نكبة شعبنا متواصلة ومستمرة بالكثير من الأشكال والتجليات،فصحيح أن المعطيات والمتغيرات والواقع عربياً ودولياً وزيادة حالة الوعي عند شعبنا وصموده الأسطوري لا تمكن الاحتلال من تنفيذ عمليات طرد وتهجير جماعي بحق شعبنا الفلسطيني، كما حصل في نكبة عام 1948،ولكن عقلية الاحتلال تتفتق كل يوم عن الكثير من الوسائل والأساليب للقيام بنفس هذا الدور دون أن يترتب على ذلك عقوبات دولية واتهام بارتكاب عمليات تطهير عرقي وجرائم حرب.
فدولة الاحتلال تدرك جيداً أن جوهر وجودها قائم على مشروعها الاستيطاني ونفي وجود الشعب الفلسطيني،وضمن هذه الرؤيا تعمل ليل نهار لتحقيق هذا الحلم،فهي تبدع وتخترع وتسن كل يوم قوانين وتشريعات عنصرية جديدة الهدف منها طرد وترحيل السكان الفلسطينيين من أرضهم ونفي وجودهم،فكان أن تفتقت العقلية الإسرائيلية عن إقامة جدار الفصل العنصري،هذا الجدار عدا عن أنه يلتهم مئات ألاف الدونمات من الأرض الفلسطينية،فهو يقطع أوصال الشعب الفلسطيني جغرافياً وديمغرافياً واجتماعياً،ويترتب عليه الكثير من التداعيات والنتائج الخطيرة اقتصادياً وصحياً وتعليمياً وحياتيا ونفسيا على الشعب الفلسطيني،بل هذا الجدار في تداعياته ومخاطره على الشعب الفلسطيني يوازي النكبة،فهو يهدف إلى اقتلاع شعبنا وطرده وتهجيره من أرضه بصمت ودون ضجة وعقوبات دولية تترتب على الاحتلال جراء ذلك.
فهذا الجدار يحرم الكثير من الفلسطينيين الواقعة أرضهم خلف الجدار من استغلالها وتعميرها واستثمارها وبالتالي فهي هدف للهجر والمصادرة،وأيضاً فهو يحرم الكثير من العمال الفلسطينيين من مصادر رزقهم وعملهم،وبما يضطر قسم منهم للهجرة خارج الوطن بحثاً عن لقمة العيش،كما أنه يقلص الى أقصى حد ممكن من الوجود الفلسطيني في مدينة القدس.
والمسألة لم تقتصر على جدار الفصل العنصري،بل العقلية الإسرائيلية العنصرية والاستعلائية والمشبعة بالروح التوراتية والأيدولوجيا المغرقة بالأساطير والحقد على الآخر وكره،دائمة العمل والبحث والتفكير والتخطيط لتدمير الحلم الفلسطيني،فالاستيطان لوحده غير كافي لطرد وترحيل الفلسطينيين،فلا بد من ابتداع أشكال وأساليب تسرع في طردهم وتهجيرهم من أرضهم،ففي القدس يفتح الاحتلال على المقدسيين حرباً شاملة تطالهم وتستهدفهم في كل تفصيلية وجزئية من مناحي حياتهم اليومية،وبما يحول حياتهم الى جحيم لا يطاق،والمسألة هنا ليست قصراً على إحاطة المدينة بجدار الفصل العنصري والمستوطنات والاستيلاء على البيوت وهدم المنازل ومصادرة الأراضي،بل الأمر يتعدى ذلك إلى تفاصيل الحياة اليومية،حيث الضرائب المتعددة الأشكال والتسميات ومنع الحصول على رخص للبناء وعدم توفير المدارس للطلبة وسحب بطاقات الهوية،وعزل جغرافي وديمغرافي واقتصادي عن محيطهم الفلسطيني،وبما يعني بالمحصلة النهائية سياسة طرد وترحيل قصري للمقدسيين من مدينتهم،والحال ليس بأحسن منه في الداخل الفلسطيني،حيث الاستهداف على نحو أكثر وضوحاً،فلا يكاد يمر يوماً إلا ونسمع عن مشاريع قرارات قدمت للكنيست أو قرارات أقرت،الهدف منها شعبنا في كل ما له علاقة بوجوده هناك من أرض وثقافة وتاريخ وتراث وهوية وذاكرة ووعي.
وغزة لا يكفيها أبشع وأطول حصار في التاريخ البشري،بل تفتقت العقلية الإسرائيلية العنصرية عن قانون أو أمر عسكري جديد حمل رقم 1650،والذي ينص أو يعتبر كل مواطن فلسطيني يحمل هوية غزة ويقيم في الضفة الغربية أو القدس مقيم غير شرعي تحت يافطة انتهاء مفاعيل تصاريحهم ،أو تحت حجج وذرائع واهية،الهدف منها نكبة جديدة وترحيل جماعي لأكثر من 80 ألف مواطن فلسطيني،بما يفرغ الأرض الفلسطينية من سكانها ويسهل السيطرة والاستيلاء عليها،ويشكل مقدمة لقوانين أخرى تستهدف فئات أخرى من الشعب الفلسطيني وبالتحديد المقدسيين منهم،حيث أنه بعد استكمال بناء جدار الفصل العنصري حول مدينة القدس،يجري اعداد خطط ومشاريع وإصدار قوانين،للتخلص من السكان الفلسطينيين المقيمين خلف الجدار من حملة هوية القدس،وكذلك المقدسيين المقيمين في الضفة الغربية،وهذا يتطابق مع الخطة الإسرائيلية الرامية إلى تقليص الوجود الفلسطيني في القدس الى ما يعادل 18 % من إجمالي عدد سكان المدينة.
نكبة مستمرة ومتواصلة،وتطال حتى أسرى شعبنا في داخل المعتقلات والسجون الإسرائيلية،فبعد قانون مقاتل غير شرعي،هذا القانون الذي يبقي الأسير الفلسطيني بعد انتهاء فترة حكمه في المعتقل بشكل مفتوح ودون عرضة على المحاكم أو اعطاءه الفرصة للدفاع والمرافعة،أو حتى تهمة واضحة،لجأت إدارت السجون وأجهزة مخابراتها الى أسلوب آخر وهو بعد انتهاء فترة حكم المعتقل، تساومه إما بالبقاء في المعتقل دون فترة زمنية محددة أو الموافقة على الإبعاد الى قطاع غزة أو خارج الوطن،في طريقة جديدة لطرد وترحيل أسرى شعبنا،وقد طبقت تلك السياسة بحق عدد من الأسرى الذين انتهت فترة حكمهم.
والمأساة هنا رغم أن نكبة شعبنا الفلسطيني مستمرة ومتواصلة،وتشارك فيها أطراف عربية وإقليمية ودولية،فما زلنا نحن أصحاب النكبة والمكتوين بنارها المستعرة كشعب فلسطيني ومختلف ألوان طيفه السياسي نعمق من جرحنا النازف بأيدينا،ونقدم الحجج والذرائع لعدونا وتلك الأطراف من أجل أن تستغل انقسامنا وإقتتالنا على سلطة وهمية،لكي تستمر في تحقيق وتنفيذ أهدافها ومخططاتها في تدمير مشروعنا الوطني والقضاء على حلمنا في العودة والحرية والاستقلال،وليس هذا فقط بل إذا ما استمر عليه وضعنا من ضعف وانقسام وغياب الوحدة والآستراتيجية الموحدة،فإنه من غير المستبعد أن تزداد نكباتنا ومصائبنا،ويتفكك مشروعنا الوطني وما يتبقى من أرضنا يصبح فرصة وعرضة للمشاريع البديلة وخصوصاً أن الاحتلال تقف على رأسه حكومة جوهر مشروعها يقوم على نفي شعبنا وإقصاءه .
ومن هنا فأن كل فصائل العمل الوطني الفلسطيني،وبالذات فتح وحماس،ومن أجل أن تقطع الطريق على البدائل والمشاريع المشبوهة،ومن أجل أن لا تتواصل نكبة شعبنا وتتوالد مزيداً من النكبات عليها أن تتخلى عن مصالحها الخاصة والحزبية الضيقة لصالح المصالح العليا لشعبنا الفلسطيني،وأن تضع حداً لحالة الانقسام المدمرة،والتي إذا ما تعمقت وتكرست فإنها ستكون كارثة على شعبنا الفلسطيني وعلى كل مكونات وجوده.
القدس- فلسطين
10/5/2010
0524533879
[email protected]
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية