أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عودة العراق إلى العراق ... أمل بدأ يتحقق ... مهى عون


 عودة العراق إلى محيطه الطبيعي والحضن العربي ودوره ضارب في التاريخ وله تأثيره في المنطقة
     من المعروف أن الانتخابات هي حتى الساعة وإلى حين اكتشاف وسيلة أخرى الأداة الديمقراطية الوحيدة المتوفرة لإنتاج السلطة. لذا لا يجوز الخروج عن نتائجها كل مرة لا تناسب الطرف الخاسر فيها. وإذا كان لابد من الإقرار بالفجوات التي تتضمنها هذه الوسيلة البشرية (والكمال لله), فحاجتنا اليوم للتذكير بنواقصها تأتي بمناسبة احتجاج رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي ورفضه للنتائج الخارجة من صناديق الاقتراع. من نواقص هذه الوسيلة إنها تسهل إعادة إنتاج السلطة القائمة بسبب التأثير المباشر وتدخل مختلف أدوات السلطة القائمة في عملية الاقتراع. وبالتالي قد يكون طبيعياً أن تأتي عادة النتائج إن لم يكن لمصلحة السلطة القائمة مئة في المئة, على أقله تناسبها بمعدلات مرتفعة جداً. والغريب أن السيد المالكي تغاضى عن هذا الأمر وعن هذه الحقيقة واعتبر أن تلاعبا ما بهذه النتائج متناسياً أنها جاءت على هذه الشاكلة رغم تدخل أجهزته تساندها قوات "فيلق القدس" الإيراني بكل إمكاناتها المتوفرة على الأراضي العراقية. والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه بالتالي هو: إذا كانت النتائج في ظل ضغوطات أدوات السلطة وحلفائها جاءت على هذه الشاكلة, أي بفارق ضئيل لصالح رئيس الوزراء السابق د. أياد علاوي وللقائمة العراقية التي يتزعمها, فكيف لو كان المالكي خارج السلطة وغير قادر على التأثير المباشر على الأرض? ربما كان هذا الفارق الضئيل سيتحول إلى فارق شاسع ليعبر بشكل أوضح عن حقيقة الوضع القائم فعليا على الأرض. وهو ما عبر عنه د. علاوي حين قال عند نهاية العمليات الانتخابية بأن قوى خفية حاولت ردع الناس حتى لا يصوتوا له, ولولا مجهودهم هذا لجمع أكثر بكثير من 91 مقعداً.
       ولكن رغم بروز هذه الأوضاع الجديدة لا بد من التسليم بأن المشهد المستقبلي ليس محسوماً حتى الساعة وما زال مشرعا لشتى الاحتمالات في ما خص مرحلة تأليف الحكومة العتيدة. فالرئيس المالكي بعد همود ردة فعله الأولية هو اليوم بصدد إعلان معركة جديدة قائمة على معادلة نية التنسيق والتحالف مع القوائم الثالثة والرابعة أي قائمة الائتلاف الوطني العراقي بقيادة المجلس الأعلى الإسلامي العراقي بزعامة عمار الحكيم (70 مقعداً), والتحالف الكردستاني (43 مقعداً) بهدف الحصول على أوسع كتلة برلمانية تؤهله وفق رأيه بناء على ما أعلنه لمحازبيه بأن حظوظه لاحتلال منصب الرئاسة من جديد هو أمر أكثر من مؤكد . ومنذ يومين شكل صدى لهذا الارتياح كلام صدر على لسان الرئيس الإيراني حين توجه للرئيس جلال طالباني إذ قال "ان العراق سوف يحظى بمستقبل مشرق... وبأن إيران ستدعم وحدة وأمن العراق دائماً" ونعتبر أن أي تقدم في العراق هو تقدم لإيران ولا نضع أي قيود أمام توسيع العلاقات الثنائية". كلام جميل ولكن على رأي المثل "أسمع كلامك أفرح أشوف أعمالك أستعجب"... إذ يمكن وضع هذا الكلام في خانة الاستعدادات الطيبة, ولكن كما العادة لا بد من التريث وانتظار ما وراء الأكمة, وما وراء الكلام المعسول, أما وقد عودنا الرئيس الإيراني على طابع الازدواجية في تصاريحه ومواقفه في ما خص العراق. يبقى أن ارتياح المالكي للنتائج ومن ثم كلام الرئيس الإيراني والذي يتسم بالطابع نفسه إنما ينما عن أمر شبه مؤكد وهو أن إيران ليست بصدد الانكفاء بهذه السهولة عن الساحة العراقية, وليست بوارد إرخاء قبضتها الحالية. ما يؤشر إلى مرحلة مستقبلية تسبق تشكيل الحكومة العراقية تتسم بالتشنج وشد الحبال, الأمر الذي يعني أيضاً ان تشكيل حكومة الائتلاف الوطني الذي سبق وتكلم عنها د. علاوي قد تكون ولادتها عسيرة وربما متعثرة.
      في كل الأحوال ومهما كان شكل الحكومة المقبلة سوف يظل الواقع الجديد الذي أفرزته صناديق الاقتراع مهيمناً على الأجواء السياسية العامة على الساحة العراقية. فالمشهدية السياسية التي طفت على الوجه غداة الانتخابات البرلمانية لها علاقة بأمر أهم وهو تعبير العراقيين عن توقهم ورغبتهم وشوقهم لعراق الالتحام والوئام والانفتاح والعيش الكريم المؤمن لمختلف مكونات الشعب العراقي من دون تمييز أو تفرقة. والفوز النسبي لقائمة د. علاوي والممثلة لمختلف المذاهب والتيارات الطائفية في العراق إنما يشكل تجسيداً لهذا الخيار ولهذا التوق ولهذه الرغبة.
  في الحقيقة كان لا بد من أن يأتي هذا اليوم, يوم عودة العراق من جديد إلى عراق الأصالة والاعتدال وتقبل الآخر. فبرنامج د. علاوي الانتخابي والذي عبر عنه في أكثر من مناسبة إنما يصب في هذه الخانة, في خانة استبعاد ورذل الطائفية السياسية التي أرست جو التخاصم والفرقة والقتل والموت والخراب بين العراقيين. مع العلم أن الطائفية ليست ميزة متجذرة في الشعب العراقي كما هي الحال في لبنان, ولا تشكل خلفية خفية مدمرة كما هي الحال في لبنان, لاعتبارات خارجية تدعي التمسك بالانتماء الوطني الوحدوي. الشعب العراقي وحتى في أحلك أيام الشدة رفض بمختلف مكوناته ممارسات تنظيم "القاعدة" الإرهابية, بواسطة تحركات شعبية مؤلفة من "قوات الصحوة" وغيرها, كما أيضاً رفض بالمقابل المواقف الراديكالية المتطرفة التي كان يطلقها كل مدة وينفذها بشتى أشكالها العنفية على الأرض رجل التيار الصدري الأول مقتدى الصدر.
     عودة العراق إلى العراق, هي أيضاً عودة العراق إلى محيطه الطبيعي, وإلى الحضن العربي. فالعراق هو في النهاية بلد عربي المنشأ والهوى قبل أي انتماء أو انجذاب آخر. ودوره على الصعيد العربي والإقليمي هو ضارب في التاريخ وتأثيره في مجريات الأحداث في المنطقة هو غني عن التعريف. والآمال معقودة اليوم على استعادة دوره الإقليمي حتى يؤدي دور الرافعة الطبيعية لمختلف القضايا العربية والأزمات العالقة. وكما شكل انهيار العراق زلزالاً طاولت تداعياته السلبية مختلف الأقطار العربية, كل الأمل أن يشكل خيار عودته للالتحام مع إطاره العربي الطبيعي نقطة انطلاق لإعادة المارد الإيراني إلى القمقم وإن كانت مهمة جداً صعبة بعد التمدد والتوسع الذي حققه خلال السنوات الماضية.

 

كاتبة لبنانية.
(85)    هل أعجبتك المقالة (86)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي