منذ فترة ليست قصيرة وموضوع الانتخابات البرلمانية العراقية يطغى على الكثير من القضايا في الساحة العراقية، بحيث أخفى وراءه الكثير من المسائل التي هي في الحقيقة أكثر أهمية من إشغال أبناء الشعب العراقي في قضية الانتخابات التي لن تفرز سوى من ترضى عنه قوى الاحتلال الأميركي ومن يتقاسم معها النفوذ في بلاد الرافدين بعد الاحتلال الأمريكي والمقصود هنا بالطبع الجانب الإيراني.
من الواضح أن هنالك محاولات محمومة من اجل تصوير الانتخابات القادمة في العراق على انها ستكون الرافعة التي سوف تنشل هذا البلد، الذي أراد له أعداء الأمة أن يبقى في المؤخرة من خلال الاحتلال المباشر بالإضافة إلى كل ما تم القيام به في الفترة التي تلت الاحتلال حتى اللحظة، من تقويض لأسس الدولة العراقية التي بذل أبناء العراق الغالي والنفيس من اجل الوصول ببلدهم إلى مصاف الدول المتقدمة نسبيا مقارنة مع الكثير من دول العالم الثالث.
خلال الفترة الماضية بدأت القوى والأحزاب والمكونات السياسية والعشائرية التي تشارك فيما بات يعرف بالعملية السياسية تحاول البحث عن أرضية مشتركة من اجل تشكيل تحالفات وتجمعات وكتل مشتركة لخوض الانتخابات المرتقبة برغم ما شاب قانون الانتخابات من - مهاترات- كانت جلية لكل المراقبين، حيث كان انعكاسا حقيقيا لحالة الفوضى العارمة التي سادت هذا البلد منذ احتلاله في نيسان ابريل 2003، وقد كان ما شاهده العالم خلال النقاشات التي دارت في مجس النواب نموذجا للكيفية التي يتم فيها اتخاذ القرارت في هذا المجلس، الذي ثبت بما لا يقبل الشك انه برلمان هزيل، متهالك، تسوده حالة من الفوضى غير المسبوقة، ولا يقوم بما هو ملقى على عاتقه بطريقة هي عادة ما تسودها روح من المسؤولية العالية، حيث غلب على تلك النقاشات الحسابات الضيقة والحزبية والطائفية كما والذاتية دون أدنى التفات إلى المصلحة العامة أو حتى مصلحة المواطن الذي تم خداعه في الانتخابات السابقة من اجل أن - يمارس حقه- الانتخابي ويقوم باختيار من يمثله تحت قبة البرلمان.
إن محاولات التجميل التي حاولت بعض الكتل أو الأحزاب والشخصيات التي تخوض هذه الانتخابات لم تكن ذات تأثير كبير كما انها لم تحقق الكثير من الفائدة، ذلك ان المواطن العراقي أصبح أكثر إدراكا ببواطن الأمور، وأكثر إطلاعا على معظم ان لم يكن جميع الأسماء والكيانات والعناوين التي تشارك في الانتخابات، كما ان محاولات البعض الظهور بأسماء أو شعارات "ووعودات" جديدة، لم يعد هو الطريق الذي يمكن من خلاله خداع الجماهير، خاصة وان تجربة الانتخابات الماضية لا زالت ماثلة أمام أعين من شارك ومن لم يشارك في تلك الانتخابات.
الانتخابات القادمة لن تكون مختلفة كثيرا عن سابقتها، وهي لن تكون سوى نسخة ربما أسوأ عن الانتخابات السابقة، فهي عمليا الامتداد الطبيعي لها، وبالتالي فان من غير المستغرب إذا ما أفرزت نفس التحالفات أو الأحزاب والكتل التي واظبت على "مص" دم الوطن والمواطن، واستمرأت الفساد وحالت دون القيام بأي عمل حقيقي من اجل الحد مما هو جار من نهب وسلب وفساد وإفساد ممنهج من اجل بقائها جاثمة على صدر هذا الوطن المستباح في ظل عصبة تفتقر إلى الحد الأدنى من الانتماء والوطنية خاصة وانه أصبح معروفا للجميع الكيفية التي وصل بها هؤلاء إلى الوطن وكذلك الكيفية التي صار هؤلاء قادة للعراق "الجديد".
إن من غير الممكن لعملية سياسية او انتخابية او سواها ان تتميز بالنجاح او المصداقية او الشفافية طالما هي تجري تحت سنابك الاحتلال وفي ظل عقلية طائفية سعت منذ اليوم الأول للاحتلال وبدعم من القوات الأجنبية المحتلة لترسيخ طائفية مقيتة الهدف منها هو الاستئثار بالسلطة وإضعاف البلد وإبقائه في دائرة النفوذ الصهيو أمريكي بالإضافة إلى النفوذ الإيراني الواضح والذي يفوق كثيرا وفي العديد من النواحي نفوذ القوة الأمريكية المحتلة لا بل يمكن القول ان لا مقارنة بين نفوذ إيران في العراق وبين النفوذ الأمريكي في هذا البلد خاصة وان إيران أصبحت من خلال الأحزاب والميلشيات وحتى أعضاء وعناصر أجهزة الأمن والمخابرات الإيرانية المختلفة تتوغل في كل ركن وزاوية من الدوائر العراقية وأصبحت تنخر مؤسسات الدولة العراقية بشكل سوف لن يكون من السهل التخلص منه في المستقبل.
الانتخابات الحالية لا تختلف كثيرا عن السابقة من حيث محاولات الاصطفاف والتحريض الطائفي والعرقي والمذهبي كما ان المحاصصة على الطريقة السابقة هي السائدة وهذا ما لا يمكن ان يقود إلى انتخابات حرة نزيهة وشفافة، عدا عما تمت الإشارة إليه من وجود للقوات المحتلة والتي لن تقبل بصعود من تعتقد بأنهم ضد هذا الاحتلال. خاصة وان من يقف ضد هذا الاحتلال سوف يعمل بالضرورة على تنظيف البلد من كل ما فيها من فساد وخراب.
كل هذا الترويج للانتخابات ومحاولات البعض الدفاع عنها وتبريرها من اجل المشاركة بها، لن يغير من الحقيقة القائلة بأنها سوف لن تكون أفضل من سابقتها، وكان الجميع قد رأى انه وفي تلك الانتخابات تمت عمليات تزوير كبرى، إلا ان أحدا لم يتخذ أي أجراء على ارض الواقع، والحقيقة التي لا تنفك تطارد المواطن العراقي هو السؤال عما يمكن ان يقدمه هؤلاء الذين هم في الحقيقة أنفسهم الذين شاركوا في الانتخابات السابقة وهم من قاد البلد إلى مزيد من التدهور والانحطاط، وهم من لم يوفر الحد الأدنى من الخدمات للمواطن المغلوب على أمره برغم مرور ما يقارب السنوات السبع على الاحتلال.
ان من غير الممكن القبول بكل الفرضيات والشعارات التي تدعي بان المرحلة المقبلة- السنوات الأربع القادمة- سوف تكون هي مرحلة التغيير نحو الأفضل، خاصة بعد ان خبر المواطن العراقي ما خبره خلال الأعوام الماضية، وكل محاولات المراوغة والتزييف والتزلف والتزوير لن تغير من الواقع البائس الذي أخذه هؤلاء إليه، لقد أثبتت التجربة السابقة ان عراقا يقوده مجموعة من السماسرة والفاسدين والمفسدين الذين أتوا على ظهور الدبابات المعادية لن يكون بخير لا في السنوات الأربع المقبلة ولا حتى في السنوات العشرين القادمة، ومن هنا فان الأمل معقود على سواعد العراقيين النشامى الذين يرفضون وهم العملية السياسية ولا زالوا يقبضون على الجمر ويأبوا إلا البقاء في خندق المقاومة حتى كنس الاحتلال ومن قدم معه.
21-2-2010
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية