أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بيضة وكأس حليب ... كريم الدين فاضل فطوم

كانت بساطة الحياة لماضي الأيام تعطيها لوناً متجدداً نقياً خالٍ من التعكير والشوائب .
وكانت فصول السنة تمر كلها من خلال فصل الربيع , كل الأشياء
تمر بما كان يسمى أخلاق الريف أو طباع الفلاحين والتي لا عد لها
متمثلةً بأخلاقيات الإنسان وحق الجيرة كحق الحياة على سبيل المثال وكنا أجيال الأيام تلك ننهل من كبارنا وبغض النظر عن لوننا وعرقنا ومعتقداتنا , نتعلم أسس الأدب والأخلاق ابتداءً من اّداب تناول الطعام مروراً بالكلام والحديث إلى الصدق والوفاء ونكران الذات والحب الأبدي للوطن ....... وكان كل ذالك
عبر حكايات مشوقة منها ماكان مدوناً في التاريخ ومنها ما كان
إبداعا من مخيلاتهم والغاية هي حب المستقبل للكل بصورة ترسم
حياةً مزدهرة وحضارية فيها الاستقرار والأمان .
في ليلة شتوية ماطرة تجمعت عائلة البستاني حول ما يكسبها دفئاً
ونعاساً وحنيناً للنوم وكيفما كان يعطيهم عدم الاكتراث بإغلاق ابواب البستان وحظيرة الماشية والأبقار وأقنان الدجاج وحتى بوابة الدار , كانت ليلةً باردة لا خوف ولا وجل .
أفاق البستاني على أصوات غير مألوفةٍ فاتجه إلى مصدرها وطلب الإيضاح من مطلقيها عن سبب وجودهم في بستانه ؟
قال أحدهم أنه لا يعرف البقية وهارب من سفاح الخنازير ..!
وقال اّخر أنه هارب من الجوع .....!ولا معرفة له بهؤلاء
واعترف الثالث بأنه هارب من مزرعة يعمل بها ولا يمتلكها .
طلب منهم البستاني عدم إصدار أصوات الاستغاثة والنوم في حظيرة الحيوانات حتى الصباح ويحلها الحلال !
استضافهم البستاني على وجبة إفطار في صباح الغد ثم وجبة غداء فعشاء وقررالبستاني إدخالهم الدار للنوم فيها نتيجةً للبرد والصقيع.
ونام هؤلاء في دار البستاني واستطاعوا معرفة أماكن قوته وضعفه
حتى تمكنوا من طرده وعائلته إلى أطراف بستانه ليسكن خيمةً من القش وبعض القطع من ألواح الصفيح والخشب .
حاول البستاني الدفاع عن بستانه وماشيته وأبقاره دون جدوى
طلب العون من أهله وإخوته , فمنهم من لبى ومنهم من كان منشغلاً في الدفاع عن بيته ومزرعته أيضاً , وحاولوا استرجاع البستان طيلة أيام وليال وسنين دون فائدة , قال الشامتون به :
حاورهم وناقشهم ربما تحصل على شيئاً( كم دجاجة ونعجتان وبقرة ) أو خذ ما يعطوك وطالب بماهولك ؟ !
المضحك المبكي .. قال البستاني في عقله لكن لا حل سوى ذالك ؟
وبدأت المباحثات والاجتماعات والقرارات وما زال اللصوص يقبعون ويسيطرون على البستان يتنعمون من خيراته وثرواته وأدخلوا عائلاتهم وأنجبوا عائلات جديدة غير اّبهين بقرارات
الجوار وجوار الجوار ولم يتدخل أحد حتى الاّلهة وقفت متفرجة
ويقال أن اللصوص قدموا لها الرشاوي والهبات والقرابين.
الجوع والعري والموت ...الغربة على أبواب البستان كانت الدافع لاستجداء كل معارفه وأصدقائه ومن يعرف كيف قلبت الحقائق,
لكي يقبل من سَلبه بستانه أن ينقل الخيمة إلى داخله ويقيمها على
ترابه مجاوراً قبور أجداده ...... وكأس حليب من حليب بقراته وبيضة من دجاجاته وبعض الصوف من ماشيته
مقابل إقراره بحقهم في امتلاكهم للبستان أمام أعين الجميع ! وحتى هذا يعترض اللصوص عليه منذ موت البستاني غيلةً وغدراً.
ياولدي :
ما يزال الوضع على حاله منذ عقود, وتشرزمت عائلته ونخر الحقد والعماء عيون أبنائه وعقولهم يتسلطون على مالايمتلكون يجوع عري أبناءهم وهم متخمون ...... يمضغون ويعلكون
القرارات من جهة والبيضة وكأس الحليب من الجهة الثانية .....هذا ملتحٍ وذاك حليق والقاعد لا يبصر والواقف لا يسمع والنائم أبكم والكل جائع واللصوص أسياداً للبستان ولا يظهر في الأفق ....بيضةً ولا كأساً من الحليب .

(96)    هل أعجبتك المقالة (88)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي