مناسبة هذا المقال هي جريمة الحرب والمجزرة البشعة التي ارتكبتها قوات القرصنة البحرية لدولة الاحتلال في عرض البحر الأبيض المتوسط، حين قامت باعتراض أسطول الحرية في المياه الدولية، وقامت بارتكاب مجزرة قتل وجرح خلالها العشرات، لتضاف هذه الجريمة إلى رصيدها الأسود من مسلسل الجرائم التي تم ارتكابها قبل وبعد اغتصابها لفلسطين، وإعلان قيام دولة الاغتصاب على الأراضي الفلسطينية التي تم تشريد أهلها منها في العام 1948. وما تلا ذلك من "حرب" إعلامية بكل المعايير، حرب سوف لن تقف عند حدود الجريمة بل ستتعداها إلى كل ما يتعلق بهذا الصراع الدائر منذ عقود ستة.
من المعروف أن لكل الدول في العالم سفاراتها وقنصلياتها وممثلياتها المنتشرة في دول العالم الأخرى، وقد لا يكون تمثيل لهذه الدولة أو تلك في الدولة "ع أو غ" على سبيل المثال، وعادة ما يكون عدم وجود تمثيل دبلوماسي لهذه الدولة أو تلك، ناتج عن أسباب مختلفة من أهمها، أهمية الدولة المقصودة، بمعنى ان دولة مثل أميركا، لا يمكن ان تغفل أو ان لا يكون لها تمثيل دبلوماسي على أعلى المستويات في دولة مثل روسيا، هذه الأهمية التي توليها أميركا لدولة مثل روسيا، قد لا تكون هي ذاتها بالنسبة لدولة أخرى صغيرة او "غير مهمة" بالنسبة لأميركا، كما ان أميركا " وهنا دوما على سبيل المثال" قد تعتمد دولة ما، ليكون بها سفارة معتمدة لأكثر من دولة من تلك الدول التي تعتقد أميركا بان لا ضرورة لكي يكون فيها تمثيل دبلوماسي، ومن هنا يتم اعتماد دولة ما تكون بالعادة في ذات الإقليم، يتم من خلالها التعامل مع دول متعددة من خلال هذه السفارة، (أيضا على سبيل المثال قد يتم افتتاح سفارة في عاصمة مثل عمان ويتم اعتماد هذه السفارة من الدول الأخرى المحيطة أو القريبة، والتي هي في هذه الحالة سوريا لبنان العراق.. وهكذا) كذلك فان عدم وجود سفارة في بلد ما، قد يكون لأسباب مادية بحتة، وفي أحيان أخرى قد يرجع السبب في عدم وجود تمثيل دبلوماسي بسبب وجود حالة من العداء بين الدول.
خلال الفترة الماضية وعلى مدار عشرات السنين، كان التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني يتميز بأنه موجود في العشرات من الدول، وان عدد الدول التي تعترف بفلسطين ومنظمة التحرير الفلسطينية أكثر بكثير من تلك التي تعترف بدولة الاغتصاب، وقد فاخر قادة المنظمة بذلك دائما، والحقيقة هي ان الموضوع لا يتعلق بالعدد الهائل للسفارات في الدول المختلفة، لان وجود سفارة في دولة ما مع وجود سفير " يهتم بالأعمال التجارية ولا يهتم بقضيته" هو في الحقيقة وجود مسيء أكثر منه فائدة للقضية، وقد أصبح معروفا للقاصي والداني ان هناك الكثير من السفراء الذين في الحقيقة لم يقدموا آية خدمات لا للقضية ولا للمواطن الفلسطيني، وقد تكون الرسالة التي بعثها أبناء الجالية الفلسطينية الذين تم قبولهم في البرازيل بعد ان ضاقت عليهن الأراضي العراقية والعربية، إلى الرئيس الفلسطيني خير دليل على عقم تعامل السفارات الفلسطينية بالخارج مع المواطن الفلسطيني. كذلك فان ما أثير مؤخرا في وسائل الإعلام حول ما يقوم به السفير الفلسطيني في إحدى الدول العربية وجبايته لما يعتقد فلسطينيو تلك الدولة بأنه "خاوة" دليل آخر على نوعية السفراء الذين يمثلون فلسطين في بعض الدول.
في الحقيقة لا اعلم ما هي المعايير التي يتم على أساسها اختيار السفراء، او من يمثلون فلسطين في الخارج، وما هي المعايير التي تعتمدها السلطة الفلسطينية في ترتيب أولوياتها من خلال اختيار الدول التي لا بد من وجود ممثل لفلسطين بها، إلا ان منطق الأمور يقول، بان هناك أبجديات او أساسيات لا بد من مراعاتها عند تعيين سفير في هذه الدولة او تلك، وهي في حدها الأدنى، ان يتحدث هذا السفير لغة البلد التي يتم تعيينه بها بشكل جيد جدا لا بل أكثر من ذلك لا مجرد المعرفة او العلم باللغة، كذلك فان من الضروري ان يكون السفير عالما بالطريقة التي يجب فيها مخاطبة الرأي العام في تلك الدولة وخاصة الغربية منها والتي تميل تاريخيا إلى دولة الاغتصاب، كما ان عليه انتقاء المفردات بصورة جيدة جدا وحذرة إلى ابعد الحدود، لان الخطب الرنانة في أحيان كثيرة قد تكون ضارة وقد تتسبب في فقدان الكثير من الدعم لقضية هي في الحقيقة رابحة ولا تحتاج إلى الكثير من الجهد للدفاع عنها.
بعد يومين من عملية القرصنة الدموية التي قامت بها دولة الاغتصاب في المياه الدولية شرق المتوسط، اتصل بي أكثر من صديق في الدول الغربية سواء عبر الهاتف او عبر البريد الاليكتروني، وكان احد هؤلاء الأصدقاء الصحفيين من دولة غربية الأكثر غضبا، لا أرغب بتسميتها حتى لا أتسبب بحرج أو إحراج لممثل فلسطين في تلك الدولة، وسألني " ماذا بحق الجحيم يفعل سفيركم هنا، ان السفير الإسرائيلي يجول في كل وسائل الإعلام مدافعا عن موقف حكومته برغم كل الإدانات الصادرة عن العالم اجمع، ولا نسمع حتى مجرد كلمة من سفيركم، ماذا دهاكم، وحتى وان تكلم فانه لا يستطيع ان يعبر عن قضيتكم، ما الذي يجري عندكم، كيف تعملون، العالم كله يقف إلى جانبكم وانتم لا تقفون إلى جانب أنفسكم، على الجميع ان يتحرك، إنها فرصة قد لا تتكرر في المستقبل القريب"، كان هذا تقريبا هو الترجمة الحقيقية لما قاله لي الصحفي الغاضب من أداء السفير الفلسطيني في بلاده، وللتأكيد على هذه المسألة فإنني اطلب من القراء الكرام ان يراجعوا وسائل الإعلام المختلفة والصحف على مدار الأيام التي تلت عملية القرصنة، لكي يكتشفوا ما الذي قام به سفراء دولة الاغتصاب في محاولة مستميتة للدفاع عن بلطجة دولتهم. وما الذي قام به سفراء فلسطين في أي من الدول، ويمكن لمن يشاء ان يطلع على ذلك من خلال محرك البحث غوغل، وهذه على أي حال عملية سهلة لمن يشاء من المسؤولين في السلطة لمراقبة عمل السفراء ونشاطاتهم دون انتظار التقارير الوهمية او المفبركة التي كان يلجأ إليها البعض قبل ثورة المعلومات المتوفرة بين أيدي الجميع.
لقد سمعنا الكثير عن مشاكل السفراء أو ممثلي فلسطين في لخارج، وسمعنا عن كيف تعامل بعضهم مع ممتلكات السفارات، وكيف يتصرف في سفارة فلسطين وكأنها "مزرعته الخاصة"، كما سمعنا عن سفراء لم يمارسوا سوى التجارة، واستخدموا تلك السفارات كمكاتب تجارية عقدوا من خلالها صفقات بدلا من عقد اجتماعات سياسية ودبلوماسية، وسمعنا عن فساد وصفقات..الخ، والحقيقة اننا قد نتفهم "هلع" الإنسان وطمعه وحبه للمال، لكن هذا لا يجب ان يكون بحال من الأحوال على حساب القضية والدماء والشهداء والمعاناة، هنالك حرب ضروس تدور بين الفلسطينيين وبين مغتصبي أرضهم، وهي الآن وأكثر من أي وقت مضى، معركة إعلامية بالدرجة الأولى وهي كذلك معركة علاقات عامة ورأي عام وأحيانا معكرة استخدام جيد للغة ومصطلحات بعينها تبتعد عن الغوغاء والهوجائية، ونعتقد بأنه قد آن الأوان لكي ينسى سفراء فلسطين ولو جزئيا بعضا من صفقاتهم التجارية، وان ينتبهوا ولو لمرة واحدة للدفاع عن قضيتهم العادلة، ونعتقد بان هذا هو الوقت الأكثر مناسبة، خاصة وان دولة العدوان سهلت عليهم مهمتهم من خلال بلطجتها في حربها على غزة وفي قرصنتها في أعالي البحار، ولم يعد الجهد المبذول من هؤلاء كما كان عليه في السابق.
على أي حال الموضوع حساس وخطير ومهم وضروري ، ومن هنا فان على احد ما في السلطة الفلسطينية، وهو هنا بالضرورة في المقام الأول الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس الوزراء د. سلام فياض ، ان يتخذ أي منهما خطوات جدية لكي يتم إصلاح ما أفسده السفراء.
14حزيران 2010
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية