أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الإعلام السوري بين الماضي والحاضر، هل يكون للدستورية دور في مستقبله؟

أرشيف

تحكّم نظام الأسد منذ تأسيسه بكافة وسائل الإعلام، حيث كانت الخاصة منها شبه رسمية، ناطقةً باسم النظام القائم أولاً وأخيراً، دأبت على تخدير المجتمع وتغييب قضاياه وتطلعاته، وتقديم رؤى مُغايرة للعالم الخارجي، ما أفقدها المصداقية أمام الجماهير التواقة لتلقي معاني الحرية والديمقراطية والعدالة.

من أبرز وظائف مؤسسات الإعلام بوصفها "السلطةً الرابعة" مراقبة أداء السلطات الأساسية "التشريعية، القضائية والتنفيذية" وحمايتها من الانحراف والفساد، وكشف تجاوزاتها، وتمثيل قضايا الناس أمامها، كما أن لها دوراً أساسياً في حماية مكاسب التغيير الديمقراطي وتطويره وكشف المعوقات والصعوبات التي تواجهه.

ومن المعلوم أن مهام وسائل الإعلام تتنوع بين توفير المعلومات الحقيقية للجمهور، والمساهمة في تحقيق الوحدة الاجتماعية، وتحليل مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية، وتنوير الرأي العام، وتكوين فضاء واسع لتبادل الآراء والأفكار، وتمثيل الاتجاهات المختلفة داخل المجتمع وحمايته من الشوائب الدخيلة، وتعزيز قيم المشاركة.

مع انطلاق الثورة السورية في آذار مارس/2011، بالتزامن مع ثورة التكنولوجيا والمعلومات التي تجتاح العالم، ظهرت عديد من المؤسسات الإعلامية "البديلة"، إلا أن أداءها اقتصر، بداية الأمر، على نقل الأخبار وبعض القصص الإنسانية بسبب اختلاف قوى السيطرة بين اللحظة والأُخرى، وشهدت تطوراً ملحوظاً بعد أن فرضت قوى الصراع سيطرتها بشكل شبه ثابت على مساحات جغرافية خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

وتمكنت المؤسسات البديلة في مراحل متقدمة من انتزاع حريتها وإحداث ثغرات في النظام الإعلامي "الموظف لصالح السلطة"، وإنتاج بدائل ساهمت بتحرير الجماهير من سطوة الإعلام الرسمي التقليدي، وحافظت على تلك الثغرة، إلى حدٍ ما، في المراحل الحالية وسط حضور سلطات مختلفة.

يبدو أن الواقع السوري بشكل عام والواقع الإعلامي بشكل خاص بانتظار مراحل قادمة لا بدّ أن تحمل معها متغيرات جديدة، ورُبما تشمل كافة الساحة السورية، ومن البديهي أن تحاول المؤسسات الإعلامية البديلة المحافظة على هامش الحرية المُكتسب، وتتمسك بضرورة تطويره بما يتلاءم مع الظروف.

السيدة "مرح البقاعي" عضو "اللجنة الدستورية" عن المعارضة السورية، تتأسف لعدم إنتاج مؤسسة إعلامية مستقلة ممولة من الشعب السوري عبر رجال أعمال أو مغتربين مقتدرين، وتتمنى أن يتوفر في سوريا المستقبل عملية إعلامية إيجابية بما تحمل من تراكمات معقدة احتاجت طويلاً إلى الخبرة والعلم والصقل والصبر الشديد في الكتابة والتحليل والبحث.

وتقول في حديث لـ"زمان الوصل" إن حرية المؤسسات الإعلامية تحتاج إلى استقلالية القرار، وطالما أن التمويل "بغالبه" يخضع لأجندات سياسية، فلن يكون هناك حرية للإعلام وقراره وحياديته، وسيخضع بالضرورة إلى سياسات الجهة الممولة.

بينما يرى الدكتور "يحيى العريضي"، وهو عضو في الدستورية أيضا، أن الإعلام هو "السلطة الأولى" كونه حصانةً للدولة والمواطن، ومصدراً للوعي والتثقيف والتغيير، ويحمل على عاتقه تمثيل قضايا الناس والنيابة عنهم والحفاظ على حقوقهم.

ويضيف "العريضي" الإعلامي المخضرم لـ"زمان الوصل"، أن المؤسسات الإعلامية البديلة تحافظ على حريتها واستمراريتها من خلال إدراك الكبوات والسقطات وتمسكها بالمصداقية والابتعاد عن الإثارة والالتزام بتغطية الحدث بحقيقته والابتعاد عن حالة البكائية واستجداء العطف، وعدم تأجير نفسها كونها تحمل أشرف وأنبل قضية عرفها التاريخ الحديث.

وأردف أن حرية الإعلام كانت ملحوظة سابقاً بدستور نظام الأسد، لكن بقي ذلك حبراً على ورق تسخيراً لخدمة الحاكم، وكان هذا الأمر أحد أسباب ودوافع الثورة السورية، لذا لا بد من لحظ كثير من العوامل في دستور سوريا المستقبل، بحيث يتضمن نصوصاً تُلزم المؤسسات الإعلامية بالحيادية والمصداقية والموضوعية والمهنية، والاستفادة من التجارب والخبرات لأنه على غاية من الأهمية، كما أن هناك تجارب ومصادر ومراجع لا حصر لها يُمكن تطبيقها حين تبدأ سوريا الحديثة.

حتى الآن لم تتوفر القوانين اللازمة لضبط العملية الإعلامية السورية، حول ذلك تُؤكد "البقاعي" أنه من الواجب إيجاد قانون مستقل يُواكب التجارب الإعلامية العالمية، وينبثق ذلك عن الدستور السوري القادم وتحت مظلته بوصفه دستوراً لدولة ديمقراطية تحترم الفرد والمواطن والتكنوقراط والتخصص، وبكونه العقل الاجتماعي الأعلى في المجتمعات الحضارية المتقدمة، ويضمن حرية المؤسسات الإعلامية بما تحمل من دور بارز في تشكيل الرأي العام واتخاذ القرارات التي تخدم المصلحة العامة، ذلك استناداً للشفافية والحيادية والموضوعية ونقل الصورة كما هي دون اتخاذ مواقف.

وفقاً لـ"البقاعي" التي حضرت في الحقل الإعلامي منذ سنوات طويلة، فإن "اللجنة الدستورية" ترصد التجارب الأكثر مهنيةً وقدرةً على إيصال الحقيقة بشكلٍ مستقل إلى حدٍ ما، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحصول على المعلومات وتداولها لا يمكن أن يتم إلا في دولة ديمقراطية تؤمن بسيادة القانون، مع الانتباه لدور الإعلام الهام في صناعة السلام والحرب، فكثير من حالات السلام حول العالم حدثت بسبب الدفع الإعلامي، وكذلك كثير من الحروب.

وكشف "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" خلال دراسة مسحية العام الماضي عن 162 مؤسسة إعلامية، 4 منها تعمل في مناطق شمال غرب سوريا الخاضعة لإشراف الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ، و60 مؤسسة تعمل في المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد، و43 مؤسسة تعمل في مناطق سيطرة "قسد" شمال شرق سوريا، و55 مؤسسة تعمل خارج سوريا.

فادي شباط - زمان الوصل
(87)    هل أعجبتك المقالة (86)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي