إن التطلع إلى موقف أمريكي وأوروبي منصف للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ينطوي على عدم إدراك لحقيقة المشروع الصهيوني ولجوهر السياسة الأمريكية الشرق أوسطية، ويدل على استعداد سياسي للجري وراء سراب الوعود الأمريكية حتى الوقوع في الفخ الأمريكي، الذي وقعت فيه حركة فتح منذ 1988، ولم تخرج منه حتى الآن.
التجريب فيما يتعلق بالقضية السياسية مغامرة غير محمودة، وهدر للوقت وإضاعة للفرص، ولا سيما أن في التاريخ والتجارب السياسية التي خاضها الشعب الفلسطيني ما يكفي للاعتبار، وكشف جوهر سياسات الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وكشف حقيقة النوايا الصهيونية، واتخاذ مواقف سياسية صائبة، وبناء استراتيجية فلسطينية لمواجهة المشروع الصهيوني. ولا يجوز تجريب المجرَّب، الذي ألحق أضراراً فادحة بالشعب الفلسطيني وقضيته، وأدى إلى تحسين صورة الكيان الصهيوني المجرم، وسوغ لبعض الأنظمة العربية التطبيع مع الكيان الصهيوني بدرجات متفاوتة. والأصل في العمل السياسي الخاص بقضية فلسطين، فهم ثوابت السياسات الأمريكية الشرق أوسطية، ومتغيراتها، وفهم علاقة المشروع الصهيوني بالغرب، ودراسة دقيقة وعميقة للواقع العربي والإسلامي، ولتوازن القوى في منطقتنا، ولتوجهات الرأي العام الغربي خاصة، والعالمي عامة.
فجوهر السياسة الخارجية الأمريكية لا يتغير، لأنه يقوم على أساس الحفاظ على مستويات ثابتة من توازن القوى وتوازن المصالح وفق منظور المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية. وتعتمد صناعة القرار الأمريكي على متغيرات داخلية تساهم فيها كل مكونات النظام السياسي الأمريكي، بما فيها اللوبي الصهيوني. ولذلك فإن قرارات الإدارة الأمريكية هي محصلة توازن القوى السياسية الأمريكية، ومصالح هذه القوى. وهناك متغيرات خارجية تعتمد على المصالح الإستراتيجية الأمريكية وتدخل في صناعة أي قرار أمريكي يمس هذه المصالح، والولايات المتحدة تنظر إلى الكيان الصهيوني على أنه مصلحة لها، وحليف استراتيجي لا يمكنها التخلي عنه، ولا يوجد بديل له في منطقتنا.
ولذلك فإن التأثير على القرار الأمريكي لا يكون بإظهار حسن النوايا تجاه الأمريكيين والزعم بأنهم لا يمثلون مشكلة للشعب الفلسطيني، ولا بالمساهمة دون قصد في تحسين صورتهم الدموية البشعة، ولا بالغزل السياسي المبتذل مع الإدارة الأمريكية، فالولايات المتحدة لا تتخذ مواقفها بناء على عاطفة الآخرين تجاهها، وإنما تتخذها بناء على مواقف الآخرين وبرامجهم السياسية وممارساتهم في السلطة وعلى الأرض، وعلى تأثير هذه المواقف والسياسيات على المصالح الأمريكية ومستقبل الكيان الصهيوني. والولايات المتحدة تضع كل قوة سياسية في منطقتنا تؤمن بحقها في مقاومة العدو الصهيوني على قائمتها للإرهاب، وتحاربها، وتتآمر عليها، وتمنعها من الوصول للسلطة، أو تحاول إفشالها وإسقاطها إن وصلت، كما تتعامل اليوم الولايات المتحدة مع حركة حماس والحكومة التي شكلتها.
ما يجب التأكيد عليه في هذه المرحلة الخطيرة، استمرار الاشتباك في كافة الميادين والمجالات مع العدو الصهيوني، واستنزافه سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وإظهار حقيقة المشروع الصهيوني الاستعماري الإمبريالي العنصري، وكشف صورة الولايات المتحدة وحلفائها الذين يدعمون الكيان الصهيوني، عبر إظهار دورهم في الجرائم التي يرتكبها هذا الكيان ضد الفلسطينيين والعرب، ودورهم في انتهاك حقوق الشعب الفلسطينية وحرياته الإنسانية، وخاصة حق تقرير المصير، إضافة إلى الاستمرار في تأنيب الرأي العام الغربي، والتعويل على صحوته، وتحشيد قواه الحرة والشريفة، التي لا تقبل اعتداء العدو الصهيوني المدعوم من الغرب على الشعب الفلسطيني بذرائع دينية واستعمارية إمبريالية...
لقد استجابت منظمة التحرير الفلسطينية للشروط الأمريكية لبدء الحوار الفلسطيني الأمريكي، ودفعت الثمن غالياً، فماذا كانت النتيجة غير الضياع في متاهات سراب السلام، وإحباط الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وتعزيز التسوية بين الكيان الصهيوني وبعض الأنظمة العربية، ما أدى إلى التطبيع وإلى عقد اتفاقيات بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية، فكان لتلك الاتفاقيات أثر خطير جداً على القضية الفلسطينية، ما زال الشعب الفلسطيني يعاني منه إلى الآن، وربما إلى سنوات عديدة.
لقد اعترفت المنظمة بما يسمى (إسرائيل)، وعدلت ميثاقها، ورغم ذلك لم تغير الولايات المتحدة مواقفها العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته، بل استمرت في دعم مواقف الحكومات الصهيونية، والانحياز الكامل للمشروع الصهيوني، وامتصت المبادرات الفلسطينية للسلام، وأفرغتها من مضمونها ومن أي بعد سياسي إقليمي أو دولي، وحصرت الحوار في السفير الأمريكي في تونس، ووصلنا إلى ما وصلنا إليه. أليس في هذا عبرة لمن يريد أن يعتبر!
8/6/2010
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية