بات في حكم العرف والمألوف أن يسجد اللاعبون المصريون في أعقاب كل هدف يتم تسجيله في مرمى الخصم، حتى أصبحت تسميته بفريق الساجدين، ويقومون أيضاً، بطقوس تعبدية وإيمانية تعتقد أنهم في دار للعبادة وليسوا في ميدان لعب لا يعترف إلا بالقوة والمهارة والتكتيك والتخطيط، كما عزا مدربو وإداريو الفريق المصري، فوز مصر بكأس الأمم الإفريقية إلى جرعة الإيمان الزائدة التي يتمتع بها اللاعبون، وكل الحمد والشكر لله، ونظراً لتقواهم وخوفهم من الله العظيم ، وارتفاع منسوب التقوى، وفائض خشيتهم من الله سبحانه وتعالى، التي تميزهم عن فرق الكفر والضلال، وسجودهم وقبامهم، وقعودهم على الدوام. لكن بعد فترة وجيزة، من ذاك الإنجاز الرباني الخارق بفعل السجود، طبعاً، وفي أحدث لقاء لنفس المنتخب المصري الساجد المتعبد، فقد تعرض لهزيمة منكرة ومذلة، وممن؟ من فريق "صيليبي"، وكله حسب الخطاب إياه، هو الفريق البريطاني، وبنتيجة مذلة 3-1 ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فريق فيه، وتصوروا، جورج، ودايفيد، ومارك، ومايكل، وروبرت، وبول، وطبعا هذا غير بول البعير المعروف لفريق الساجدين، هذا "بول" آخر، ومختلف كلياً.
فلو كان السجود ينفع في شيء، لكنا استعنا به في قضاء معظمع حاجياتنا، ولم نكتف فقط بالرياضة، من الدراسة والتفوق والنجاح والإنجازات الرياضية، والصناعة والتجارة وحتى الانتصار على العدو الصهيوني الغادر؟ وكنا سنكتفي بالذهاب فقط للجوامع والمساجد ودور العبادة، بدل أن نذهب للمدارس والجامعات والمصانع والمعامل والخنادق لإنجاز مهامنا الوطنية والشخصية وواجباتنا الحياتية، وكفي الله المؤمنين شر القتال. ولكان اللاعبون جلسوا واستمعوا لخطب لوذعية عصماء للشيخ القرضاوي أو الشيخ الشعراوي، وابن باز، رحمه الله ونحتسبه من الصالحين عند ربه بإذن الله، بدل الذهاب للتمرين والتعرف على أحدث التكتيتكات والخطط المستعملة في لعبة كرة القدم. ولكان طالب الثانوية اكتفى بكم ركعة لتضعه من الأوائل على مستوى الدولة في الامتحانات، ولكانت المصانع والمزارع تطعم ملايين الفقرء والجياع بمجرد أن ييمموا وجوهم شطر المسجد الحرام، والقيام بتلك الطقوس الدينية المعتادة، ولكن كل ذلك لا يحصل للأسف.
لا ندري ما هو سبب هذا التركيز المصري على تديين الرياضة وربطها بالغيب، وربط أي إنجاز بالغيب، في أفشل محاولة لتزييف وعي الناس وتضليلهم وإعطاء إيحاءات ورسائل خاطئة وغير دقيقة عن أي إنجاز وفي أي مجال؟ ولذلك لا ندري، بذات السياق، لماذا لا يسجدون لإخراج ملايين السكان الفقراء القاطنين في المقابر إذا كان للسجود كل ذاك الأثر الفعال، والقوة الفعلية في تحقيق الإنجازات، وإذا كان هو وراء تحقيق المصريين لفوزهم بكأس الأمم الإفريقية؟ ولا ندري لما لا يسجدون لتحرير القدس من رجس العدوان الصهيوني الغاشم الذي يدنس ترابها المقدس، وباعتبارها، ثاني القبلتين، ويطمح الجميع للصلاة فيها، من الكبير للصغير و"المقمط" بالسرير؟
ولا ندري لماذا لا يسجدون لشفاء الملايين من المصريين الفقراء من وباء الكبد الفيروسي الذي يضربهم ولا يجدون له علاجاً ودواءِ، ومرض السرطان المتفشي نتيجة استخدام الأسمدة المسرطنة والمبيدات التي لا تخضع لمعايير السلامة والأمان والتي يستوردها هوامير وقطط الفساد الكبار؟ ولماذا لا يسجدون لحل مشكلة المواصلات المتفاقمة بشكل مرعب؟ أو مشكلة السكن والإسكان حيث يقطن في القاهرة لوحدها أكثر من عشرين مليون إنسان؟ ولماذا لا يسجدون لانتخاب أحد أبطال تدمير العراق الدكتور البرادعي لرئاسة الجمهورية المصرية حيث ينظر كثيرون إليه باعتباره المخلص والمنقذ لأرض الكنانة هذه الأيام من حقبة مبارك الطويلة السوداء؟ ولماذا لا يكثرون من السجود، ويطيلون الركوع ما دام فيه الحل السحري لكل شيء، ولاسيما من أجل إطعام الملايين من الأفواه في أم الدنيا "الجائعة" التي تنتظر المساعدات الغربية، أي من "الصليبيين والكفار أنفسهم"، والتي تقدر بملياري دولار سنوياً، كي تسد رمق وأود الساجدين، ومن كد وتعب وجهد الصليبيين والكفار الذين لا يعرفون أبداً، وبكل حسرة وأسف، السجود والركوع الذي حباه الله تعالى وتبارك للمصريين، ودون غيرهم من العالمين؟ ولماذا لا يسجدون كي يتحروا من شبح الديكتاتورية والعائلية والقمع والقهر الذي يخيم عليهم من فجر الزمان، ولا يملكون حياله حتى الشكوى لله؟ ولماذا؟ ولماذا؟ وأكثر من لماذا هنا، وهناك؟
اعتقد أنه بات من الضروري والملح وضع حد لكل ذلك الهراء الذي لا ينفع، ولا يستقيم معه أي شيء على الإطلاق. ويكفيهم ويكفينا مهازل ومهازل وترهات وخزعبلات وخرافات مستمرة على مر الزمان لم تؤد في مجملها إلا إلى هذه الحالة من الضياع والتشتت والانكسار والانهزام والضعف والخواء والتردي والانهيار في كل مجال. فلقد بات كل ذلك عرضة للتفنيد والدحض والنسف من الجذور والانكشاف أمام حقائق العلم ومنطق الحياة، وصيرورات الأشياء، الخاضعة لمعايير وقوانين وضوابط واعتبارات وآليات، أخرى، مختلفة كلياً عن هذه السذاجات والسطحيات. وما هزيمة الفريق المصري المنكرة الشرّاء الأخيرة، إلا خير دليل وبرهان على هذا، فهناك ميادين، وحقول وفضاءات، كثيرة، لا ينفع معها، لا سجود، ولا ركوع، ولا قيام، ولا كثرة ابتهالات واستذكار؟
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية