أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

يا خسارة الجدار الفولاذي "تحت الأرضي"!! ... رشيد شاهين

منذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها تواتر الأنباء عن مجزرة بشعة جديدة "إسرائيل منذ تأسست وهي تقوم بالمجازر" ترتكبها عصابات جيش الاحتلال الفاشي في المياه الدولية في عرض البحر المتوسط، لم يغادرني الشعور بان هذه هي بداية الانهيار للحصار الظالم الذي تم فرضه على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، هذا الحصار الذي شاركت فيه حكومة الدولة المصرية بكل قوة، وقد تذكرت خلال كل أيام الحصار على قطاع غزة، دور النظام العربي الرسمي الذي كان، عندما تم فرض حصار أكثر وحشية وقسوة على أبناء ارض الرافدين تماشيا واستجابة لرغبات أعداء امة العرب. واسترجعت كيف كان هؤلاء العربان "يستميتون" في تطبيق فقرات الحصار بكل تفاصيله، لا بل وبمغالاة ومبالغة تصعب على الفهم او التصديق في أغلب الأحيان، والمفارقة اللافتة هنا هي أن النظام المصري، كان في حينه وراء التحشيد على العراق، كما وتشجيع قادة العربان على السير في ركب التحالف الذي قتل العراق بعد أن جوع شعبه في حصار استمر 13 عاما، وها هو التاريخ يعيد نفسه الآن، فذاك النظام وذاك الرئيس ، يعيد الكرة مرة أخرى لكن ضد أبناء قطاع غزة، هذا القطاع الذي كان مسؤولية مصرية قبل أن يتم احتلاله عام 1967، وبالتالي فان اقل ما يجب على الدولة المصرية إذا ما عجزت عن استرجاعه، "وهي بالتأكيد عاجزة او على الأقل ليست لديها النية" أن تساعد أهله في عملية تحريره من هذا الاحتلال، لا أن تساعد على تجويع أبناءه بهذا الشكل المعيب. حيث من العار أن تتخلى عن مسؤوليتها في استرجاع ما كان - من مسؤولياتها- ضاع في غفلة من التاريخ.
وكذلك ومنذ اللحظة الأولى للأنباء عن المجزرة القاسية والبشعة، كان لدي القناعة بان هؤلاء الذين أتوا على تلك السفن الإنسانية، والذين أرادوا أن يكسروا هذا الحصار، برغم " فشلهم الظاهر في كسر الحصار من خلال عدم تمكنهم من الوصول إلى القطاع" إلا انهم وبما قدموه من تضحيات، وبما سال منهم من دماء، استطاعوا فعليا أن يكونوا المعول الأهم في كسر الحصار وإنهائه، لقد استطاع بعض هؤلاء ومن خلال ما قدموه من أرواح ومعاناة، أن يدقوا المسمار ما قبل الأخير، ليس فقط في نعش الحصار، وإنما في كل الأكاذيب التي روجتها الحركة الصهيونية منذ عشرات السنين عن ديمقراطية مزيفة لهذه الدولة المارقة، وان يكشفوا النقاب عن دمويتها وفاشيتها. وإن أي مراجعة لكل ما قيل في وسائل الإعلام الإسرائيلي، وكل هذا الحراك على المستوى الدولي، وكل التصريحات التي قيلت بعد المجزرة الفاجعة، يؤكد الحقيقة التي تقول بان إسرائيل في أسوأ وضع لها منذ نشأتها، وان الحصار إلى زوال في فترة اقرب مما يمكن للبعض أن يعتقد، طبعا هنالك محاولات جادة من اجل تجميل "وجه الحصار" وبالتالي " وجه" دولة العدوان وهذا ما يجب التنبه له من قبل المعنيين فلسطينيا أو دوليا.
كان من الواضح ارتباك ليس فقط حكومة الاحتلال بعد عملية القرصنة، فقد امتد هذا الارتباك إلى النظام في مصر، حيث سارعت مصر إلى الإعلان عن فتح معبر رفح، في خطوة اعتبرت محاولة لامتصاص الغضب على ما قامت به إسرائيل، وبالتالي محاولة لانتشال دولة الاغتصاب مما هي فيه، أو في محاولة منها لتفادي غضب عالمي قد يتوجه إلى مصر نفسها في حال استمرارها إغلاق المعبر.
في ذات الوقت الذي كانت فيه دماء الجرحى والشهداء الذين سقطوا برصاص الحقد الصهيوني، ومعاناة الآخرين التي حدثت على أيدي جلادي دولة الغدر والديمقراطية الفارغة، كانت ترتسم في ذهني صورة الجدار الفولاذي "تحت الأرضي" الذي أقامته حكومة مصر بإشراف وتمويل أميركي، وكان السؤال كيف سيكون شكل هؤلاء، وكيف سيكون إحساسهم، وما هي تبريراتهم؟ أمام أنفسهم وأمام شعوبهم وأمام التاريخ.
عندما أفكر بهذا الجدار " تحت الأرضي"، استغرب مدى الحقد الذي وصل بأعداء الشعب الفلسطيني، وكيف تمخضت هذه الفكرة في رأس من فكر بها، هذه الفكرة التي لا اعتقد - بحسب معلوماتي على الأقل- بأنها طبقت عبر التاريخ، أن يقام جدار تحت الأرض من اجل منع وصول الغذاء والدواء إلى الأطفال والنساء والمرضى، فهذا ما لا يمكن تصوره، أنا افهم أن تقام الجدر فوق الأرض، وعلى امتداد عشرات او حتى مئات الكيلومترات كما هو جار في الأراضي الفلسطينية، أما أن يقام جدار على عمق يصل إلى 18 مترا من اجل قتل الناس، وان تشارك فيه الدولة المصرية التي من واجبها تحرير القطاع الذي خسرته في هزيمة نعلمها، فهذا ما لا يمكن فهمه. - في تهكم واضح، يقول الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني، انه لو كان بإمكان دولة العدوان حجب الهواء والشمس عن القطاع لفعلت-.
لقد أدرك سادة النظام المصري في واشنطن، أن الجدار الذي حاولوا من خلاله حصار الناس في غزة، مشتركين بذلك في جريمة الحصار المفروض إسرائيليا ومصريا على القطاع، لم يعد مجديا في ظل الغضب العالمي الذي أعقب مجزرة المتوسط، وبالتالي فان من العبث الاستمرار في إقامته، وقد أدرك هؤلاء ان الحصار لا بد زائل، ومن هنا فان الإدارة الأمريكية قامت بحسب إذاعة جيش الاحتلال ان حكومة واشنطن قد "تخلت عن فكرة دعم مشروع الجدار الفولاذي وانها قامت باستدعاء المهندسين العسكريين الأمريكيين الذين يشاركون في بنائه على الحدود مع القطاع". كما قالت ان واشنطن سحبت الدعم المالي الذي تم تخصيصه للمشروع والذي يقدر بنصف مليار دولار. كما أكدت المصادر التي تحدثت لإذاعة جيش الاحتلال، ان موضوع الجدار كان جزءا أساسيا من لقاء رأس النظام في مصر مع نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي كان يشعر "بإحباط شديد" بحسب الإذاعة.
لقد كانت موافقة النظام في مصر على إنشاء هذا الجدار الفولاذي، وصمة عار ولعنة ستلاحق كل من اشترك في إقرارها وتمويلها وتنفيذها، إن أرواح الضحايا الذين سقطوا جراء الحصار وكذلك أرواح من امتدت إليهم يد الغدر في أعالي البحار وعذابات الجرحى والمكلومين ستلاحق كل من ساهم في الحصار على القطاع.
الجدار الفولاذي انتهى قبل ان يكتمل، كما انتهى قبله جدار برلين الذي سقط فوقه وعلى جنباته المئات، ومثل هذا وذاك سوف يسقط جدار الفصل الذي تزرعه دولة العدوان في الأراضي الفلسطينية، ومثلهما أيضا سيسقط الحصار المفروض على قطاع غزة وقريبا جدا، الخسارة من وجهة نظر مصرية وأمريكية طبعا،هي في كل هذا الجهد والمال والتآمر الذي بذل من اجل إقامة جدار نادر في التاريخ البشري، وبتعاون معيب من دولة شقيقة كبرى طالما وقفت في الماضي مع قضايا وهموم الأمة، والسؤال هنا، هل لا زالت حماس تعتقد بان نظام عبد الناصر كان بكل السوء الذي تحاول الترويج؟ ألا تتمنى في مثل هذا الوقت من الزمن الرديء ان يكون هناك عشرة أنظمة مثل نظام عبد الناصر تحيط بفلسطين او مجاورة لقطاع غزة، سؤال نتركه لضمائر الأخوة في حماس وكل الأخوة في حركة الأخوان المسلمين عسى ان يهديهم ربهم لقول كلمة الحق في هذا الشأن.
17-6-2010

(107)    هل أعجبتك المقالة (100)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي