شاركت خلال الأسبوع الماضي في احتفالات المولد النبوي الشريف التي اقيمت في الشقيقة الجماهيرية الليبية، ورغم أنني شارفت على العقد الرابع من العمر، فقد كانت أيام الأربعاء والخميس والجمعة التي صادفت الاحتفال بذكرى المولد النبوي في ليبيا ذات مظهر ومذاق مختلف عن أي احتفال في ذكرى المولد النبوي حضرته أو شهدته في حياتي.
ففي طرابلس وبنغازي وقبل الذكرى بأيام؛ اشتعلت الشوارع والمنازل والمباني بالأضواء والزينات، وصدحت أصوات المنشدين والذاكرين من مآذن المساجد، ومن وسط التجمعات العارمة في الشوارع والساحات، ولبس الأطفال الجديد، وطافوا الشوارع بالطبول والأنوار والألعاب النارية، وعند منتصف الليل تماماً في ليلة المولد أضاءت سماء طرابلس الغرب بأبهى الألوان والأنوار، وتعالت أصوات المنشدين والذاكرين حتى قرابة صلاة الفجر.
وفي مساء اليوم التالي في بنغازي ظننت وأنا أطوف الشوارع أن اليوم هو يوم عيد الأضحى أو الفطر، فأقواس الإضاءة تنير الشوارع والأذكار الدينية تصدح من كل زاوية وشارع ومتجر، والليبيون كافة من مختلف طبقاتهم ومشاربهم يطوفون الطرقات مع أسرهم وأطفالهم يحتفلون بذكرى المولد العطرة.
لكن وسط هذا الاحتفال كله داخلني حزن كبير، لأن لي أصدقاء وأخوة في الله والإسلام من أهل البلاد لم يستطيعوا أن يشاركوا أسرهم في هذه الذكرى تلك الليلة، أولئك كانوا الاخوة في جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، والقيادة الشعبية الإسلامية العالمية، الذين انشغلوا من أكبرهم إلى أصغرهم عن أهلهم وذويهم وصغارهم لأكثر من أسبوعين متواصلين، وهم يجهدون في التحضير للاحتفال الكبير الذي تنظمه الشقيقة الجماهيرية الليبية في كل عام؛ في إحدى مدن أرض الإسلام بمناسبة ذكرى المولد النبوي العطرة، وكان الاحتفال في هذا العام من نصيب مدينة بنغازي، وعلى رأس هؤلاء كان أمين الجمعية والقيادة العم الكبير الدكتور محمد أحمد الشريف الذي لم تغادر الابتسامة ولا البشر ولا البشاشة وجهه الوضاء، رغم كل التعب والمنغصات، والذي أحببته لأن جدي رحمه الله مات وهو يحبه ولطالما حدثنا عن مناقبه، وأيضاً من هؤلاء الاخوة في الله أذكر العم محمود ريح الذي أعرفه منذ كنت صبياً، والذي لشدة إنشغاله لم أتمكن من مجرد رؤيته كما لم يتمكن هو من المشاركة في الاحتفال في بنغازي، وبقي في طرابلس يشرف على سير الأمور، ومنهم أيضاً الأخ والصديق خالد اسماعيل؛ الذي حتى في ليلة المولد لم يغادر مكتبه في مقر جمعية الدعوة الإسلامية العالمية حتى ما بعد منتصف الليل، ورغم ذلك، أبى إلا زيارتنا في الفندق والاطمئنان على أحوال إخوته في الله والدعوة، ومثلهم أيضاً الدكتور محمد الزيادي عميد كلية الدعوة الذي لم يألُ جهداً في السهر على راحة الوفود والمشاركين، وكذلك زميل مهنة المتاعب الأستاذ محمد نصر الجيلاني، أمين الإعلام والنشر في جمعية الدعوة، وغيرهم من أمناء الجمعية والعاملين فيها، فلهؤلاء ولكل أخ وأخت من أهل الشقيقة ليبيا الكرام الطيبين ممن بذل جهده، ووقته، ونفسه في سبيل نجاح هذا الحدث الكبير، وسهر على راحة الآف الضيوف من مختلف بقاع العالم ممن شاركوا في الاحتفال، لهم وقفة إجلال واحترام وألف ألف شكر وتحية.
ذكرى المولد النبوي الشريف في ليبيا لها طعم مختلف، وشكل مختلف، ورغم ما يقول بعض المتطرفين الدخلاء على علوم الدين من أن هذا الاحتفال بدعة لا تجوز، فيما هم أنفسهم يحتفلون بكل تافة من مناسباتهم الدنيوية والسياسية الفارغة، نقول لهم: إن الاحتفال بذكرى ميلاد سيد الخلق والمرسلين هو تعظيم لحدث عظيم في تاريخ العالم والبشرية وهو في ظني شعيرة من شعائر هذا الدين الذي قال فيها ربنا سبحانه وتعالى:«ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب»
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية