دكتوراه في الإعلام - فرنسا
لم أشك، ولو لحظة واحدة، بأن السيد وليد جنبلاط ، سيعتذر عن تصريحات أطلقها عام 2007، تسيء إلى سوريا ورمزها الرئيس بشار الأسد. كان لا بدّ أن يعتذر لأن غيره وأهم منه سارع بالاعتذار والوقوف على أبواب دمشق.
في أعقاب اغتيال الحريري، ظنّت أطراف لبنانية أن لبنان سيكون منطلقاً لغزو أمريكي - أوروبي لسورية، وأن القيادة السورية تعدّ أيامها قبل الرحيل، ورأى بعض اللبنانيين أن أمريكا وفرنسا خاصة تضغط على سورية بكل قوة، لتحجم دورها العربي في المنطقة. وهكذا ذهبت ظنونهم إلى حد التفكير، بأن الدور السوري سيتناقص حتى ينتهي، بينما يتسلمون هم المناصب والجوائز ويصبحون "جلبيين أو علاويين أو دباغين" ( نسبة لعملاء الاحتلال الأمريكي للعراق).
لقد ذهب رئيس الحزب التقدمي جنبلاط، إلى حد التآزر مع عبد الحليم خدام الذي تحالف مع العدو ضد أبناء شعبه ووطنه، واتهم سورية والرئيس بشار الأسد باغتيال الحريري، الأمر الذي لم تثبته المحكمة الدولية ولن تثبته، فخدام نفسه يعلم أن الصهاينة هم وراء ذلك الاغتيال.
ولم يكتف جنبلاط وغيره من بعض الأحزاب اللبنانية بذلك، بل شنوا هجوماً على سورية وشعبها وقائدها، وأطالوا ألسنتهم تقرباً من العدو وإرضاء له، ظانين بذلك أنهم سيجنون ثمرات تعاونهم معه عند سقوط النظام السوري وانهياره. ولا شك أنهم تلقوا وعوداً بذلك من جورج بوش والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك.
وبدا لهم لأول وهلة أن الأمور تسير كما يخططون، فلقد تحالف الإخوان مع خدام، وتحالفت جماعة "14 آذار" مع الشيطان والهدف اقتلاع شوكة اسمها دمشق.
لكن هيهات، فالعالم كله، لا يستطيع أن يتجاهل دمشق هذه، واستطاعت سورية بفضل الحكمة السياسية والهدوء والأناة، وتلاحم القيادة مع الشعب السوري، أن تبني لها حلفاً مقاوماً منيعاً، وأن تجبر الدول العظمى في العالم على احترامها وتقدير دورها، بل والمرور من خلالها في كثير من القضايا الحساسة.
عندما انحاز الرئيس السوري إلى مطالب شعبه والشعوب العربية بالوقوف إلى جانب المقاومة، التف الشعب السوري حوله وتلاحم الطرفان بطريقة أضاعت على أعداء سورية فرصة النيل منها أو مسها بسوء.
وشيئاً فشيئاً، أدرك " التحالف اللبناني" المعادي لسورية، أن الدول التي يعتمد عليها لا تتردد في تجاهله مقابل التقرب من سورية والانفتاح على سياستها.
وفي فترة قصيرة نسبياً، اشتعل غزل الرئيس "ساركوزي" بسورية، ومن بعده الاتحاد الأوروبي بكل دوله، ثم بدأت أمريكا نفسها التعبيرَ عن رغبة في الانفتاح على دمشق. وفي الوقت نفسه خطت العلاقات السورية - السعودية خطوات سريعة في الاتجاه الصحيح. وكالعادة عادت الشمس السورية لتشرق من جديد، وإن لم تكن قد غابت يوماً.
أدرك وليد جنبلاط، أنه لا حل أمامه إلا دمشق، وأن سورية تستطيع أن تفعل ما لا يستطيع فعله أعدائها ولا سادة أعدائها. وهذا ما فهمته قوى لبنانية عديدة، أن لبنان لن يتنفس إلا من سورية، وأنه لا حلّ إلا بالعودة إلى حضن الشقيق الأكبر.
لهذا استقبلت سورية العديد من الزعماء في لبنان، ولنا في زيارة رئيس الوزراء سعد الحريري خير دليل على ما نقول. ولكل هذا أدرك جنبلاط أنه سيكون وحيداً دون دمشق، ولما طلب العودة إليها، فقد كان عليه أن يعتذر عما بدر منه. وكما أساء أمام وسائل الإعلام لسورية وشعبها وقائدها فقد كان عليه أن يعتذر لسوريا وشعبها وقائدها أمام وسائل الإعلام.
بل أكثر من هذا، فسورية لم تسمح لوليد جنبلاط بدخول أرضها قبل أن يعتذر وحسب، بل كان عليه أن يتصالح مع القيادات اللبنانية الأخرى الحليفة لدمشق، فسورية كما يعلم جنبلاط وغيره وفية لحلفائها وذات سياسة ثابتة، و كما أساء الرجل لحزب الله فقد كان لزاماً أن يصالح حزب الله وكما أساء إلى العماد عون كان لزاماًُ عليه أيضاً أن يتوافق معه من جديد.
وهكذا ظهر الزعيم وليد بيك، على قناة الجزيرة الفضائية ليعتذر بصراحة لا تشوبها شائبة لسورية وللرئيس الأسد. وليقول بأن تصريحاته لم تكن لائقة وصدرت في لحظة غضب، وليعترف أنه قال كلاما غير لائق في" لحظة تخلّ" خرج فيه "من العام إلى الخاص في ظرف انقسام وتوتر داخليين".
ليس فحسب بل فلقد تمنى أن يتجاوز الأسد تلك التصريحات، وينسى الماضي ويفتح صفحة جديدة. ولما سأله الصحفي عما إذا كان سيزور العاصمة السورية قريباً، قال" سنرى ما إذا كانت القيادة السورية راغبة في تجاوز تلك اللحظة، وإذا وجهوا دعوة فلن يكون لدي مانع وقتها".
إنني واثق من أن القيادة السورية و الرئيس الأسد سيفتحان صفحة جديدة مع جنبلاط، وسينسيان الماضي كما تمنى، وذلك لأن سورية هي الشقيق الذي يحتوي على مر الأزمان أخطاء أشقائه العرب في كل مناسبة، وليس هذا مقام التدليل على ذلك.
هكذا عرف كل شخص حجمه، وهكذا عرفنا دون ريب، من رأسه في الأرض ومن رأسه في السماء، ومن كان مصيباً ومن كان مخطئاً فندم.
كان على جنبلاط أن يعتذر، فليس من حل أمامه إلا الاعتذار، فقد اعتذر قبله كثر، وعندما يحسن الاتحاد الأوروبي علاقاته بدمشق ويعرض عليها الشراكة فهو يعتذر، ولما تعيد واشنطن سفيرها إلى دمشق فهي تعتذر، لا يستطيع أحد تجاوز سورية، والذين حاصروا سورية حاصروا أنفسهم، وهاهم اليوم على أبوابها أرتالاً. وقد ذهب شيراك وذهب بوش وصمدت دمشق وسيذهب غيرهم كثير وستبقى صامدة دمشق.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية