دكتوراه في الإعلام - فرنسا
لو كنت مكان السيد عمرو موسى، ولا يسعدني أن أكون، لخلعت ربطة عنقي الحريرية، ولرميت ببدلتي الأنيقة، تحت أرجل شرفاء غزة وأقدام الآباء والأمهات هناك، ولأعلنت استقالتي لحظة دخولي أرض الجهاد والنضال، أو على الأقل لطالبت الحكام العرب بعقد اجتماعهم في القطاع.
ليتك فعلتها يا عمرو، و والله لن تفعلها، فغزة محاصرة منذ العام 2007، ومات أطفالها بسبب الجوع ونقصِ الدواء، ومصر بلد الجامعة العربية هي من فعّل ذلك الحصار وجعله واقعاً مرّاً على أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني، وأنت لم تدن ذلك ولم تحرك ساكناً. فماذا جئت تفعل في غزة بعد هذه السنوات العجاف؟ أم أنك لم تكن تعلم أن غزة محاصرة وممنوعة حتى من الأدوية.
دخل الأمين العام للأمم المتحدة غزة قبلك، ودخلتها وفود عديدة عربية وأجنبية، فنانون ومحامون وناشطون، وأنت الذي تمثل العرب لم تدخلها إلّا اليوم. أ فلا تشرح لنا لماذا؟.
يتوجب علينا بلا شك، أن نرفع التحية والتقدير لتركيا ولحكومة أردوغان التي فضحت الأنظمة العربية وتواطئها ضد شعبنا في فلسطين، فلولا سفينة مرمرة ودماء الشهداء الأتراك، ما فكر عمرو موسى بزيارة غزة، ولا ألقى لها بالاً، إذ أن الرجل مشغول بمعالجة عملية السلام، فهي تحتضر وهو الطبيب الذي يسهر على راحتها.
كل ظنّي أن السيد موسى كان في أشد القلق أن يفعلها أردوغان ويزور غزة قبله، فهو لا يريد لحادثة دافوس أن تتكرر عندما خرج أردوغان نصرة لدماء الشهداء في غزة بينما جلس عمرو موسى صامتاً لا يعرف كيف يتصرف.
تلك الحادثة التي أحرجت الأمين العام للجامعة العربية، وكشفت ضعفه أمام الصهاينة ومن والاهم، تركت جرحاً عميقاً في قلب الرجل، إذ كيف فعلها أردوغان وكيف تجرأ على ذلك، ولم يخف على كرسيه، ولم يأبه لأمريكا وأوروبا والحاضرين كلهم، بينما يرتجف المسؤولون العرب أمام أصغر شخصية أمريكية أو أوروبية. ولما سمع عمرو موسى أن الفارس التركي يفكر جدياً في زيارة غزة أسرع إليها ليكون له السبق في هذا ولا تتكرر المأساة التي عاشها في دافوس. لكن هيهات.
يعلم السيد عمرو موسى والعالم أجمع، أن شهداء مرمرة ذهبوا لكسر الحصار عن غزة، بينما ذهب هو لحفظ ماء الوجه ليس إلا. وذهب الشهداء عنوة وضحوا بدمائهم بينما ذهب السيد موسى بعد موافقات عربية وصهيونية، لولاها ما دخل غزة ولا رآها، وذهب الشهداء في عرض البحر تحت أشعة الشمس وذهبتم يا سيادة الأمين في السيارات الفخمة إلى غزة الجائعة.
إنني مقتنع تماماً، وكذلك غالبية الشعب العربي، أن عمرو موسى ما دخل غزة لولا الضغط الشعبي العربي والعالمي، وذلك بعد الجريمة الصهيونية ضد سفينة الحرية، فقد وجد عمرو نفسه مضطراً لرفع الحرج عنه شخصياً وعن قادة عرب أحسوا بمهانتهم أمام ما فعلته الحكومة التركية وما قدمته من شهداء.
وأعتقد أن هذا الأمر واضح وضوح الشمس، وإلا فلماذا لم يدن عمرو موسى صراحة الحصار المصري الظالم على غزة، ولماذا لم يدن بناء السور الفولاذي الذي يهدف لقتل أبناء فلسطين، ولماذا لم يذهب موسى إلى غزة أثناء الحرب الصهيونية عليها.
لا شك أن الأجوبة واضحة، ولكن ومع وضوحها لا يريد عمرو موسى الاستقالة، ويعجبه أن يتوجه إلى مجلس الأمن ويستجدي الأمم المتحدة، ويجامل القوى الدولية.
لقد ظهر لنا عمرو موسى في هذه الزيارة وكأنه يحاول اختطاف النجاح الذي حققته السياسة التركية في المنطقة، وظهر وكأنه يسابق الزمن خوفاً من وصول الأتراك إلى غزة قبله.
إنني أناشد هذا الرجل من أعماقي بأن يتوقف عن الكلام وإطلاق التصريحات، فهو يحرج نفسه أولاً، وقد فقد ثقة كثير من الناس، وتحولت صورة وزير الخارجية المناضل ضد الكيان الصهيوني إلى صورة دمية لا تفعل شيئاً إلا أنها ترغب في التوجه إلى مجلس الأمن، إذ كلما دق الكوز بالجرة قال عمرو موسى سنتوجه إلى مجلس الأمن.
الحقيقة إن عبارات عمرو تحمل استفزازاً وإهانة لمشاعر الشعب العربي، فهل اطلع الرجل على قرارات مجلس الأمن التي أوقفتها أمريكا وعاملت الحكومات العربية فيها وكأنهم غير موجودين لا قيمة لهم ولا كلمة، أ لم يطّلع الأمين العام على القرار 181، أو 237، أو 242، 271 وغيرها,. أ لم يسمع أن أمريكا احتلت العراق وضربت بمجلس الأمن وقراراته عرض الحائط، وهل أطاع الصهاينة مجلس الأمن عندما احتلوا فلسطين وهجروا شعبها. فلماذا يصر الأمين العام علينا نحن فقط أن نطيع مجلس الأمن فيكون قبلتنا ووجهتنا.
مرة أخرى، ولن أملّ ، استقل أيها الأمين واحفظ لنفسك ولو بعض صورتك في الخارجية المصرية، فإن الشعب العربي لم يعد جاهلاً ويعرف عدوه من صديقه، حتى ولو لبس العدو ثياب الصديق. ولئن استقلت اليوم حفظت لنفسك كرامتها ولتلك مندوحة سيذكرها لك التاريخ.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية