يعرض الشاعر والفنان السوري "وفائي ليلا" فيلمه القصير الأول "اتصال" في مهرجان "سورملاند" للأفلام القصيرة في السويد.
ويأتي الفيلم بعد عناء سنتين وبمنحة ثقافية من مقاطعة "سورملاند" لتجديده في الأدب، لتصبح هذه المنحة هي رابع منحة يحصل عليها منذ قدومه إلى السويد قبل ست سنوات.
ويتحدث فيه عبر 15 دقيقة هي مزيج من الروائي والوثائقي عن انهيار مكان بالكامل وسقوطه بلا ذنب ولا ثمن وهو دمشق التي تعيش فيها والدته، وإرهاصات اللجوء في السويد وهواجس الانتماء إلى المجتمع الجديد فقد عاش سابقاً في المجتمع العربي الذي كان يتسم بعلاقات اجتماعية أكثر ترابطاً، ووجد نفسه قد تحول في السويد لمجرد رقم، رقمه الشخصي للضمان الاجتماعي.
وحول بداية شغفه بالسينما أشار ليلا لـ"زمان الوصل" إلى أن عالم السينما كان حلمه الأول وكان يتخيل أنه إذا أراد أن يحكي تجربته وسيرته الخاصة فسيكون عبر الصورة وفي مرحلة مبكرة من حياته لم يكن هناك مجال لأن يدخل معهداً للسينما أو يسافر علاوة على أن الوضع الاجتماعي لم يكن يسمح أيضاً بالدخول في هذا المجال، وجد أن الشعر هو أقرب خيار لالتقاط صور للحياة كما هي السينما تماماً ووضعها في نصوص وبالتالي صنع الحكاية، وكان الشعر مليئاً بالتفاصيل والحيوات واللحظات والانفعالات التي يمكن أن يمر بها الكائن.
واستدرك محدثنا: "تم جر الكاميرا إلى داخل الشعر واستخدامها بالتقاط كل جوانب الحياة على الصعيد الخاص والعام من خلال التقاط العالم إلى جانب أنني شغوف بالأفلام التي أثرت بي بقوة سواء كانت عربية أو غربية، وكانت تنتزعني من الواقع الصارم والقاسي كلحظة حلم.
وعن فكرة فيلمه اتصال روى ليلا أنها جاءت من أنه كان دائم الاتصال بوالدته المقيمة وحيدة في دمشق فتخبره عن الحرب ويوميات الحياة الصعبة، ولكن بطريقة ما وعبر السنوات الأخيرة مابين 2011 إلى 2017، حيث كانت الأحداث تجري في المكان الواقع وسط دمشق وبجوارها ولكن صعوبة الحياة في دمشق انعكست أثارها على الحديث.
وأردف محدثنا أن كل الأصوات والمشاهد الدامية كانت تصله وكان يعيش هو الآخر في مكان بعيد مليء بالوحدة والخوف والقلق في السويد على نقيض عالمين كلاهما معزولين عن الواقع ومحاصرين بشقة.
وتابع المصدر أنه صور في الفيلم ما كان يحدث في شقته من تداعيات وهواجس وما تقوله أمه في شقتها، ولكن في دمشق صور الحياة خارج المكان للدلالة على المكان والذاكرة التي تحكي عنه وهناك في الفيلم أحداث ووجوه وأسماء تخدم الحبكة.
ولفت ليلا المقيم في مدينة "نورشوبينغ" السويدية إلى أن فيلمه اتصال يحكي عن الاتصال المقطوع تقنياً، ولكن الموصول نفسياً ووجدانياً، وجاء الاسم –كما يقول- من فكرة الاتصال ذاتها وهي رسائل تلفونية تتفاعل في ذاكرة فيلم الفيلم أو أي أحد موجود في أوروبا.
واستدرك أن استحضار ما يحدث هناك وإيصال رسالة من هنا إلى هناك هو جوهر وفكرة الفيلم.
ونوّه مخرج الفيلم إلى أن حضوره في المكان الآخر في أوروبا كان يتجدد بشخص مذعور ومضطرب، ولا يستطيع أن يتصل بأحد أو يتواصل مع أحد، فقط يكتفي بأن يراقب العالم الخارجي من النوافذ وثقوب هواجسه دون أن يستطيع التواصل معه كما يحصل في الشقة بدمشق، فهذه السيدة المسنة لا تستطيع أن تخرج من منزلها ودائما تعيش في حالة خوف وقلق وتضع دوائها بجانبها، وتعيش كابوس سقوط قذيفة أو دخول غريب إلى المنزل والخوف، كما يقول هو العامل المشترك لدى الشخصيتين والرغبة بالتواصل للاطمئنان، ولكن الخط دائماً مقطوع تقنياً.
*بين الشعر والسينما
وحول علاقة الشعر بالسينما وهو الذي مارس الفنين أشار ليلا إلى أن اهتمامه بالعالم ينطلق من تصويره لهذا العالم، وبالتالي كانت الكاميرا أكثر دقة في تصوير الحياة، ولكن الشعر أيضاً يمكن أن يعطي مساحات أو معان أبعد وهو بكل الحالات ضروري للسينما تحديدا لإضفاء القيمة والملامسة الشعرية للمكان وتفاصيله.
ولاشك أن هناك -كما يقول- علاقة وثيقة بين الشعر والسينما وكأنهما من جنس واحد والفارق أن الكاميرا تحتوي تقنيات معقدة أكثر من صوت وإضاءة يمكن أن تساعد في نقل الواقع، والقلم أو الكتابة يمكن أن تكون تقنيتهما أبسط، ولكن مهمتهما أيضاً تجسيد الحالة الداخلية للكائن وإقامة علاقة ما مع الواقع.
وأوضح ليلا أنه كان ينوي كتابة رواية ووجد أن القص أو الحكي في الرواية صعب، ومن هنا جاءت فكرة الفيلم وحاول أن يكون فيلمه غير ممل وشيق وبنفس الوقت بسيط وعميق كالحياة وهذا تطلب الكثير من الجهد والانتظار والمعاناة التي استمرت لمدة سنتين.
ولفت محدثنا إلى أن فيلمه بمثابة قصيدة أو رواية أو حكاية طويلة أو قصة موت لمكان وذاكرة وبشر لأنه يحتوي عالمين متناقضين يجمعهما جذر واحد.
*موت معلن
وعبر صاحب الفيلم عن اعتقاده بأن تصنيف فيلمه صعب ففي لحظة يمكن أن تقول أنه وثائقي ولكنك تدخل في رواية وأشخاص وأحداث كثيرة موجودة في الفيلم، ولذلك يفقد هذه السمة ويذهب إلى مكان آخر ويقف الفيلم –حسب قوله- في منطقة تتراوح بين الوثائقي والروائي حتى الجهة الممولة احتارت في تصنيفه، كما قال.
واستدرك أن الفيلم يضم أحداثاً قد تكون امتدادات لذاكرة أو ذكريات قد لا يكون لها وجود على أرض الواقع، ولكنها استخدمت كرمز بشكل أو بآخر لتعبر عن هذا الموت المعلن المفجع ومقتل مدينة.
و"وفائي ليلا" مواليد دمشق 1964 درس الفلسفة في جامعة دمشق وعمل في البحرين لسنوات عديدة وفي العام 2015 لجأ إلى السويد وكان قد أصدر عدة مجموعات شعرية طبعت في بيروت ودمشق ميلانو واستنبول وهي: "متوقفا عن الضحك" 1997 - دار الفارابي بيروت "ما ليس ... أنا" 2006 - دار الينابيع استوكهولم السويد "يعطي ظهره للمرآة" 2009 - دار الفارابي. بيروت "مغسولاً بمطر خفيف"2003- دار جفرا دمشق "رصاصة فارغة قبر مزدحم" 2015 دار المتوسط إيطاليا "اسمي أربعة أرقام"2017- دار بيجيز تركيا "بيت واسع بحمامين 2018"- دار بيجيز أمستردام.
وفي العام 2020 صدرت مجموعة جديدة عن دار "مرايا " في الكويت بعنوان "قامة قصيرة لمعطف طويل " والتي أخذت عنوان "الآن ..مات أبي "حين ترجمت للسويدية " Nu är min far död".
وشارك عام 2020 في فيلم "الغابة" السويدي وهو يتحدث عن اللاجئين الجدد الذين اقتحموا عالماً مختلفا ًتماماً من اخراج ماركوس يونسون كاسترو.
كما شارك كممثل ومؤلف في مسرحية سويدية عربية بعنوان (مدن الخوف والحب).
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية