أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

قراءة في كتاب" حكاية سيدة مصر القديمة" ... محمد عبده العباسي

اسم الكتاب : حكاية سيدة مصر القديمة
المؤلفة : منال القاضي
الناشر : الهيئة العامة لقصور الثقافة 2010م
سلسلة حكاية مصر ـ العدد 2
تبدأ المؤلفة كتابها بتقديم صورة حية عن المرأة المصرية في عهد الفراعنة ، الكتابة موجهة لمن هم في سن الشباب في سلسلة مهمة يترأس تحريرها رجل له قامة كبيرة في التاريخ المصري وهو الدكتور عماد أبو غازي رئيس المجلس الأعلي للثقافة حالياً ..
تفتش المؤلفة حسب ما أوردت في تصديرها للكتاب عن أوراق جدتها الخاصة ، تلك الجدة التي حملت لها كتب التاريخ الكثير من المواقف النبيلة ، فكتبت عن " حنوت سن" وهو لقب حملته الفتاة المصرية في العصر الفرعوني ، ومعني هذا الإسم هو " ستهم" وهو لقب لازالت تحمله الفلاحة في الريف المصري تعبيراً عن التبجيل والإحترام ، وتؤكد المؤلفة علي أن المرأة المصرية حظيت بما لم تحظ به امرأة في العالم فهي سيدة الحضارات القديمة ومكانتها تفوق مكانة المرأة في العديد من الدول بفضل استقلاليتها وثقافتها ونجاحها وحقها في المسااة بالرجل في الوقت الذي كانت المرأة في الهند رغم حضارتها التليدة أقل شأناً من الرجل وكذلك في بلاد الفرس فكانت المرأة هناك تعاني من القيود التي تكبلها ومن المعاملة القاسية التي تلقاها وخاصة إذا ما أنجبت بنتاً فالمسئولية كلها تقع عليها كما أن الزوجة التي لا تنجب هناك يحق للزوج أن يسترد مادفعه لها من مهر في وقت الزواج ، وتعد ولادة الإناث في الصين كارثة كبري فلابد من قتلهن فوراً وبطريقة بشعة قد تصل إلي الحرق كما وأن من حق الزوج بيع زوجته وأبنائه أو طلاق الزوجة وإذا تركت البيت فإنها معرضة للجلد والحبس كما كانت هناك عادة ربط أقدام الصغيرات كي تظل قدمها في حجم صغير ولتمنح الفتاة حين تكبر الفرصة للزواج ، ولم تسلم بلاد كاليابان من عادة المعاملة السيئة للمرأة في نفس الوقت الذي كان من حق الأب بيع بناته لسداد ما عليه من ديون كما كان الطلاق من حق الرجل فقط حيث يكتب لزوجته ثلاثة سطور ونصف يعلنها فيه بطلاقها منه.
وفي العصر الجاهلي عانت المرأة كثيراً من الإضطهاد وقد أوردت سورة التكوير مسألة وأد البنات أحياء وكانت المرأة تعاني في حياتها الأمرين بعد موت زوجها من حرمانها من ميراث الأرض والأبل ، وكانت المرأة في بلاد الإغريق تعامل بأقل من الرجل بل وتوصف بأحقر الصفات ..
علي النقيض من ذلك كانت المرأة المصرية في عهد الفراعنة تحظي بتكريم كبير وبمكانة محترمة ، فعندما تولد تنادي بأجمل الأسماء وأرق الصفات ، وحين تكبر تتمتع بالمساواة مع الرجل في كل أمور الحياة وتؤكد النقوش الموجودة علي جدران المعابد الحقوق التي حصلت عليها المرأة الفرعونية كالحق في التعليم وارتقاء المناصب واختيار الزوج واستطاعت أيضاً الوصول إلي سدة الحكم كملكة متوجة .
فمنذ طفولتها تتعود علي النظافة الشخصية لتشب علي حبها وحين تتأهب الصغيرة للذهاب إلي المدرسة تتحمم جيداً وتغتسل بمساعدة أمها ثم تتناول طعام الفطور وتحمل " الأوستراكا" الخاصة بها وهي تصنع من الحجر الجيري لتكتب عليها دروسها وفي الوقت ذاته تداعبها الأماني بالحصول علي قلم البوص لتكتب به علي ورق البردي الثمين.
ومهنة " الكاتب " التي هي من أجل المهن وأكثرها احتراماً لم تكن قاصرة علي الرجال فقط بل كان من حق الفتاة أن تتعلمها وتتقنها مهما كانت مكانة أسرتها فالكتابة قد تصل بها يوماً إلي مرتبة عالية.
ولم تكن مرحلة الطفولة في حياة الصغيرة تمر عبثاً ودون مرح أو لهو فلديها الكثير من الألعاب المسلية كالنحلة الدوارة والأقزام والشخشيخات والعرائس المصنوعة من الخشب ، كما مارست الفتاة المصرية الكثير من الألعاب الرياضية كألعاب الكرة والجري والقفز وكانت تشارك في كثير من الإحتفالات والطقوس الجنائزية التي تتدرب عليها كالإحتفال بطقوس الإلهة حتحور.
وكان القانون المصري يكفل للمرأة كافة الحقوق ونعمت تحت ظلاله بحرية التملك والتصرف في أموالها وحفظ لها حقها في الميراث سواء آل إليها من زوجها أو من أهلها كما منحها الحق في الزواج أو الطلاق كما تذكر ذلك تعاليم الحكيم بتاح حتب .
وكما منحها القانون الحقوق فرض عليها العقوبات فيما إذا اقترفت ذنباً أو ارتكبت جرماً أو خانت زوجها أو شهدت زوراً أو شهرت بأحد وكانت العقوبات تسري علي النساء جميعاً حتي لو كانت المخطئة هي الملكة ذاتها.
أما عن دور المرأة فلم يقف عند كونها زوجة وأماً بل تعدي ذلك حيث شاركت في الحياة العملية كطبيبة ماهرة وحفظت البرديات أن مدرسة للطب أنشئت في العام 1500ق .م والتحقت بها طالبات وقد وجدت مقبرة للطبيبة المصرية " بسشت" وكانت رئيسة للطبيبات.
كما احترفت المرأة المصرية في عهد الفراعنةمهنة الكتابة وتأهلت لها وقد تدرجت في المناصب حتي وصلت إلي منصب مفتشة غرفة الطعام الملكية ومفتشة الخزانة ورئيسة المخازن وامينة الخزانة ومديرة قطاع الأقمشة وديرة إدارة الأختام .
وحظيت المرأة كذلك بمكانة محترمة في المجتمع الفرعوني حيث عملت ككاهنة وامتثلت لأحكام تلك الوظيفة من النظافة والطهارة ووصلت إلي منصب ( حمت نثر) أي خادمة الإله كما عملت في وظيفة( حموت كا) أي الكاهنة الجنائزية ، ولم يقف بها الأمر عند هذا الحد بل عملت مغنية الإله آمون في عهد الدولة الحديثة ، كما امتهنت العديد من المهن الأخري فعملت سيدة أعمال أو مرضعة أو مصففة للشعر وقامت بصناعة العطور كما اشتغلت بالغزل والنسج ونجد ذلك مسجلاً علي جدران مقابر بني حسن .
ورأت المرأة المصرية أن الوظيفة الحقيقية للمرأة هي ( بنت بر) أي ربة البيت التي تكون فيها في أجمل تجلياتها امرأة ممشوقة القوام تهتم بزينتها وجمالها فنالت احترام زوجها وحبه لها فهي تقوم بأعمال البيت وترعي الحديقة حتي أن أحد أبناء الملك خوفو قال :
ـ لتقترن بزوجة تحبك ، ليولد لك ابن .
فالزواج عند الفراعنة هو من الأمور الحياتية الهامة لدي المصري القديم لتكوين الأسرة الصحيحة والقويمة فقد كان يؤمن بأن الكون خلق من تزاوج الآلهة ، وكما حملت ربة البيت اسم (بنت بر ) حملت الأم اسم (موت) والزوجة اسم ( حمت).
والفتاة المصرية كانت رومانسية حالمة إلي حد بعيد وكانت تتزوج في سن الرابعة عشرة والفتي في سن السابعة عشرة.
وتؤكد الوثائق أن الزوج يتعهد عند الإقتران بزوجته بحسن معاملتها واحترامها ويقدم مايشبه " الشبكة" في وقتنا الحاضر كهدية لها ، أما في حالة تركها أو طلاقها فتحصل علي مايسمي الآن بمؤخر الصداق إضافة إلي ثلث ماكتسبه الرجل منذ اقترانه بها ، وكان الجمع بين زوجتين أمراً بالغ الندرة وقد يحدث فقط في البلاط الملكي.
ولم تغب الثقافة عن المرأة المصرية فكانت محبة للمطالعة والتزود بالمعرفة وبالتالي ينطبع ذلك علي أسلوب تربيتها لأطفالها ، كما كانت المرأة تسعي في حالات تعسر الحمل لزيارة الطبيب لإستشارته أو لطلب العلاج للصغير من الأمراض التي يصاب بها أو لعلاج التسنين أو ألام الأذن أو علاج التبول اللإرادي في الفراش.
وغلي جانب ذلك كله كانت المرأة المصرية سيدة مطبخ ماهرة تجيد طهي الطعام من اللحوم أو الأسماك أو الطيور إصافة إلي مهارتها في طبخ الخضراوات وصناعة الخبز الطازج والكعك واستخدام اللبن والعسل والبيض في كثير من المنتجات التي تقوم بصناعتها إلي جانب اهتمامها بجلب الأواني التي تساعدها وتهتم كذلك ببيتها فتجده نظيفاً معطراً بفضل ماتقوم به من أعمال الكنس والتنفيض والترتيب ورش العطور والعمل بكل جهد علي القضاء علي الحشرات المنزلية ومطاردة الفئران بإطلاق البخور في جنبات البيت ثم تبدأ في التزين والتجمل لزوجها فترتدي الملابس المصنوعة من الكتان والمحلاة بالزخارف الجميلة .
ولم يقف بها الأمر إلي هذا الحد بل نجدها تتحول إلي حكاءة ليس لها مثيل فتجمع صغارها قبل النوم لتحكي لهم قصصاً وحواديت ، ومن أشهر ماحكت المصرية القديمة لأطفالها قصة " سنوهي" وكيف حلم بالعودى إلي وطنه بعد طول اغتراب ورغم ما حققه في غربته من مكانة سامقة ..
كما نجد المرأة المصرية قد استطاعت أن تصل غلي مرتبة الآلهة وتحكي القصص سيرة إيزيس وأوزوريس الذي حقد عليه شقيقه ست وجهز له تابوتاً أغلقه عليه بالمسامير وألقي به في النهر ليصل إلي ظل شجرة بعد أن حمله ماء النيل حيث قصر احد الملوك وتحايلت ايزيس لتعمل لدي الملك كمرضعة لأطفاله وتحولت لطائر حام حول المكان ثم قامت بدفن التابوت عند أحد المستنقعات ، وحين علم ست بمكانه قام بتمزيق جثته وتوزيعها في أنحاء متفرقة إلا أن إيزيس استطاعت جمعه من جديد وأعادته للحياة وأنجبت منه ابنها حورس الذي شك ست في نسبه لأخيه حتي لا يحصل علي مكانته ، وبعد صراع طويل انتصرت ايزيس واستطاعت اثبات بنوتها لحورس ونسبه لأبيه أوزوريس وانتصر الحق.
كما كانت " حتحور" ربة مدهشة لها عدة شخصيات فهي حاكمة السماء وروح الأشجار ووتمثل في صورة عين شمس أو صورة القطة " باستيت" ، وكانت سخمت هي الربة القوية المعبرة عن غضب الإله رع وكانت منف هي مقر عبادتها وهناك نوت إلهة السماء ونفتيس ابنتها وماعت المرأة الجالسة وعلي رأسها ريشة نعام والتي كان لها دوراً كبيراً في تحديد مصير الإنسان بعد موته حيث تعقد له محاكمة يرأسها الإله أوزوريس ويشترك فيها اثنان وأربعون قاضياً في الوقت الذي يدون فيه تحوت رب الكتابة عند المصريين وقائع المحاكمة.
وفي النهاية تؤكد المؤلفة علي دور المرأة المصرية وهي تعتلي سدة الحكم مثل نفرتاري وتفرتيتي وإياح حتب ومرسجر وأحمسي نفرتاري ابنة سقنن رع أما الملكة حتشبسوت فقد أفردت لها المؤلفة صفحات عديدة نظراً لدورها الكبير والمؤثر في الحياة المصرية وكانت أعظم امرأة اعتلت عرش مصر لما تتمتع به من جمال وذكاء وقوة ومنُحت لقب " من رأت الإلهين حورس وست".
واتسم عهدها بالبناء والتشييد فأصلحت ماخلفته غارات الهكسوس وأنشأت العديد من المدارس وأمرت بإنشاء مسلتين عاية في الروعة ومعبد الدير البحري وأرسلت الرحلات الإستكشافية إلي بلاد بونت .
ولكن الملكة الجميلة والتي اتخذت لنفسها لحية كالرجال انتهت حياتها نهاية غامضة ، ثم تلا حتشبسوت مريت نيت وخنتاكاوس ونيت إفرت وسبك نفرو وتاوسرت التي انتهت ياتها نهاية غير معروفة.
وهكذا نجد أنفسنا في رحلة سياحية تجولنا فيها في ربوع المرأة المصرية في عهد الفراعنة وكانت رحلة شيقة بما زودتنا به الكاتبة من معلومات وقدمت في نهاية الكتاب تعريفاً لبعض معاني الأسماء والصفات التي وردت عبر صفحات الكتاب.
ـــــــــــــــــ 

بورسعيد
مصر

(96)    هل أعجبتك المقالة (90)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي