أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ماذا يعني منح فرصة أخيرة للمفاوضات! .. ا.د. محمد اسحق الريفي

قرر وزراء خارجية العرب منح فرصة أخيرة لمفاوضات غير مباشرة بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، رغم قناعة هؤلاء الوزراء بعدم جدية الجانب الصهيوني لإتمام سلام عادل، على حد تعبير لجنة متابعة المبادرة العربية للسلام، ولهذا فإن الفرصة الأخيرة تهدف إلى تحقيق شيء آخر غير السلام العادل!

يعبر قرار وزراء خارجية العرب عن سياسة المعتدلين العرب تجاه القضية الفلسطينية، فهم لا يتعاملون بجدية مع ما يشكله الكيان الصهيوني من تهديد خطير على أمتنا، ولا مع الصراع-العربي الصهيوني، بل يشاركون في تقزيم القضية الفلسطينية، وإلهاء العرب والفلسطينيين، وملء الفراغ الناجم عن فشل التسوية، لسد الطريق على خيار المقاومة، ومنح الكيان الصهيوني الفرصة تلو الفرصة، مجاناً، وعلى حساب الشعب الفلسطيني، ليتمكن العدو الصهيوني من تنفيذ مراحل متقدمة من مخططاته الخاصة بالتهويد والاستيطان، ولا سيما في القدس المحتلة، التي يصر العدو الصهيوني على استثنائها من شرط تجميد الاستيطان، ولو حتى لأجل قصير، وهو الشرط الذي يستخدمه رئيس فريق التسوية محمود عباس للضحك على الشعب الفلسطيني، والزعم بأنه حريص على وقف الاستيطان، مع أن وتيرة الاستيطان بلغت ذروتها في عهده، وكذلك التهويد والعدوان الصهيوني!

لقد تلقى رئيس الحكومة الصهيونية "بنيامين نتانياهو" قرار وزراء الخارجية العرب بالارتياح والترحيب، لأنه يدرك أن هذه الفرصة ستكون لصالح كيانه. والتعبير "فرصة أخيرة"، لا ينطوي على أي تهديدات عربية للكيان الصهيوني، فلا خيار لدى المعتدلين العرب سوى المفاوضات والتسوية الاستسلامية. وإذا كان هؤلاء المعتدلون العرب سيردون على التعنت الصهيوني بالذهاب إلى مجلس الأمن، فلماذا لا يتوجهون إليه الآن، إن كان ذلك يجدي نفعاً!

إذاً هذه فرصة للعدو الصهيوني، للتغطية على عمليات التهويد والاستيطان. وهي أيضاً فرصة لمحمود عباس، لأنها تمنحه غطاء رسمياً عربياً، للاستمرار في عبثه بالقضية الفلسطينية، ولأنها تبرر بقاءه في منصبه لدى الكيان الصهيوني والولايات المتحدة. وهي أيضاً فرصة للمعتدلين العرب أنفسهم، لأن إقصاء خيار المقاومة يطيل عمر النظام الرسمي العربي، ويبرر للأمريكيين دعم المعتدلين وعدم الإطاحة بهم. وهي فرصة لتهدئة منطقتنا، ولا سيما في ظل استمرار الاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي ومسجد بلال.

ومن ناحية أخرى، لا يحيد العرب المعتدلون قيد أنملة عن خيارهم الاستراتيجي المعروف، الذي يسمونه "خيار السلام"، الذي يقوم على أساس قبول الكيان الصهيوني في المنطقة، والتنازل له عن الأرض الفلسطينية التي يحتلها منذ 1948، والتعامل معه على أنه دولة مشروعة، وأن القضية الفلسطينية لا تتجاوز "نزاعاً" مع الجيران اليهود على بعض الحقوق والأراضي الفلسطينية، وليس "صراعاً" على الوجود وفلسطين. وذلك لأن المعتدلين العرب ليس لديهم أي خيار آخر، بل يحاصرون خيار المقاومة، ويعادون المقاومة الفلسطينية، لأنها تمارس حقاً طبيعياً مشروعاً، وهو مقاومة الاحتلال الصهيوني، وتسعى لانتزاع حقوق الشعب الفلسطيني بالقوة، بعد عجز النظام الرسمي العربي عن مواجهة الكيان الصهيوني لعقود عديدة، أو لأن بعض الأنظمة العربية خلقت لخدمة المشروع الصهيوني.

ويأتي قرار وزراء خارجية العرب في وقت تتزايد فيه الاعتداءات الصهيونية على الشعب الفلسطيني ومقدساته، خاصة في القدس المحتلة، ويرتكب فيه العدو الصهيوني جريمة بشعة، بانتهاك سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة واغتيال القائد في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" محمود المبحوح. وفي الوقت ذاته، لم يصدر وزراء الخارجية العرب أية قرارات إزاء الممارسات الصهيونية في القدس والضفة وغزة!

ويريد عباس من هذا القرار العربي إضفاء شرعية على تحركاته السياسية المشبوهة، وعلى مفاوضاته العبثية، حتى دون تجميد الاستيطان في القدس، ولا وقف عملية تهويدها وتهجير الفلسطينيين منها، إضافة إلى التغطية على العدوان الصهيوني، وعلى مشروع الاستيطان الذي يقف على رأسه "أفيغدور ليبرمان"، لفصل شمال الضفة عن جنوبها، وعزلها وحصارها من جميع الجهات، للحؤول دون قيام أي دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً، وقابلة للتواصل مع المحيط العربي.

هكذا يستمر حلفاء الولايات المتحدة في النظام الرسمي العربي في فشلهم، وتخاذلهم، وتواطئهم مع الكيان الصهيوني ضد المقاومة الفلسطينية، عبر منحه الفرص والوقت والهدوء، واستبعاد خيار المقاومة، وتكبيل الشعب العربي، ولا نتوقع منه غير ذلك، ولن يجدي القضية الفلسطينية نفعاً مناشدة جامعة الدول العربية أو القمة العربية!

5/3/2010

(69)    هل أعجبتك المقالة (83)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي