أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الفذّ برهان بخاري ... حسن م يوسف

«صديقك رحل...» لم أسمع بقية ما قالته سامة ابنة المفكر والباحث برهان بخاري على الهاتف، إذ راحت عبارتها المقتضبة هذه تتناسخ في داخلي حتى ملأتني.
تحزُّ الحسرة عنقي كسكين مثلومة لأنني لم أقم بواجبي كما ينبغي إزاء برهان في الفترة الأخيرة. فرؤيته مكبلاً بخيانة الجسد، كانت تتسرب إلى نومي وتسيطر على يقظتي وتجعلني، لوقت طويل، عاجزاً عن الكتابة. لهذا كنت أهرب من مواجهة مرضه كي أستطيع القيام بعملي. وهاهي عبارة سامة تضعني في حالة الشلل إياها.
مضت نحو أربع ساعات وأنا أحدق في بياض شاشة الحاسب. في داخلي تمور الذكريات والعواطف بهياج يثير الدوار. فجأة أسأل نفسي: هل ماتت لغتي، حتى لم أعد قادراً على صياغة عبارة مقبولة أستهل بها الحديث عن صديق رحل؟ أتذكر قول المتنبي:
وَما المَوتُ إِلا سارِقٍ دَقَّ شَخصُهُ يَصولُ بِلا كَفٍّ وَيَسعى بِلا رِجلِ
إِذا ما تَأَمَّلتَ الزَمانَ وَصَرفَهُ تَيَقَّنتَ أَنَّ المَوتَ ضَربٌ مِنَ القَتلِ
منذ أن رأيت برهان بخاري لأول مرة قبل خمسة وثلاثين عاماً، تشكلت لدي قناعة رسختها الأيام، بأن برهان شخص فذ يطمح لخدمة أكثر القضايا نبلاً ووطنية وعلى رأسها الخير العام!
لم يسمح برهان لليأس أن يحتل لحظة واحدة من حياته، فعندما تعثر تحقيق نظريته الخاصة في الترجمة الآلية التي عرفت فيما بعد بنظرية (السوبرلنغوا)، انغمس في موسوعة الأنساب ومنها إلى موسوعة الحديث الشريف، فموسوعة الحضارة العربية الإسلامية، فموسوعة الشعر العربي. وقد كان جهده العلمي في مجال الشعر هو نواة موسوعة الشعر العربي التي صدرت عن المجمع الثقافي في أبو ظبي قبل سنوات ثم صدرت مؤخراً عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم.
مارس برهان بخاري كل ألوان الكتابة وكانت مقالاته الأسبوعية تعالج أكثر القضايا سخونة وقد قال في مقال له بعنوان (ازدواجية الانتماء ووحدة الولاء): «إنه يمكن أن يكون الشخص ازدواجي الانتماء ولكن يجب أن يتمتع بوحدة الولاء فأنا كبخاري يمكن أن أمارس عادات اوزبكية معينة أو أن أطبخ رزا بخاريا وذلك يفهم من باب التطعيم الثقافي، لكن ولائي الوحيد للعرب» ...«وفي حال قيام حرب بين العرب والأوزبك فسأقف إلى جانب العرب دون تردد».

 يرى برنارد شو إن «الحياة تساوي بين كل الناس، لكن الموت هو الذي يكشف البارز بينهم» آمل ألا يحول موتنا دون اكتشافنا لفرادة هذا الرجل.

عن الوطن
(112)    هل أعجبتك المقالة (82)

باسل نبهان

2010-05-03

أحب أن أقول أنَّ الأستاذ الفاضل برهان بخاري كان من خيرة المثقفين والأساتذة وقد عرفته عن كثب لأنني تشرفت بالعمل تحت رايته فقكان خير معلم وخير اديب وخير ناصح، أسأل الله تعالى أن يُسكنهُ فسيح جنانهِ وأن يُلهمَ ذويه الصبر والسلوان.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي