أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عندما ترى الأمور بعين أمريكية ... ا.د. محمد اسحق الريفي

تؤكد موافقة الطرفين الفلسطيني والصهيوني على استئناف المفاوضات غير المباشرة بينهما، بمباركة رسمية عربية، وبرعاية أمريكية، على أن القضية الفلسطينية أصبحت على عتبات مرحلة جديدة من التسوية السياسية، وأن الحكومة الصهيونية تهدف من وراء المفاوضات إلى استغلال حالة العجز والتخاذل العربي، وتدهور الأوضاع الفلسطينية، لحسم قضايا الحل النهائي للقضية الفلسطينية؛ وهي القدس واللاجئين والحدود، وفرض "التطبيع" على الدول العربية، التي أصبح معظمها مهيأ للاستجابة للإملاءات الأمريكية المطالبة بالتطبيع.

ويتضح من موافقة الطرف الصهيوني على تلبية مطالب سلطة رام الله، بالتدرج، لاستئناف المفاوضات غير المباشرة، أن المفاوضات تهدف إلى إحياء عملية التسوية السياسية، وتعزيز سلطة رام الله ومكانة محمود عباس، وممارسة مزيد من الضغوط على "حماس" والفصائل الفلسطينية الأخرى الرافضة لنهج التسوية السياسية، والملتزمة بنهج المقاومة. ومن أهداف المفاوضات أيضاً، تعميق الانقسام الداخلي الفلسطيني، وتعزيز مواقف الدول العربية المشاركة في عزلة حركة "حماس" وحكومتها، ومنح جامعة الدول العربية دور أكبر في حسم النزاع الداخلي الفلسطيني وإلزام الفصائل الفلسطينية كافة بالمبادرة العربية للسلام.

ومما يثير الريبة حول الموقف الرسمي العربي، أن الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى، برر الموافقة العربية على المفاوضات غير المباشرة؛ رغم عدم التزام الحكومة الصهيونية بما خرجت به قمة "سرت" حول المفاوضات؛ وهو تجميد النشاط "الاستيطاني"، بأن جامعة الدول العربية ستراقب الأوضاع على الأرض في فلسطين المحتلة عن كثب، لترى ما إذا كان الطرف الصهيوني سيلبي مطالب سلطة رام الله أم لا! وكأن جامعة الدول العربية تملك عدم الاستجابة للإملاءات الأمريكية أو أنها لا تدرك حقيقة المخططات الصهيونية التي يقف على رأسها اليوم رئيس الحكومة الصهيونية "نتان ياهو" ووزير خارجيته "ليبرمان"، والتي تهدف إلى تهويد القدس ومواصلة الضم الزاحف للأراضي الفلسطينية في الضفة المحتلة إلى مستوطنة "معالي أدوميم" وغيرها من المستوطنات اليهودية والصهيونية.

ولكن يا ترى أين كانت عين جامعة الدول العربية أثناء الحرب الصهيونية على غزة، وأين عينها من الحصار الصهيوني المفروض على غزة ومن عمليات التهويد والتهجير والاستيطان في القدس والضفة، وأين عينها من الحرب الصهيونية على المقاومة الفلسطينية في الضفة المحتلة، بل أين العرب المعتدلون من التهديدات الصهيونية المتواصلة بشن حرب على الشقيقة سوريا وإيران وعلى جنوب لبنان وغزة! كيف يقبل العرب المعتدلون التفاوض مع عدو يهدد منطقتنا العربية والإسلامية، ويتوعد سوريا وإيران ولبنان وغزة بالسحق والحرق؟ إنها عين المعتدلين العرب التي لا ترى الأمور إلا عبر العين الأمريكية ولا تتحرك إلا وفق الأجندة الأمريكية المنحازة تماماً للكيان الصهيوني.

كان الأجدر بالأمين العام لجامعة الدول العربية أن ينشغل بتوحيد الموقف العربي ضد التهديدات الصهيونية بحرب مدمرة في منطقتنا؛ يهدف العدو الصهيوني من ورائها إلى المحافظة تفوقه العسكري على العرب جميعاً. كان الأجدر به أن ينشغل برفع الحصار عن غزة، وإعادة إعمارها، ورفع المعاناة عن أهلها، وملاحقة قادة الكيان الصهيوني قانونياً وقضائياً على جرائمه التي ارتكبها ضد المدنيين في غزة. وكان عليه أن ينشغل بتوفير الدعم المادي والعسكري والسياسي للمقاومة الفلسطينية بدلاً من الانشغال بتوفير غطاء رسمي عربي لمفاوضات لا تخدم إلا الكيان الصهيوني، وتعزيز سلطة رام الله المتعاونة مع العدو الصهيوني.

وكان الأجدر بجامعة الدول العربية أن تنشغل بمحاولة الدفاع عن الوجد الفلسطيني في القدس المحتلة، وعن الهوية العربية والإسلامية للقدس المحتلة، وأن تبحث عن وسائل حماية الأقصى المبارك من التدنيس والهدم على أيدي اليهود والصهاينة، وأن تحمي حقوق اللاجئين الفلسطينيين وعلى رأسها حق العودة إلى ديارهم وأرضهم، بدلاً من دعم التسوية السياسية التي كرست الاحتلال الصهيوني ومنحته فرصة لاغتصاب الأرض وتهجير الشعب وطمس الهوية الفلسطينية العربية والإسلامية. فهل أعادت لنا المفاوضات المباشرة أي من حقوقنا المستباحة والمستحلة حتى يدعم العرب مفاوضات غير مباشرة؟

2/5/2010

(79)    هل أعجبتك المقالة (84)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي