راهن الأمريكيون، وحلفاؤهم الأوروبيون، والصهاينة، على انشغال المواطن العربي بمشاكله المعيشية، وطغيان هذه المشاكل على القضايا السياسية والمصيرية العربية، ولا سيما القضية الفلسطينية، وما يخطط لمنطقتنا من تغيير جذري، يذوب في أتُّونه وجود أمتنا العربية، ويندمج بمقتضاه الكيان الصهيوني في منطقتنا، اندماج هيمنة استعمارية قسري، في سياق المشروع الإمبريالي الغربي "الشرق الأوسط الجديد".
لقد راهن الغربيون والصهاينة على تلاشي الاهتمام الشعبي العربي بالقضية الفلسطينية، بعد اضمحلال الاهتمام الرسمي العربي بها، لتتحول فلسطين إلى مجرد أطلال يتغنى بها الشعراء، وليتبخر حلم تحرير فلسطين وإقامة دولة فلسطينية، ولينفرد الكيان الصهيوني بتيار التسوية الفلسطيني، ويُخضع التسوية لتوازنات القوى، التي يتفوق فيها تفوقاً هائلاً على الفلسطينيين، فيقيم الدولة اليهودية التي خطط لها منذ أكثر من قرن، على أنقاض فلسطين، ويعزل الشعب الفلسطيني في غيتوهات محاصرة وخاضعة للكيان الصهيوني، ولا يتجاوز سقف حلم الفلسطينيين الذي يعيش في تلك الغيتوهات سماح العدو الصهيوني لهم بالتنقل والسفر، والنجاة من غول العنصرية الصهيونية، خاصة في الداخل الفلسطيني، هذا إن لم يقدم العدو الصهيوني على تهجيرهم عنوة إلى البلاد العربية، وتوطينهم هناك، أو تهجيرهم إلى غزة.
ولكن الأيام والأحداث أثبتت أن ذلك الرهان خاسر. فمن ناحية، أدت الدعوة إلى الإصلاح الديمقراطي التي نادت بها الولايات المتحدة في منطقتنا العربية، في عهد بوش الابن، إلى لفت أنظار العرب إلى ضرورة الإصلاح والتغيير، ولكن الولايات المتحدة كفت عن دعوتها، خوفاً من وصول حركات الإسلام السياسي إلى السلطة، لاعتقاد الولايات المتحدة بأن ذلك يهدد نفوذها في منطقتنا، ويهدد الكيان الصهيوني أيضاً.
ومن ناحية ثانية، أدت الحروب التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، والكيان الصهيوني، على العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان، إلى شعور الأمة العربية والإسلامية بأنها أمة مقهورة، مستباحة الحرمات والأوطان، منهوبة الثروات، مهدورة الحقوق والكرامة، مهددة الوجود، يتطاول عليها الكيان الصهيوني الغاصب، الذي يتمتع بدعم الغربيين وتأييدهم، والذي أخذ يبطش بالمدنيين في فلسطين ولبنان، وفي مناطق متفرقة من العالم العربي، دون ردع أو عقاب من مجلس الأمن الدولي، خاصة في ظل الفيتو الأمريكي ضد أي قرار أممي يدين الكيان الصهيوني أو ينادي بردعه، رغم الجرائم التي ارتكبها، ورغم ضربه بالمواثيق والمعاهدات الدولية والقانون الدولي عرض الحائط.
ومن ناحية ثالثة، أدى وجود حركة حماس في السلطة وتمسكها بثوابت الشعب الفلسطيني وخيار المقاومة، ورفضها الاعتراف بما يسمى (إسرائيل)، وبباقي شروط اللجنة الرباعية، وما نجم عن ذلك من ردة فعل عدوانية قام بها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وحلفاؤها ضد غزة، على تمسك حماس بالثوابت والحقوق والمقاومة، وخاصة الحرب الصهيونية على غزة، وانتصارها في هذه الحرب على العدو الصهيوني، أدى ذلك إلى هبوب رياح لا تشتهيها سفن المشروع الإمبريالي الغربي، التي مخرت عباب بحر منطقتنا العربية المائج بعنف، وما كانت تتوقعها قط، وعلى رأسها ما نشهده اليوم من تقهقر للعلاقات بين تركيا والكيان الصهيوني، واقتناع المواطن العربي بأن عملية التسوية السياسية للقضية الفلسطينية هي مجرد كذبة، وملهاة للشعب العربي، وانصراف عن ميادين المواجهة الحقيقية مع العدو الصهيوني إلى المفاوضات العبثية، ولا يمكن أن تؤدي إلى سلام في منطقتنا، بل تخدم فقط الكيان الصهيوني، الذي يشكل تهديداً استراتيجياً للأمة العربية والإسلامية.
أدى الحراك الناتج عن دخول حماس المعترك السياسي، وتداعيات ذلك، إلى إزالة الصدأ عن الوعي الجمعي العربي، والمساهمة في إنضاجه وإعادة تشكيله وفق أجندة الممانعة والمقاومة الشعبية. وعملية إنضاج الوعي الجمعي وإعادة تشكيله هي عملية تراكمية، الزمن جزء مهم في إتمامها، وكذلك الحراك السياسي المتعلق بالقضية الفلسطينية. ومن حسن الحظ، أن تياراً واسع الانتشار في العالم العربي والإسلامي، تمتد جذوره عميقاً في المجتمعات العربية والإسلامية، خاصة في أوساط الأكاديميين والإعلاميين والسياسيين والمهنيين وغيرهم، أصبح ينادي بإنهاء التسوية، وبمقاومة العدو الصهيوني، والإصلاح الشامل، وتغيير النظام الرسمي العربي، الذي فشل في حماية فلسطين وشعبها، وكرامة أمتنا وأرضها. وما يؤكد قوة هذا التيار، ردة الفعل الفورية والواسعة للعرب والمسلمين على الجريمة التي ارتكبها الصهاينة ضد المتضامنين الإنسانيين على متن سفينة مرمرة.
وهكذا، تجاوزت حماس حدود الزمان والمكان، وانتقل دورها من حمل الهم الفلسطيني إلى حمل هموم أمتنا، وأصبحت عقبة كئوداً في وجه تصفية القضية الفلسطينية، وفي وجه مشروع الهيمنة الأمريكية. ولذلك كان علينا جميعاً تأييد حماس، ودعمها، والثقة بها، رغم ما يشاع عنها من شائعات تخرج من المطبخ الصهيوأمريكي للدعاية المضادة، لأن حماس هي الجهة المقاومة الوحيدة التي تتمتع بزخم كبير وشعبية متعاظمة، في فلسطين والعالم العربي والإسلامي.
6/6/2010
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية