخبار عن تلقيها شكاوى سرقة سيارات من عدة مناطق وعن توقيف عصابات تقوم بسرقة السيارات في حمص وريفها.
وأفاد فرع مرور حمص في هذا الخصوص أن عناصره تمكنوا مطلع حزيران الماضي من ضبط 85 سيارة منها 28 سيارة مسروقة ومزورة، و68 سيارة مذاع البحث عنها وتوقيف سائقيها وتقديمهم إلى القضاء.
وبتاريخ 2020/11/26 تعرضت سيارة خاصة نوع "كيا سيراتو فورتي" لون أسود للسرقة من قبل مجهولين أثناء ركنها فجراً في حي عكرمة الموالي بعد كسر زجاج إحدى نوافذها.
وزعم فرع الأمن الجنائي بحمص حينها أنه تمكن من التوصل إلى هوية السارقين بعد أن جرى استدراجهم مع السيارة المسروقة آنفة الذكر إلى حي الزهراء، وتم نصب الكمين اللازم وإلقاء القبض عليهم وبحوزتهم السيارة المسروقة.
وبالتوسع في التحقيق معهم اعترف المقبوض عليهم بعدة حوادث سرقة لسيارات وموجوداتها ضمن أحياء حمص فجراً بقصد المنفعة المادية بعد كسر زجاج نوافذها.
قضية ضد مجهول
وإذا كان لصوص سيارة "حي عكرمة" قد ألقي القبض عليهم وأحيلوا إلى القضاء فإن هناك الكثير من حالات السرقة في أحياء أخرى قُيدت ضد مجهول ولم يقبض على فاعليها، ومنها قصة "فادي الحسين" (51 عامًا) الذي سرقت سيارته واشتكى لدى قسم شرطة الوعر، وبدل أن يتم جمع الأدلة على حالة السرقة ومعاينة مكانها الكاميرات المثبتة في المكان سأله الضابط الذي حقق في إفادته إن كانت هناك عداوة بينه وبين أحد أو رأى أحداً يقترب من سيارته، واكتفت الشرطة بهذه الأسئلة دون أن تفعل شيئًا حيال السرقة، لتسجل القضية "ضد مجهول".
وبحسب ناشط من داخل المدينة فضل عدم ذكر اسمه لـ "زمان الوصل" فإن سرقات السيارات في حمص غالباً ما تحدث ليلاً باستغلال انقطاع التيار الكهربائي، وغياب دوريات شرطية تتجوّل ضمن الأحياء في مدينة حمص، إضافة إلى البرد القارس وعدم وجود المدنيين ليلًا في فصل الشتاء، ما يجعل اللصوص يستغلون هذه الأوضاع، فيقومون بكسر الزجاج الأمامي وفتح السيارة لتشغيلها.
عصابات متخصصة
ووفق تصريح مدير الأمن الجنائي في حكومة النظام "حسين جمعة" لاذاعة "شام إف إم" المحلية فإن معظم السيارات المسروقة في سوريا يتم بيعها أو استخدامها من قبل أفراد ينتمون لعصابات متخصصة في هذا المجال، كما يتم بيع قسم منها لعصابات تمتهن تزوير ملكية السيارات وذلك بتزوير الشهادة الجمركية والبيان الجمركي ليتم تسجيلها تزويراً ضمن مديريات النقل وبيعها تزويراً، مبيناً أنه تم إلقاء القبض على العديد من أفراد هذه العصابات واسترداد السيارات المسروقة وحجزها أصولاً، وبحسب المصدر- تتم إحالة جميع مرتكبي جرائم سرقة السيارات إلى القضاء المختص بعد الانتهاء من التحقيق معهم أصولاً لتتم محاكمتهم من قبل الجهات القضائية المختصة والبت في شأن السيارات المستردة.
سرقة بالوكالة
ويلجأ سارقو السيارات في حمص إلى أساليب جديدة عدا تصوير رقم "الشاصي" إذ يعمد بعضهم إلى استئجار السيارة من أحد المكاتب المنتشرة بكثرة داخل المدينة لمدة ساعتين أو أكثر ومن ثم ينسخ مفاتيح السيارة لتسليمها إلى صديق له لسرقتها بالوكالة عنه.
ووفق مصادر محلية فإن معظم السرقات تتم أثناء استئجار السيارات للأعراس مشيرة إلى أن السارقين يستغلون الظرف بنسخ مفاتيح السيارة ولو من دون علم المستأجر لسرقتها في اليوم التالي.
من حمص إلى لبنان
وبموازاة سرقة السيارات لتفكيكها وبيعها كقطع أو تغيير ملامحها داخل المدينة وريفها نشطت عمليات لتهريب السيارات المسروقة في حمص إلى خارج سوريا وبخاصة لبنان، ويسلك مهربو هذه السيارات معابر غير شرعية ويقومون ببيعها لعصابات متخصصة، وترتكز هذه العمليات عند ما يعرف بـ«ساقية جوسية» المتفرعة من نهر العاصي الفاصلة بين البلدين والممتدة من منطقة القاع شرقاً وصولاً إلى حوش السيد علي غرباً بطول 22 كيلومتراً على المعابر غير الشرعية.
وفي هذا السياق أصـدرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي شعبة العـلاقات العـامة في لبنان بياناً أشارت فيه إلى أنه نتيجة الاستقصاءات والتحريّات المكثّفة التي يقوم بها مكتب مكافحة جرائم السرقات الدولية في وحدة الشرطة القضائية، تمكّن من ضبط /16/ سيّارة مسروقة من داخل الأراضي السورية من أنواع مختلفة سبق أن تمّ التعميم عنها عبر "الانتربول"، وذلك في بلدات رأس بعلبك، وعرسال والقاع، وهي من أنواع: شيفروليه، تويوتا، هيونداي وكيا.
وحسب إحصائيات للإنتربول الدولي، فإن العام الماضي وحده شهد وعبر التقنية تحديد مكان 248976 ألف مركبة آلية مسروقة حول العالم بفضل قاعدة بيانات SMV.
ويشارك 135 بلداً حول العالم ومنها حكومة النظام بياناته الوطنية مع الانتربول عن السيارات المسروقة، ونفذت هذه البلدان أكثر من 256 مليون عملية تقصٍ.
سرقة السيارات في قانون العقوبات السوري
وقد شدد المشرع عقوبة السرقة على السيارات والمركبات لمواجهة العصابات التي تخصصت في هذا النوع من السرقات، وأشار المستشار القضائي "محمد نور حميدي" لـ "زمان الوصل" إلى أن المشرع السوري وضع المادة (625) من قانون العقوبات وتناول فيها جرمين: جرم سرقة السيارات، وجرم أخذ أو استعمال لسيارة الغير، فجرم سرقة السيارات يتعلق بالاعتداء على ملكية السيارة؛ لأن السرقة هي الأساس في التجريم وفق التعريف الوارد في المادة (621) من قانون العقوبات (أخذ مال الغير دون رضاه) بنية التملك.
أما الحيازة فإنها تأتي عرضاً وهي غير مقصودة لذاتها-كما يقول- وإنما من أجل استطاعة الاعتداء على الملكية، في حين أن الجرم الثاني يتعلق بالاعتداء على الحيازة فقط، وتأتي في صورة فعل تستخدم السيارة في أداء خدمة أو انتفاع بها، من دون أن يؤدي ذلك إلى نية التملك.
ويذكر أن رأس النظام أصدر في آذار-مارس الماضي القانون رقم 15 لعام 2022 الذي تضمن تعديلات على عدد من مواد قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949 وتعديلاته، وشدّد القانون الجديد العقوبات المفروضة على مرتكبي سرقة السيارات أو محتوياتها أو أي من أجزائها الخارجية، وكذلك على مرتكبي سرقة الدراجات الآلية.
وجاء في التعديل المذكور-يعاقب بالسجن المؤقت خمس سنوات على الأقل وبغرامة من (3,000,000) ل.س ثلاثة ملايين ليرة سورية إلى (6,000,000) ل.س ستة ملايين ليرة سورية كل من أقدم بأي طريقة ومن أي مكان على سرقة أي سيارة من السيارات المعرفة في الفقرة /3/ من المادة /1/ من قانون السير.
ويعاقب بالسجن المؤقت من ثلاث سنوات إلى سبع سنوات وبغرامة من (1,000,000) ل.س مليون ليرة سورية إلى (3,000,000) ل.س ثلاثة ملايين ليرة سورية كل من قام بسرقة محتويات السيارة المعرفة في الفقرة /3/ من المادة /1/ من قانون السير سواء بواسطة الخلع والكسر أو باستخدام المفاتيح المصنعة أو أي أداة مخصوصة.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية