نفوذ تركيا الدبلوماسي يتزايد باطراد، والعلاقات الإسرائيلية التركية وصلت إلى نقطة الانهيار، والتصعيد والتوتر بين الجمهورية الأردوغانية الجديدة في تركيا وحكومة الاحتلال مستمران,
فأصبحت مشاهدة العلم التركي من المسلمات في الكثير من البلدان العربية وأصبح ذلك العلم رمزا جديدا من رموز المقاومة والتضحية والشهادة بعد الأحداث التي وقعت قبالة ساحل غزة.
ربما من حسن الطالع أن يرتفع في غزة العلم العثماني بعد أن كانت أول بلدات فلسطين التي أنزل فيها ذلك العلم قسرا عندما جرى احتلالها على يد القوات البريطانية, بل إن أهل غزة اخترعوا علما جديدا ليس بالعلم التركي ولا بالفلسطيني فهو علم فلسطين لكنه يحتوي نجمة وهلال تركيا في قلب مثلثه الأحمر.. فربما يحمل ذاك العلم رساله مفادها "أن الفلسطينيين في قلب الأتراك وأن الأتراك يعيشون في قلوب العرب".
العلم التركي ليس بالجديد علينا فهو يحوي رموزا تاريخية ودينية؛ فاستلهمته الدول الإسلامية المستقلة وكونت أعلامها الخاصة، ومن ذلك علما الكويت وليبيا القديم وعلم مصر قبل الثورة وأعلام تونس والجزائر والباكستان وأذربيجان.. وأصبح ذلك العلم رمز خاصا للمسلمين في الأراضي العثمانية التي مارست فيها القوات الرومانية والبلغارية والصربية والروسية أسوأ نوع من التطهير العرقي بعد أن تفككت الدوله العثمانية وخصوصا في البوسنة والقوقاز والشيشان وتترستان وأذربيجان وبقية بلدان جمهوريات الاتحاد السوفياتي، والتي تم فيها التنكيل بالمسلمين.. وحتى اليوم؛ فإن أغلب الشعوب والقبائل التركية والقاطنة ما بين بنغلاديش وسيبريا وصولا إلى ألبانيا وألمانيا، لها أعلامها الخاصة المستمدة من العلم العثماني القديم.
العلم العثماني له اسم خاص به فهو يدعى بالتركيه (Yιldιz) بمعنى "نجمة القمر" أو (Alsancak) بمعنى "الراية حمراء". ذاك العلم نجا بأعجوبة وبقدره قادر من ريح التغير (العلمانية) الأتاتوركية والتي غيرت بلاد الأتراك وجعلتهم ينقلبون على تاريخهم، بدءاً من العادات والتقاليد الإسلامية ومرورا بأسماء القبائل والملابس والحروف العربية والأذان وبشروط الزواج والطلاق.. و ليس انتهاء بأن كانت تركيا أول دولة تعترف بـ"إسرائيل" في عام 1948.
ومن الغريب أن العلم الأحمر العثماني بقي يرفرف على أعلى الصواري في مضيق البسفور، وعلى أعلى سارية في أنقرة عاصمة أتاتورك، وأُصدر فيه قانون جديد يحمل الرقم 2994 فتم اعتماده في 29 أيار عام 1936 م. وأصبح اسمه الجديد "علم الجمهورية التركية". ثم صدر القانون رقم 2893، الذي اعتمد في 22 سبتمبر 1983 والذي احتوى على فقرة تنص على تنكيس العلم يوم العاشر من نوفمبر من كل عام (ذكرى وفاة أتاتورك)، واحتوى كذلك على قياسات العلم مع تغيير واضح في تفسيرات ودلالات العلم.
ففي التفسيرات العلمانية الجديدة أن العلم التركي مستمد من تاريخ تركيا القديم حيث تم العثور على نجمة وهلال على القطع الأثرية القديمة في آسيا الوسطى والتي يعتقد أنها كانت تستخدم في عبادة آلهة الشمس, فالقمر والنجوم من الرموز اليونانية التي تشير إلى "أرتيمس" إله اليونان القديم, ويقال إن علم مدينة بيزنطة القديم (إسطنبول اليوم) كان يحتوي على هلال ونجمة مثمنة كرمز لمريم العذراء على أرضية حمراء خلال فترة حكم قسطنطين، وربما تلك هي الأسباب التي منعت أتاتورك وخلفاءه من تغيير العلم العثماني, في حين أن الكثيرين من الأتراك اليوم يرفضون تلك التفسيرات ذات الأصول الوثنية.
في مطلع تأسيس العثمانيين لدولتهم في آسيا الصغرى كان لهم علم أخضر (مثل علم العباسيين) حوى هلالا فضيا مستمدا من التقويم الهجري, وأصبحت تلك الراية ترافق الجند وعلما للبحرية العثمانية, ويقال إن اعتماد ذك العلم تأكيد لحلم أول سلطان عثماني (السلطان غازي عثمان) حيث حلم ذات ليلة بأنه شاهد صدره ينشق ويخرج منه نجمة وهلال يضيئان الأفق - في إشارة إلى انتشار الإسلام أو إلى دولة العثمانيين.
أما الشكل الحالي للعلم التركي فمستمد من قصة تاريخية تروى؛ ذلك أن السلطان مراد الثاني (1421-1451م), كان قد عقد صلحا مع ملك المجر لمدة عشر سنوات عام 1443م، غير أنه خرق الصلح وجاءت لحظة الحسم في معركة كوسوفو عام 1448م، فأعاد المسلمون انتصار مراد الأول في نفس المكان واستردت الدولة العثمانية أراضيها، وقد خضع ملك الصرب وأدى خمسين ألف أوقية للسلطان. فلما جنّ الليل خرج السلطان لتفقد جنده في الثغور، فوجد أن الأعداء قد أغاروا على إحدى النقاط وفتكوا بمن فيها وأن دماء هؤلاء المجاهدين قدت سالت وشكلت بركة في منخفض من الأرض.. فوقف السلطان على صهوة جواده يشاهد انعكاس صورة لهلال ونجم غريب على بركة الدماء. والثابت تاريخيا أنه في العام 1793 تم تحويل أرضية العلم من اللون الأخضر إلى اللون الأحمر في زمن السلطان سليم الثالث، ثم في العام 1844 تمت إضافة النجمة الخماسية للعلم بدلا من النجمة المثمنة، وهكذا ظهر علم "يلدز" الشهير.
حقيقة "الراية حمراء" ... ايوب الغنيمات

كاتب اردني
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية