صدر حديثاً عن دار "موزاييك" للدراسات والنشر في اسطنبول رواية جديدة للزميل الصحفي "حسين الزعبي" بعنوان "الموتى يلقون النكات".
وتسرد الرواية عبر 237 صفحة من القطع المتوسط حكاية المجتمع السوري بكل تناقضاته الفكرية والطبقية، وإرهاصات الحرب واللجوء بكل تقاطعاتهما.
وتشرح الرواية من ألفها إلى يائها الواقع بعين الرافض له، بلغة متميزة وأحداث متشابكة توضح قدرة الروائي على الالتقاط وتوظيف الحدث بشكل احترافي في إطاره الزماني والمكاني، ففيها ثورة على كل شيء، حيث تسكن روح شخصياتها وأحداثها المتداخلة.
وترصد الواقع السوري بشكل ذكي وسرد جميل معرجة على كثير من تفاصيله الاجتماعية والاقتصادية وحتى الجغرافية عبر مرورها على واقع الأحياء المهمشة "العشوائيات"، لاسيما تلك التي تحيط بالعاصمة دمشق، كما جاء في تصدير الرواية.
وروى الزميل "الزعبي" لـ"زمان الوصل" أن كتابته لهذه الرواية نوع من المساهمة في توثيق الحالة السورية خلال فترة الـ 22 سنة الماضية أي منذ استلام رأس النظام بشار الأسد للحكم، مع الإشارة إلى الظروف التي سبقت استلامه للحكم، وصولاً لفترة الثمانينات كنوع من الفلاش باك، ومن ثم عهد الأسد الابن وصولا إلى مرحلة الثورة ومخاضاتها والأسباب التي أدت إليها.
واستدرك "الزعبي" أن روايته محاولة لالتقاط مشاهد معينة من الحالة السورية وتحليلها على لسان الشخصيات وتقديمها من وجهة نظر الكاتب وبعين المراقب كونه صحفياً وكان جزءاً منها ومطلعاً على بعض تفاصيلها.
الكاتب المقيم في مدينة "نانسي" شمال غربي فرنسا أشار إلى أن الحدث السوري بقدر ما أشبع إعلامياً بقدر ما ظُلم في ظل فوضى الإعلام التي عززتها وسائل التواصل، لهذا حاول أن يقدم مادة توثيقية أدبية للأجيال التي ولدت قبل وبعد الثورة في محاولة لتعريفها بالمخاض السوري الذي أدى إلى هذه الثورة، وصولاً إلى تبعات الحرب بكل تفاصيلها، مع محاولة الغوص في تناقضات المجتمع التي كانت جزءا من مسببات الثورة بقدر ما كانت أيضا سبباً في عدم وصولها إلى ضفاف الأمان.
وتحكي الرواية كما يقول كاتبها قصة حب بين اثنين جمعتهما ظروف الثورة وفرقتهما تبعاتها، ضمن سياقات لها علاقة بالبنى الاجتماعية والاقتصادية الفكرية مثلما لها علاقة بما فرضته الحرب من حالة لجوء وتفسخ أسري فرض على السوريين لأسباب موضوعية أحياناً وأسباب نفسية أحياناً أخرى، وثمة شخصيات مركبة في الرواية تعيش تناقضات تصل لدرجة الهستيريا.
وفيما يتعلق بعنوان الرواية المغرق في المفارقة ودلالاته الرمزية قال الزعبي: "إذا أردنا أن نقول إن الذين يعيشون في المخيمات مثلاً أناس أحياء فنحن بشكل أو بآخر نبتعد عن الحقيقة، فمن فقد بيته ووطنه والجزء الأكبر من ذاكرته وأفراد من عائلته وربما أجزاء من أعضاء أجسادهم هو ميت بشكل أو بآخر".
استدرك: "لا يمكن أن نكون أحياء بالمعنى الكامل للكلمة ونحن نفتقد للهوية نفتقد لوطن ننتسب إليه، نبحث في مغترباتنا عن مكتسب الحصول على جنسية تمنحنا القدرة على زيارة بلدان معينة فقط لأنها قريبة من الوطن الذي بات ملقى في الذاكرة".
أما ربط الموت بالنكات فنحن نتحدث عن أشياء بقدر ما هي مؤلمة بقدر ماهي مضحكة فنحن مثلاً خرجنا بثورة على أمل إنجاز شيء معين، ولكننا خسرنا بلدنا وأسرنا وأناسنا وحياتنا، وربما ابتلعت المغتربات الكثير من قيمنا أيضا، فهل هناك سخرية وملهاة أكثر من ذلك.
ولفت "الزعبي" إلى أن رواية "الموتى يلقون النكات" تنتمي إلى المدرسة الواقعية وشخصياتها ليست حقيقية 100%، ولكنها تشبهنا، فكل منا مثلاً عرف عنصراً في الجيش الحر وعرف معتقلاً أو لديه معتقل أو مفقود أو مغيب أو شخص غرق في البحر فهي شخصيات واقعية ولكنها لاتنضوي ضمن ما يعرف بالسيرة الذاتية.
وكشف "الزعبي" أن روايته جُهزت في البداية لتكون مسلسلاً درامياً، ولكن بسبب ظروف الإنتاج الصعبة قرر أن ينجزها كرواية في محاولة لتوثيق شيء ما روائياً بعيداً عن الحالة الفلمية التقريرية أو الصحفية.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية