أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من "مبروك" إلى "عظَّم الله أجركم".. رصاص طائش يحول حفلات الأعراس إلى سرادق عزاء

أكثر ضحايا هذه الحوادث غالباً ما يكونون من ذوي القربى - جيتي

يُعد إطلاق الأعيرة النارية في الأعراس وغيرها من المناسبات الاجتماعية ظاهرة سلبية وسلوكاً غير حضاري اعتاد عليه الكثير من الناس للتعبير عن الابتهاج في هذه المناسبات، ولكن هذا التعبير الذي يبدو عفوياً في ظاهره لطالما حصد أرواح أناس أبرياء وزرع الموت في أجواء الأفراح فانقلبت بين لحظة وأخرى إلى مآتم وسرادق عزاء، وتحولت الزغاريد إلى بكاء وعويل وتبدلت كلمة "مبروك" إلى "عظَّم الله أجركم"، ولكن من الذي يشكر سعي الذين يسرقون البهجة والفرح ويزرعون الحزن والأسى.

واللافت أن أكثر ضحايا هذه الحوادث غالباً ما يكونون من ذوي القربى وهذا مما يزيد من فظاعة ومآسي هذه الحوادث ويجعل بلسمة الجراح فيها أصعب.

"يحيى العبد الله" شاب في الثلاثين من عمره كان يعمل في مدينة "تبوك" بالمملكة العربية السعودية في مجال التمديدات الصحية، وهو متزوج ولديه ثلاثة أطفال جاء لحضور عرس أحد أقاربه في حمص فلقي مصرعه على يد صهره الذي دعاه بنفسه لحضور العرس، ولم يكن يتخيل أن نهايته ستكون على يده نتيجة طلق ناري طائش.

حول تفاصيل هذه الحادثة المؤسفة يتحدث والد القتيل قائلاً: "كان ابني يجلس في عرس أحد أقاربنا واتصل بصهره يدعوه لحضور العرس فاعتذر بداية لأنه غير مدعو، ولكنه حضر بعد إلحاح وبعد دقائق صعد ابني إلى أعلى المبنى المشرف على مكان الحفل ليصور العرس بكاميرا كانت معه وعندما جاء صهري المذكور سارع إلى إطلاق رصاص مسدسه إلى الأعلى تعبيراً عن احتفاله بزفاف العريس دون أن ينتبه إلى وجود شقيق زوجته في أعلى المبنى بسبب الظلام وأتت طلقة قاتلة في ذقن ابني فسقط على الأرض وسالت دماؤه بين الحاضرين الذين سارعوا للصعود إلى الأعلى وتم إسعافه إلى مشفى قريب ولكنه لفظ أنفاسه الأخيرة بعد نصف ساعة.

وتابع محدثنا: "لم أقم بالادعاء على صهري لأنني اعتبرت الأمر قضاء وقدراً ثم إن الجاني اُودع السجن تنفيذاً للحق العام، وقد اشترطت على أهله بعد خروجه من السجن أن يظل متوارياً عن الأنظار سنة كاملة كي تبرد الدماء وعندها لكل حادث حديث كما تقتضي التقاليد العشائرية في البادية السورية. 

*طفل يقتل والده
طلقات أخرى طائشة حولت عرس إلى مأتم في حفلة زفاف بقرية "رجم طقو" التي تبعد 10 كم إلى الشرق من حمص بعد أن أُصيب ثلاثة أشخاص فارق الحياة واحد منهم وبقي اثنان في المشفى قيد العلاج بطلقات طائشة من مسدس حربي، وفي التفاصيل أن ( أ . ش) 23 عاماً توفي متأثراً بإصابة طلق ناري لدى حضوره عرس لأحد أقاربه.

وعزا التقرير الطبي الذي صدر عن هيئة قانونية تابعة للنظام حققت في الحادثة سبب الوفاة إلى نزف رئوي حاد ناجم عن دخول طلق ناري نافذ في جسمه، وبعد إلقاء القبض على مطلق النار، ويدعى (ح .م) 23 عاماً اعترف بإطلاقه النار من مسدس عائد لشقيقه (أحمد . أ) من دون علم الأخير.

(ع . هـ) طفل في التاسعة من عمره لقي مصرعه هو الآخر في عرس بإحدى قرى محافظة الحسكة السورية بعد إصابته بطلق ناري في رأسه على يد والده الذي كان يطلق النار من مسدسه ابتهاجاً بعرس أحد أقاربه فأصاب ولده في رأسه، ما أدى إلى وفاته قبل وصوله إلى المستشفى.

وفي مدينة حلب الواقعة تحت سيطرة النظام وقعت في السنوات الماضية العديد من الحوادث التي تحولت الأعراس فيها إلى مآتم ولعل أكثر هذه الحوادث غرابة مقتل شخص على يد ابنه الذي لم يتم الثالثة من عمره من مسدس خاص بالقتيل منذ سنوات.

وفي تفاصيل الحادث التي تناقلتها وسائل إعلام محلية حينها أن محمد (ص) 32 عاماً، كان يحضر عرس قريب له ضمن مزرعته في قرية (خان العسل)، وبعد أن قام بإطلاق عدة أعيرة نارية من مسدسه الحربي المرخص أزال المشط وأعطى المسدس لطفله الجالس بجانبه ليعبث به دون أن ينتبه إلى وجود رصاصة في بيت النار سرعان ما انطلقت من المسدس وقتلت الأب على الفور، وقد تم تداول صور الحادثة من خلال تطبيق "واتس آب"، إذ كان أحد الحاضرين يقوم بتصوير حفلة العرس من جهازه الخليوي، فقام بتسجيل لحظة إطلاق النار من قبل الطفل على والده، ثم سقوط الاثنين على الأرض الأول من ارتداد المسدس والثاني مضرجاً بدمائه.

وجاء في تقرير الطبيب الشرعي أن "سبب الوفاة ناجم عن النزف البطيني والصدري الصاعق جراء اختراق الطلقة لجسد القتيل".

وفي إحدى مناطق حلب أراد أحد الحاضرين لعرس شعبي أن يعبر عن ابتهاجه، فأطلق رشقة من مسدسه تحية للعريس وأخطأت إحدى الرصاصات طريقها واستقرت في جسد شقيقه الشاب لتقتله في الحال..!!‏

*نزعة إفرادية غامضة !
وللوقوف على رأي القانون في مسألة إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات قال المحامي "محمد فرحان الحرشة" المقيم كلاجىء في الأردن لـ"زمان الوصل"  إن ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية في الحفلات التي تُقام في المدن والقرى تعبيراً عن الأفراح هي من أشد أنواع التعبيرعن مظاهر اللامبالاة بالقانون وسيادته واللعب بأرواح ومصائر الناس وقد كثرت للأسف في لسنوات التي سبقت الحرب وأثنائها حوادث الأفراح التي انقلبت بين لحظة وأخرى إلى أتراح وعزاء، فهل هذا تعبير عن الفرح والسرور أم أنه مجرد تعبير عن نزعة إفرادية غامضة يعيشها من يلجأ إلى مثل هذا الأسلوب للتعبير عن الفرح الغوغائي.

وبالعودة إلى نصوص القانون أوضح الحرشة أن الفقرة آ من المادة 11 من أحكام الدستور السوري نصت على عدم جواز استعمال الأسلحة المرخصة في المناطق التالية المناطق السكنية – مناطق التجمعات مثل الحفلات والمخيمات – المناطق الصناعية – المناطق النفطية – ومن هذه المادة الآنفة الذكر- كما يقول المحامي الحرشة- نجد مدى خطورة حمل واستعمال السلاح، وخاصة في الفقرة الأولى والثانية منها وما نص المشرع أتى بناء على أحكام الدستور إلا لتبيان مدى فداحة حمل السلاح في هذه المناطق عدا عن استعمالها أثناء وجود حفلة فنية أو عرس شعبي وما يطال الحاضرين لهذه الحفلات من خوف وهلع وهيجان وخاصة أن أغلب من يحضر هذه الحفلات والأعراس هم من الأطفال والنساء.

*قرارات على ورق
وكانت عدة مجالس محلية في الشمال المحرر قد أصدرت قرارات بمنع ومعاقبة مطلقي الرصاص العشوائي.إذ أصدرت السلطات المحلية في مدينتي "الباب" و"اعزاز" بريف حلب، قرارات بمنع إطلاق النار في الأفراح، تحت طائلة المحاسبة، وذلك بعد كثرة شكاوى الأهالي من هذه الظاهرة السلبية.

وجاء في تعميم المجلس المحلي في مدينة "إعزاز" بريف حلب الشمالي إنه يمنع إقامة أي حفلة عرس إلا بموجب ترخيص رسمي من مديرية قوات الشرطة والأمن العام وكتابة تعهد بعدم إطلاق النار في الإفراح تحت طائلة تشميع الصالة وتوقيف العريس وغرامة مالية ومصادرة السلاح.

وأصدر فرع الشرطة العسكرية في مدينة "الباب" وريفها شرقي حلب، تعميماً مماثلاً بمنع إطلاق النار في الأفراح، وفي حال مخالفة التعميم سيوقف مطلق النار فورا وتقديمه للقضاء مهما كانت صفته العسكرية أو المدنية.

وكذلك أصدر فصيل "جيش الشرقية" التابع لـ"الجيش الوطني" قراراً قضي بمنع حمل السلاح وإطلاق النار في الأعراس والمناسبات في جميع قطاعات الفصيل بمناطق "نبع السلام" و"درع الفرات" و"غصن الزيتون" تحت طائلة العقوبة.

ونص القرار الذي اطلعت "زمان الوصل" على نسخة منه على منع استخدام السلاح الناري إلا في دواعي الضرورة القصوى أو ضمن المهمات العسكرية الرسمية، وحظر القرار استخدام الأسلحة النارية في المناسبات، مشدداً على أن أي مخالفة يتم ضبطها سيتم توقيف وفصل المخالف إذا كان عسكريا، ومصادرة سلاح المدني المخالف، ومن ثم سوقه موجوداً إلى الجهات المختصة ومصادر كل سلاح تم استخدامه دون دواعي الضرورة القصوى، ولكن هذه القرارات ظلت حبراً على ورق وبقيت الظاهرة قائمة والدم يسيل.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(204)    هل أعجبتك المقالة (172)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي