أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الموساد: غلطة الشاطر بألف ... نضال نعيسة

ملاحظة لا بد منها: بداية إذا كانت أساليب الموساد بهذه الضحالة والسذاجة والسطحية والغباء نستغرب، جميعاً، كيف تفوق الصهاينة على العرب طيلة ستين عاماً من عمر الصراع، والمفترض بها-الأساليب- أن تكون على درجة عالية من الدقة والمهارة والمهنية والسرية العالية؟

لقد بدا شريط اغتيال المبحوح الذي نشرته شرطة دبي عن عملية اغتيال المبحوح، القيادي الحماسي، في الإمارة الخليجية في العشرين من الشهر الماضي، وبحق، كفيلم تسجيلي، شكراً للتكنولوجيا الرقمية المذهلة، وشكراً لشرطة دبي، وكلمة حق، على هذا الإنجاز الأمني. إذ يخيـّل للمرء أن أولئك العملاء الموساديين، ومعهم المبحوح، كانوا يؤدون بنجاح دوراً درامياً أسنده لهم مخرج بارع، كان يصورهم، وكانت الصور والمشاهد تتالى تباعاً وفق سيناريو معد مسبقاً، وحتى نهاية الفيلم بموت البطل، وكأن هناك فريق تصوير وإضاءة وديكور، واستطاعت التكنولوجيا الرقمية، الموظـّفة أمنياً، أن تعرض لنا "حلقة" واقعية رائعة عن أفشل وأغبى عملية اغتيال يرتكبها جهاز أمني، سرق أسماء وجوازات سفر بأرقام مسلسلة Serial Numbers لمواطنين إسرائيليين وإنكليز وإيرلنديين وفرنسيين، واستخدم بيانات مواطنين إسرائيليين، لا ناقة لهم ولا جمل، في عملية اغتيال سياسي. والبيانات المستخدمة، مع الجوازات، كانت لسبعة مواطنين إسرائيليين مزدوجي الجنسية، ستة منهم يحملون جوازات سفر بريطانية، والآخر يحمل الجنسية الأمريكية، وجدوا أنفسهم فجأة "نجوماً" تتناقل وسائل الإعلام أسماءهم وصورهم، من دون أن يبرحوا بيوتهم.

لقد استطاعت هذه التكنولوجيا أن تسجل العملية لحظة بلحظة، وكأن فريق تصوير خاص يرافق المبحوح، منذ لحظة وصوله إلى مطار دبي، حتى حجزه للغرفة في الفندق، ودخوله المصعد مع الفريق الأمني الذي تنكر بهيئة لا عبي تنس، ونزولهم معاً في الطابق حيث غرفة المبحوح، ومتابعة فريق الاغتيال له، وتنفيذ العملية، ومن ثم خروج الفريق ونزوله بنفس المصعد.

تشكـّل هذه التسجيلات، مع استخدام جوازات سفر مواطنين إسرائيليين، قرينة إدانة لا تقبل الشك على تورط إسرائيل المباشر في العملية، وسقوط جهاز الموساد سقوطاً مهنياً ذريعاً ومخجلاً لا بد سيستدعي معه سقوط وتطاير رؤوس كبيرة في هذا الجهاز، لاسيما أن بريطانيا استدعت اليوم السفير الإسرائيلي للاستفسار عن ملابسات العملية ما يضع إسرائيل برمتها، مع الجهاز المعني في وضع محرج، ولا يحسد عليه. والسؤال الأهم هل كان الموساد على هذه الدرجة من الغباء والجهل بمدى ما توصلت إليه التكنولوجيا الرقمية وأساليب المراقبة والكشف كي يقع في هذه الفضيحة المدوية، وكلنا يذكر في هذا السياق، كيف قامت شرطة دبي بإعلان اسم قاتل سوزان تميم بعيد سويعات من ارتكابه لجريمة ذبحها بالتنسيق مع رجل الأعمال المصري طلعت مصطفى، حيث تم تسليم الشريط لأجهزة الأمن المصرية، التي قبضت على السكري قبل أن يصل إلى بيته؟ فهذه القضية لا زالت "طرية" ويستغرب كيف تغيب عن جهابذة وجنرالات الموساد الكبار؟ قد يكون هناك تفسير وحيد لما حصل وهو التخبط الناتج عن تسرع بإنجاز العملية والتخطيط لها مع احتمال ورود "المعلومة" الأمنية في وقت يتطلب سرعة الحركة والإنجاز، ما جعل الموساد يلجأ لهذا الأسلوب الركيك والباهت وعدم التحسب للإجراءات الرقابية الدقيقة في دبي. فالهدف دسم، والفرصة سانحة ويجب "اصطياده" بالسرعة الممكنة، الاختراق الأمني الأكبر وسرعة تنفيذ العملية والتسهيل اللوجستي الأكبر الذي عرف الموساد كيف يستغله هو أن الجوازات الأوروبية والأمريكية التي تدخل الخليج، والتي معظمها إسرائيلي لا تخضع لإجراءات الدخول المعتادة من فيزا وتأشيرة تتطلب وقتاً إذ يمكن لأي أوروبي وأمريكي الدخول لدول الخليج من دون الخضوع لأية إجراءات وكأنه من مواطني تلك الدول، ولا يحتاج لكفيل لدخوله وخروجه فهو "أكبر" وأسمى من أن يعامل كما يعامل أبناء العروبة والإسلام. هذا الأمر يضع بعض الاستحقاقات أمام سلطات الخليج تتطلب مراجعة لإجراءات التساهل مع هذه الجوازات، وضرورة معاملتهم بنفس التشدد والدقة والاستمهال والتطويل والتسويف الذي يتبعونه، ويعاملون به إخوانهم في "العروبة والإسلام"، حيث لا يحصل أبناء العروبة والإسلام على تأشيرة إلى الخليج إلا بشق الأنفس مصحوبة بسلسلة أخرى لا داعي لذكرها أهمها ضرورة وجود كفيل.

لا بد من القول أخيراً، إن دخول التكنولوجيا الرقمية المذهلة على الخط تتطلب مراجعة شاملة للعمل الأمني والاستخباراتي في مثل هذه العمليات. وبكل الأحوال، ومهما تكن براعة شرطة دبي، وغباء الموساد في المقابل في هذه العملية، وهمجية وإجرام الفعل الموسادي، فقد خسر المبحوح حياته، وانضم إلى رتل طويل من ضحايا الاغتيال السياسي.

و"الدايم" الله، والبقية بحياتكم

(110)    هل أعجبتك المقالة (97)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي