أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الانتخابات العراقية مرة أخرى ... رشيد شاهين




خلال الساعات القليلة القادمة، سوف يسدل الستار على المهزلة الكبرى، التي أرادها الغزاة ومن والاهم، هذه المهزلة التي تسمى الانتخابات العراقية، هذه العملية التي أريد من خلالها الإيحاء بأن "حدثا كبيرا جديدا" يجري في العراق، وانها "الثمرة" التي أتى الغزاة من اجل زرعها في ارض العراق، ليتذوق من خلالها أبناء هذا البلد، نسائم الحرية والديمقراطية والتغيير، وانها احد النتائج "الرائعة" التي تدعو إلى أن تتفاخر بها قوى الظلم والعدوان، التي حشدت كل ما لديها من قوة وبطش من اجل تدمير بلاد الرافدين، وأعادته عشرات إن لم يكن مئات السنين إلى الوراء عندما قامت بغزوه فاحتلاله قبل سنوات سبع من الآن.

الغزو الغادر والاحتلال الظالم لأرض الرافدين والذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية بتحريض بَيّنٍ من القوى الصهيونية الحاقدة، لم يأت للعراق وأهل العراق بأي من الأشياء التي يمكن وصفها بالايجابية، فأي ايجابية يمكن أن يجلبها احتلال لم يبق في العراق شيء إلا ودمره من أساساته، وأي خير يمكن أن يجلبه احتلال لبلد تم القضاء على بناه التحتية الأساسية وأراد تمزيق وتخريب نسيجه الاجتماعي، وأي خير يمكن أن يقدمه غزاة كان كل همهم القضاء على عراق يسعى إلى النهوض من حالة سبات تعم الأمة، وأي ايجابية يمكن أن تقدمها قوى الاحتلال لبلد كان على رأس أولوياتها ولا زال إضعاف هذا البلد وتقسيمه إن أمكن ليصبح بلدانا عديدة متناحرة متقاتلة.

لقد تم الترويج لديمقراطية سوف تترسخ في ارض الرافدين بسبب هذا الاحتلال، وتم " التطبيل والتزمير" لبزوغ ديمقراطية سوف تكون أكثر إشراقا من بعض الديمقراطيات العريقة، وصار الحديث خلال السنوات السبع العجاف الماضية يتركز على ان في العراق ديمقراطية تفتقر إليها الكثير من دول المنطقة، في الوقت الذي تتم فيه وبمحاولات محمومة وحثيثة ومستميتة من اجل التعتيم على كل ما تسببه هذا الاحتلال من تقتيل وذبح شبه يومي للعراق وأهل العراق، وصار الكل "من قادة العراق الجريح"، في عراق ما بعد الغزو، يتحدث عن انجازات وانتصارات غير موجودة إلا في رؤوس من يتحدث عنها ويروج لها، وتم غض الطرف عن كل ما تسببه الاحتلال من تدمير وقتل وسفك دماء وإفساد وفساد في ارض الرافدين، وشارك في ذلك بشكل فاعل كل من جلس على رأس هرم السلطة في العراق المحتل، وصار التنظير "للهِبَة" الإلهية التي أراد الله للرئيس الأمريكي بوش "الصغير" ان يكون صاحبها هو السمة الغالبة على كل ما جرى في ارض الرافدين. وماذا كانت النتيجة؟ عراق ضعيف خاضع يتكالب عليه القاصي والداني، ويتدخل في شؤونه كل من هب ودب، ويقوم على أمره عصبة ممن ربطوا أنفسهم وبالتالي العراق بالقوى الأجنبية، سواء كانت هذه القوى بعيدة- جغرافيا- كالولايات المتحدة الأمريكية، أو قريبة حد التلاصق، كالجارة الشرقية إيران بكل ما لها من أطماع ونفوذ في هذا العراق.

الحديث عن انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية وشفافة، في ظل احتلال مباشر من قبل قوة عظمى تحتفظ بعشرات الآلاف من الجنود الرابضين على صدر العراق، وفي ظل هيمنة ونفوذ إيراني ابتدأ مع النهار الأول للاحتلال لا يمكن إن يكون سوى حديث واهم يهدف إلى المزيد من تزوير إرادة العراقيين والى مزيد من تشويه الحقيقة والتعمية على كل ما جاء به الاحتلال. حيث مع هذه الديمقراطية المزعومة جاء فساد ودمار اخذ في طريقه كل ما تم بناؤه في العراق خلال عشرات السنين، وسادت خلاله أمية غير مسبوقة في بلد كان يفاخر العالم بأنه تم القضاء على هذه الآفة منذ ثمانينيات القرن الماضي، ومع هذه الديمقراطية صار العراق بدون ماء ولا كهرباء أو أي خدمات أخرى، لا بل مع هذه الديمقراطية أصبح حصول المواطن على مشتقات النفط في بلد النفط أكثر صعوبة من أي بلد في العالم لا علاقة له بهذه المادة.

الانتخابات العراقية التي ستتم بعد ساعات من الآن، ليس سوى أكذوبة كبرى يراد من خلالها ممارسة المزيد من محاولات شق الصف العراقي، الذي لا زال حتى الآن يقف عنيدا أمام كل محاولات التجييش الطائفي والعرقي، حيث من غير المعقول أن تنشطر العشيرة والعائلة التي تتكون من السنة والشيعة في كثير من الأحيان، وفي بعض الأحيان من الأكراد والعرب، لقد غاب عن بال هؤلاء الذين يحاولن زرع الفتنة بين مكونات الشعب العراقي، أن هناك تشكيلة "غريبة عجيبة" و "كيمياء" خاصة بالمجتمع العراقي، لا يمكن لمن يكون أن يشق وحدتها ويؤثر على تماسكها. ونسي هؤلاء الذين شكلوا تحالفاتهم على أسس إثنية وطائفية ومذهبية، انهم أصبحوا عراة مكشوفة عوراتهم لدى أبناء جلدتهم، ولم تعد شعاراتهم الطائفية المجنونة تؤثر في هؤلاء، لان " الطابق" أصبح مكشوفا ولم يعد خافيا على احد من أبناء العراق.

منذ جاء الاحتلال ومنذ قرر بريمر قراراته الأولى، كان جليا أن النوايا مبيتة من اجل تمزيق العراق، وان أي حديث عن ديمقراطية في ظل قرارات تقسم الشعب العراقي إلى مذاهب واثنيات وطوائف الهدف منها حربا مستمرة بين كل هذه المكونات ليس سوى لذر الرماد في العيون، ومن هنا ان الحديث عن انتخابات وديمقراطية في ظل ذلك سيبقى "كذبة" أخرى جديدة يحاول الغرب وأتباعه تسويقها لتسويغ سفك دم "العراق" والعراقيين.

لا نعتقد بان أحدا بحاجة إلى ما قيل انه تقارير أمريكية عن تدخلات إيرانية على كل المستويات من اجل التأثير سلبا في نتائج الانتخابات العراقية، كما ان الحديث ضمن تلك التقارير عن صلات وعلاقات مشبوهة بين مجموعات كبيرة من المرشحين لتك الانتخابات، ليس بالأمر الجديد، حيث كانت تلك العلاقات واضحة منذ اللحظة الأولى للاحتلال، ويعلم الجميع ان آلافا من رجال الميليشيات الذين عارضوا نظام صدام حسين، قد أتوا إلى العراق من إيران، وان هؤلاء كانوا تاريخيا أدوات في يد النظام الإيراني من اجل زعزعة استقرار العراق، كما ان هؤلاء لم يأتوا "هكذا" من السماء، فهم أتوا تحت سمع وبصر القوات الأمريكية التي سهلت في كثير من الأحيان دخولهم إلى العراق، كما انه أصبح معروفا التنسيق الكامل بين إيران وأميركا فيما يتعلق بالموضوع العراقي وتقاسم النفوذ في هذا البلد، إلا ان السؤال هو، إذا كانت أميركا تحذر من مثل هذه التدخلات، فلماذا ساهمت في وصول من وصل إلى سدة الحكم في العراق وهي تعلم بعلاقاته حد التبعية إلى أسياده في طهران؟، وما الذي فعلته أميركا من اجل منع دخول الآلاف من رجال المخابرات وبقية أجهزة السلطة الأمنية الإيرانية إلى العراق؟، ولماذا اتخذ بريمر ما اتخذه من قرارات كانت كفيلة بفرض هذا الواقع الطائفي البغيض في العراق.

الحديث الأمريكي عن تمويل إيراني لمجموعات وأحزاب عراقية، وعن علاقات بين قادة تلك الأحزاب حتى وان كان حديثا " مخلصا"، إلا انه يأتي في وقت متأخر جدا، وقد يكون لما يتردد عن علاقات متوترة بين إيران وأميركا بشان الملف النووي الإيراني علاقة بذلك، برغم ما ينا من تحفظات حول هذه الضجة، التي نعتقد بأنها مفتعلة في كثير من جوانبها، وعلى أميركا التي جاءت "محررة" إلى العراق ان تدرك بان ما يجري في العراق كان أساسا بسبب احتلالها له في العام 2003.

منذ البداية ومنذ تشكل مجلس الحكم برعاية وتوصية من بريمر، الذي يقال بأنه خرج من العراق بمليارات الدولارات، لم تكن النوايا تجاه العراق جيدة ولا بريئة أو حسنة، وكان الغرض الأمريكي واضحا في استهداف البلد وإخراجه من معادلة الصراع العربي الصهيوني، وقد نجح بوش وعصابته من الصهاينة، في فعل ذلك ولو بشكل مؤقت، ومن هنا فان التباكي على دور إيراني في العراق وعلى تدخلات إيرانية في كل صغيرة وكبيرة فيه، لم يعد مقنعا لأنه من فعل أمريكي صرف، وتم بأياد أمريكية أو بأياد هي في الحقيقة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية.

الانتخابات العراقية التي ستجري خلال ساعات لن تأت سوى ببرلمان عاجز آخر، لن يكون بحال من الأحوال أفضل من سابقه، وهو سيكون أداة طيعة في اليد الأمريكية كما الإيرانية، وسيرى العالم انه نسخة مكررة عن البرلمان السابق مع بعض التغييرات الطفيفة هنا وهناك، إلا ان السمة العامة له سوف تكون الوجوه الكالحة نفسها، والأيادي غير النظيفة ذاتها، وسوف تكون الأسماء هي ذات الأسماء وستظل الممارسة هي عينها، وسيتفشى الفساد بشكل اكبر مما كان عليه الأمر في ظل البرلمان السابق، خاصة في ظل انتفاخ حسابات عصابات الفساد التي صالت وجالت في البلاد دون حسيب أو رقيب، وسيرى المواطن العراقي كيف يتنافس هؤلاء على سرقة أموال العراق، وكيف يتناحرون على تقديم يد الطاعة إلى "الأسياد" في طهران وواشنطن وغيرها من بلاد العالم التي تطمح للسيطرة على هذا البلد، وكيف سيقومون بتوقيع المزيد من الاتفاقيات التي تهدف إلى بيع العراق وثرواته للأجنبي، وسوف يلمس المواطن كي يقوم هؤلاء بكل شيء من لتأجيج الصراع الطائفي من اجل تحقيق أجندات ومصالح خاصة وشخصية لا علاقة لها بالوطن أو المواطن.

كنا نتمنى ألا نرى بعض الأسماء التي ظلت تحافظ على نظافتها، وان تبقى نائية بنفسها عن هذا التنافس على مقاعد في برلمان لن يكون إلا في خدمة أجندات غير عراقية.
6-3-2010




(84)    هل أعجبتك المقالة (102)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي