أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هل أدت سياسة اليد الممدودة إلى مأزق؟ .. مهى عون

إن المراقب لمسار تنفيذ ستراتيجية الرئيس الأميركي الشرق أوسطية الوسطية, بمعنى المنفتحة والتي تكللت بشعار اليد الممدودة, لا بد له من إدراك المحاذير التي باتت تترتب على هذه السياسة, أما وقد أظهر مسلسل الأحداث السياسية خلال سنة من حكم الرئيس أوباما, عن مراوحة في إيجاد الحلول الجذرية والناجعة والملائمة للأزمات الشرق أوسطية العالقة . إن الأخطار التي باتت محدقة بمنطقة الشرق الأوسط برمته, في ظل تنامي أصداء طبول الحرب, يدفع للتسليم بأن التوصل إلى حلول ناجعة للأزمات المتجذرة والقديمة فيه, قد يتطلب حلولاً سريعة وربما خارج عن إطار الديبلوماسية المرنة, وعن الروتين, وعن قاعدة لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم, وبالتالي مطلوب من الإدارة الأميركية التي تقود اليوم العالم ابتكارها واختراعها. ولكن لا بد من الإشارة إلى تنبه الرئيس الأميركي في الآونة الأخيرة لعقم سياسة الليونة والديبلوماسية الهادئة, حين اصطدم بالتطرف والتعنت الإسرائيليين, فأعلن عزمه على الإمساك بالثور مباشرة من قرنيه, على خلفية اعتباره بأن قضية الشرق الأوسط أصبحت قضية أمن قومي أميركي, ولا بد من تكثيف الجهود من أجل حلها.
لم يتأخر الرد الإسرائيلي على هذا التبدل في السياسة الأميركية,إذ أثارت مواقف الرئيس الأميركي المستجدة توجسات الجهات اليهودية التي كانت معتادة خلال فترة بوش على المساندة العمياء ومن دون أي شروط مسبقة, فاستنفرت القيادات اليهودية, ودعا المسؤول الأول في اللوبي اليهودي الأميركي الرئيس الأميركي إلى مراجعة مواقفه الجديدة في رسالة عتاب وجهها إلى البيت الأبيض. بالمقابل دق العاهل الأردني خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة جرس الإنذار, من خلال الرسالة التي حمله إياها العرب بعد قمة سرت الأخيرة, ومفادها إن العرب باتوا على قناعة بأن إسرائيل هي بصدد دك كل مبادرات السلام, وأنه لا بد لإدارة الرئيس أوباما من التحرك بسرعة قبل أن يسبق السيف العزل, ويدخل العالم الشرق أوسطي بكامله في مسلسل درامي من العنف والحروب غير المقدر مدى عقباها.
ولكن الجدير بالذكر أيضاً هو أن القضية الفلسطينية ليست وحدها التي هي في خانة انتظار الحلول الأميركية المناسبة. فعدم الاهتمام الذي أبدته الإدارة الأميركية حيال مجريات الانتخابات في العراق وتداعيات نتائجها هو ملفت وقد يكون غير مفهوم. لم تأخذ حتى الساعة الإدارة الأميركية موقفا واضحاً حيال الأزمة التي تلت إعلان نتائج الانتخابات في العراق ,بسبب رفض هذه النتائج من الأطراف التي ترعاها إيران في الداخل العراقي, وذلك على خلفية عدم التأثير على الرأي العام العراقي, وبحجة الإحجام عن التدخل لتفادي تشويه صورة العملية الانتخابية الديمقراطية. ولكن ماذا عن غياب التعليق الأميركي على نوايا وعزم الفريق الخاسر تغييب هذه النتائج في سياق إعادة الفرز المنوي قيامها قريباً في منطقة بغداد? وماذا عن غياب الرأي الأميركي الصريح حيال عدم اعتراف الخاسرين في الانتخابات بأحقية الفائز بها الرئيس السابق أياد علاوي في ترؤس الحكومة المقبلة.
 وكأن الحاصل حالياً في العراق عبر تمدد وارتياح الهيمنة الإيرانية من جديد ليس مرشحاً للارتداد سلبا على الولايات المتحدة, وكأنه ليس محتملاً أيضاً أن يطال في مرحلة لاحقة إن لم يكن الوجود البشري الأميركي في العراق, على أقله مصالح الولايات المتحدة ومصالح شركاتها النفطية هناك. قد يرد البعض بأن هدف الولايات المتحدة حاليا ينحصر في كيفية التمهيد لخروج قواتها من العراق. ولكن في حال كان الانسحاب من العراق هو الهاجس الأول والأخير للولايات المتحدة حاليا, وسحب جنودها والكف عن تعريضهم لعمليات القتل والاغتيال يشكل الشغل الشاغل للإدارة الأميركية, فالسؤال هو على أي أساس يبنى وسوف يتم هذا الخروج? فإن كان فقط على خلفية الهرولة باتجاه الخارج فقط للتنصل من تحمل وزر تداعيات غزوة بوش الهوجاء للعراق, وترك الإرهاب فالتاً من عقاله يمعن في قتل الناس الأبرياء في الشوارع, لا بد ضمن هذا التصور من التساؤل أيضاً بشأن ما تترتب عليه عملية تسليم متجدد بالأمر الواقع الإيراني في العراق, وبشأن تداعيات ذلك على مستوى الشرق الأوسط برمته. المؤسف أن الرئيس الأميركي لم ير حتى الآن أهمية دعم العراق من أجل إعادة تحجيم إيران. وعلى هذا الأساس يمكن تصور ربح طهران مستقبليا على كل الخطوط, وصولاً إلى احتمال فرض إيران نفسها ككيان نووي قائم بحد ذاته, مع ما يعنيه ذلك من عملية انطلاق لسباق التسلح عبر الشرق الأوسط برمته. فهل الإدارة الأميركية هي بوارد انتظار إتمام هذا المسلسل الدراماتيكي في منطقة فائقة الأهمية من حيث مواردها النفطية, وفائقة الحساسية من ناحية الاستنفار السني الشيعي بداخلها? وماذا تستفيد الولايات المتحدة والتي تحولت إلى شبه شريك في الشرق الأوسط من تحويله إلى هكذا بركان نووي?
مراوحة وتردد أمام الملف الإيراني من ناحية, وديبلوماسية لينة ورخوة من ناحية أخرى, مكنتا إيران من التفوق على السياسة الأميركية. من دون أن نهمل أهمية مواقع التقدم التي حققتها إيران أيضاً بسبب عدم التنبه الأميركي لدهاء النظامين الحليفين الإيراني والسوري. اليوم تراهن الولايات المتحدة على إمكانية التباعد بين هذين الحليفين, وتراها مستعدة لبذل الغالي والرخيص لاجتذاب سورية. وتذهب في سياق تقديماتها الإغرائية للنظام السوري إلى حد الدفع بدول الاعتدال العربي وفي مقدمها لبنان لمغازلة النظام في سورية, وصولاً إلى الارتماء في أحضانه, من دون استبعاد في مرحلة مقبلة إمكانية رمي ورقة مصير كل القضايا الحقوقية والقضائية المحقة العالقة, على طاولة المفاوضات مع النظام السوري. كما أنه من المتوقع أن ترسل الولايات المتحدة قريباً ومن دون شروط مسبقة, بسفيرها إلى دمشق, بعد أن أعلنت عن عدم تأكدها في ما خص مسؤولية سورية في إرسال صواريخ "سكود" إلى "حزب الله". ولكن حتى الساعة ما من بوادر سورية تؤشر إلى الاستعداد الإيجابي للتعامل بالمثل مع كل هذه التقديمات, ولا إلى دنو ابتعاد سورية عن إيران, ولا إلى نوايا انخراط سورية في سياق سياسة الإدارة الأميركية الشرق أوسطية.
ثمة من يرى أن من المبكر الذهاب باتجاه مسعى تقييمي للسياسة الأميركية الشرق أوسطية. ولكن نظراً لاحتدام المواقف, ولمستوى التشنجات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط, ولدنو مرحلة الانفجار, ترتفع حدة التساؤل حول إمكانية تحقيق سياسة "اليد الممدودة" في المستقبل ما لم تستطع تحقيقه حتى الآن.

(92)    هل أعجبتك المقالة (90)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي