أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الدرع الصاروخي.. استهداف لإيران ام لدول الخليج؟؟ ... حسن بلال التل

أحمق من يظن أن السياسة يمكن أن تقرأ بمعزل عن التاريخ، ذلك الذي مضى أو الذي ننتظر أن يحدث ويمر، ومن هذا الباب يجب على الأمة العربية أن تقرأ واقعها السياسي الراهن الذي ليس في ماضيه القريب ما يرفع الرأس وليس في مستقبله القريب "على الأقل" ما يطمئن.

بالأمس قامت الولايات المتحدة الامريكية (أمريكا أوباما بطل الحرب والسلام الجديد!) بنشر درع صاروخي يستهدف ايران، والذين استقبلوا هذا الدرع هم دول عربية خليجية بعضها فيها قواعد عسكرية أمريكية وأخرى هي بكاملها قواعد عسكرية أمريكية، وهي: قطر والبحرين والامارات والكويت، ورغم التبريرات الرسمية وغير الرسمية التي قدمتها هذه الدول على هذا الكرم، فإن الواقع يقول ان هذه المسألة ما هي الا تصفية لحسابات قديمة مع ايران الشاه وايران الثورة، لكن بطريقة بلهاء.

فلمن يذكر فإن الشاه في يوم من الايام أعلن البحرين جزءا من الاراضي الايرانية، وكان الحل الوحيد لمنعه من احتلالها في ذلك الحين هو ان تفتديها كل من السعودية والكويت بحوالي 5 مليارات دولار، وقبل ذلك قرر الشاه أيضا ان يمد حدود الجرف القاري الايراني الى المدى الذي تسمح به القوانين الدولية وهو 12 ميلا بحريا، رغم أن المسافة من عبادان الى حدود الكويت أقل من 8كم مما جعل المياه الاقليمية الايرانية تصل حتى شواطئ الكويت العاصمة، ومرة أخرى كان لا بد من الفداء الذي تمثل هذه المرة بتنازل الكويت عن 14 حقلا نفطيا بحريا منتجا هي حقول فرسان للشاه، أما مشكلة الامارات التي بدأت مع ايران الشاه فهي لا تخفى على أحد وهي مشكلة الجزر الثلاث (ابو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى).

اما ايران الثورة فكان ذنبها تجاه أبناء عمها في الخليج في أمرين، اولهما: أنها أثناء حرب الخليج رفضت رفع أسعار النفط الايراني، من باب رفضها استغلال الموقف لايذاء الدول الفقيرة والكسب الذي لم يستفد منه الا ذات الدول التي ادعت الضرر الاكبر نتيجة الحرب، فبقيت تبيعه في روتردام بالسعر القديم رغم أن دول الخليج رفعت السعر حتى قرابة 5 أضعاف، أما الامر الثاني فكان أثناء حرب الخليج الاولى عندما قررت الولايات المتحدة أنها تخشى على سفنها وطواقمها من أن تُضرب في مياه الخليج ورفضت استيراد النفط الخليجي ما لم تتوفر الحماية المناسبة للناقلات، وهو ما أجبر الدول المصدرة للنفط والغاز على استئجار طواقم حماية عسكرية أمريكية وأوروبية لحماية ناقلات النفط والغاز بلغت اجورها ما يعادل او ربما يزيد بقليل على أسعار هذا النفط والغاز الذي تصدره!!،
فكانت دول الخليج تصدر نفطها مجانا، والعالم الغربي وأمريكا بالذات يحصلون على النفط مجانا لأن ما يدفعونه بدل أثمان نفط يستردونه بدل أجور حماية من خطرٍ هم قرروا وجوده دون أن يكون هناك أي تهديد حقيقي، وهو ما اثبته التاريخ لاحقا.

وعودا إلى مسألة الدرع الصاروخي ومخاطرها الحقيقية، فلو افترضنا ان امريكا تريد حقا ضرب ايران فإن ضربها عبر أراضي الخليج هو أمر غير مفهوم لأسباب عديدة، أولها ان الولايات المتحدة تملك مداخل برية أقرب وأفضل بالنسبة لها من دول الخليج تتمثل في اراضي أفغانستان وباكستان بالدرجة الاولى التي لها حدود مباشرة مع ايران، هذا طبعا إن استثنينا العراق، ولها ايضا مداخل بحرية أقرب من البر الخليجي تتمثل في مياه الخليج التي تصل حتى الحدود الايرانية دون فواصل برية، وهناك طبعا مياه بحر قزوين التي لن تعجز أمريكا عن استخدامها بعد تطويع او رشوة الدول الواقعة عليه، أضف الى ذلك مدخلا بحريا بريا جويا آخر يتمثل في تركيا التي رغم إعلانها رفض استخدام أراضيها لأي اغراض عسكرية تستهدف ايران، الا ان واقع الحال يقول ان ذلك لن يكون بالأمر السهل لعدة أسباب منها: وجود قواعد عسكرية أمريكية في تركيا، ووجود قواعد اسرائيلية أيضا في تركيا، وكون تركيا عضوا في حلف الناتو الذي يحتم عليها أن تسهل لأعضاء الحلف مهامهم العسكرية مهما كان غرضها.... إذن لماذا تستخدم أمريكا أراضي الخليج؟!؟

في ظني المتواضع أن ما تريده أمريكا من هذه المسألة أمران، الاول: فرض نفوذها وصورتها كشرطي الخليج الوحيد والقادر على تدمير أي كان في أي لحظة، والامر الثاني والاهم هو: تدمير دول الخليج ومكتسباتها الحضارية التي حصلت عليها في العقدين الاخيرين وبالتحديد بعد حرب الخليج الثانية، حيث بدأت دول الخليج عامة وعلى رأسها الأربعة التي استقبلت الدرع الصاروخي بالاتجاه نحو الاقتصاد الشمولي والانتاج الصناعي والزراعي والمعرفي، وهو أمر لا يمكن للولايات المتحدة السكوت عليه لأنه يهدد بأن هذه الدول قد تصل الاكتفاء الذاتي الجزئي او الكلي وبالتالي يقل اعتمادها وارتباطها بالغرب، لذا جاء هذا الدرع ومعه خيار أن تكون دول الخليج هي ساحة لاول حرب صاروخية بحتة قد تندلع في العالم، ومع كل صاروخ ينطلق من كلا الطرفين سيدمر جزء من البنى التحتية والمكتسبات الحضارية لدول الخليج بالدرجة الاولى، وللجمهورية الاسلامية الايرانية بالدرجة الثانية، وهو عين ما يريده الغرب، فهل في خليجنا العربي من يقرأ السياسة برؤية تاريخية ومستقبلية تبتعد عن بَلهِ تصفية الحسابات والثارات العقيمة؟؟... أتمنى ذلك

(94)    هل أعجبتك المقالة (86)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي