أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الأسد للحريري: إما أن تكون زعيماً سنّياً أو وطنيّاً كوالدك

سوريا قلقة من مناخ مذهبي يسود مناطق عدّة من لبنان

 مذ زيارته دمشق ولقائه الرئيس السوري بشّار الأسد في 19 و20 كانون الأول الماضي، لم يطرأ على علاقة رجلين بدأت قبل أن يتعارفا بعداء ضارٍ وتصالحا حين تعارفا، سوى تطورين:
أولهما مكالمات هاتفية يجريها الحريري بالأسد من حين إلى آخر للتشاور.
ثانيهما مكالمات هاتفية متبادلة، شبه يومية، بين مدير مكتب رئيس الحكومة، ابن عمته نادر الحريري، والمستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري الوزيرة بثينة شعبان بغية إبقاء صلة الاتصال والتنسيق مستمرة بين الرئيسين.
في موازاة الخطوط المفتوحة هذه، تنتظر دمشق مبادرة لبنانية حيال تنفيذ ما كانت قد قرّرته اجتماعات الحريري مع الأسد، وخصوصاً الإجراءات المتصلة بالعناوين الرئيسية التي قارباها. انتظرت دمشق ولم تتلقّ حتى الآن إجابة عن أمرين كانت قد طلبتهما من الحريري في الأسابيع التالية لمحادثات الرئيسين:
ـــــ تحديد موعد زيارة رئيس الحكومة السورية محمد ناجي العطري على رأس وفد وزاري سوري للاجتماع بالحريري والوزراء اللبنانيين نظراء الوزراء السوريين، سعياً إلى استكمال محادثات دمشق ووضع أطر العمل الثنائي، سواء بين رئاستي حكومتي البلدين أو بين الوزراء المختصين لتحديد آليات التعاون. أرسلت العاصمة السورية أكثر من مرة رسائل إلى بيروت حيال تحديد موعد زيارة العطري، بيد أنها لم تتلقّ أي ردّ إيجابي بعد. عندئذ توقفت عن الإلحاح على هذا الطلب.
ـــــ مناقشة ما يعدّه أفرقاء لبنانيون إجحافاً في حقّ لبنان في الاتفاقات الثنائية المعقودة بين البلدين. وكان الأسد قد أكد لضيفه اللبناني استعداد سوريا لتعديل ما يحتاج إلى تعديل يؤول إلى الإنصاف، أو حتى إلغاء اتفاقات يشكوها لبنان. وطلب تصنيف تلك الاتفاقات ووضع الملاحظات على النصوص والبروتوكولات المشكو منها لمناقشتها. فور عودته إلى بيروت، طلب رئيس الحكومة من الوزراء، في غضون أسبوع، إنجاز ملاحظاتهم على الاتفاقات المتصلة بوزاراتهم التي يرون حاجة إلى تعديلها تمهيداً لبدء حوار مع سوريا بشأن بتّها، تعديلاً أو إلغاءً. انقضى على مهلة الأسبوع شهران، ولم يحدّد الوزراء ولا مجلس الوزراء تلك الملاحظات. ويقول مطلعون على الموقف السوري إن دمشق تنتظر الحكومة اللبنانية للبحث في ما اتفق عليه الأسد والحريري.
الواقع أن ما يصحّ على الاتفاقات الثنائية يستثني المجلس الأعلى السوري ـــــ اللبناني الذي هو خارج نطاق الخوض في مصيره في الوقت الحاضر. كان الأسد والحريري في اجتماعاتهما قد ثبّتا الحاجة إلى المجلس الأعلى لتنظيم العلاقات اللبنانية ـــــ السورية مع فتح الأبواب على تفعليه وتنشيط دوره، ما دام يجسّد إطاراً للعلاقات المميّزة ويلحظه اتفاق الطائف.
هكذا تبدو العناوين الرئيسية لاجتماعات دمشق في كانون الأول الماضي معلقة. إلا أنها تمثّل الشعارات الكبرى التي نهضت عليها قوى 14 آذار في حملتها على سوريا بين عامي 2005 و2008، ثم خففت وطأة بعضها في حملة عام 2009 بعد اتفاق الدوحة وتطبيع علاقات البلدين والتبادل الدبلوماسي. ملفات ترسيم الحدود وبتّ مصير المفقودين اللبنانيين والاتفاقات الثنائية ستكون هذه الملفات الثلاثة في صلب الخطب التي سيلقيها الحريري والرئيس أمين الجميّل ورئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع الأحد المقبل في الذكرى الخامسة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، لكن بتفاوت ملحوظ على نحو سيجعل الحريري يخفف وزر ما سيتحمّس الجميّل وجعجع لرفع نبرته حيالها. بل ستكون سوريا صاحبة الحصة الأقل تشنّجاً لدى الجميّل وجعجع، والأكثر هدوءاً وانفتاحاً لدى الحريري. وسيكون سلاح حزب الله في صدارة انتقادات الجميّل وجعجع، وهو سبب كاف كي لا يصغي إليهما رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط.
أي زعامة تريد؟
ومع أن رئيس الحكومة يبدو منسجماً مع نفسه حيال استمرار تعلقه بحلفائه المسيحيين في قوى 14 آذار، على الأقل حيال ذكرى اغتيال والده التي ستفتقر هذه السنة، منذ كانون الأول الماضي، إلى الجاني الذي حمل أفرقاء هذا التحالف لعبته على امتداد خمس سنوات في احتفالات 14 شباط و14 آذار للجهر باتهامه باغتيال الرئيس الراحل. هذا الجاني الذي كان سوريا، ستغيب صورته عن الذكرى الخامسة التي باتت تقتصر على اغتيال وشهيد، لكن بلا قاتل وبلا اتهام سياسي.
واقع الأمر أن البعض القليل المسرّب من الحوار الذي كان قد أجراه الرئيس السوري مع رئيس الحكومة اللبنانية، وخصوصاً في اجتماعهما إلى فطور صباح 20 كانون الأول، يكشف المزيد من التقدّم الذي طرأ على العلاقة الشخصية بين الرجلين، لكن أيضاً على نظرة كل منهما إلى ما يطلبه في الآخر، وهو يرسي وإياه ثقة متبادلة. في جزء من هذا الحوار سرّ الدور الذي يريد الحريري الاضطلاع به في المرحلة المقبلة سواء بتمسّكه بمصالحته مع الرئيس السوري، أو بمحاولة احتواء حلفائه من غير أن يضيّق عليهم ولا يبعث لديه هواجس التخلي عنهم.
في اجتماع الفطور قال الأسد للحريري: أودّ أن أخاطبك كأخ وصديق. إذا كنتَ تفكر في أن تكون زعيماً سنّياً فإنك ستجد أمامك كثيرين من المنافسين على الزعامة السنّية. تالياً لن تصل إلى المستوى الذي يرضيك وتريده. أما إذا قرّرتَ أن تكون زعيماً وطنياً فإنك ستجد سوريا إلى جانبك، وستسير عندئذ على خطى والدك في هذا الإطار. من موقعها القومي والوطني ستكون سوريا داعماً رئيسياً وكبيراً لك في كل جهد وطني.
أضاف الرئيس السوري: عندما تعاونا مع والدك كان ذلك من النطاق الوطني، لا من منظار مذهبي. مثالي على ذلك أن العلاقة مع حزب الله الذي هو حزب ديني، لا تستمد قوتها وتأثيرها من منطلق ديني، بل لأن حزب الله حزب وطني مقاوم لإسرائيل. أقول ذلك أيضاً عن حركة حماس في فلسطين والمقاومة العراقية في العراق، ليس لأن لهما لوناً دينياً أو مذهبياً، بل لكونهما يخوضان مشروعاً وطنياً وقومياً.
كان ردّ رئيس الحكومة على الرئيس السوري أنه يأمل استعادة صورة والده الراحل في أن يكون زعيماً وطنياً.
كان مغزى إشارة الأسد إلى محاولة تطابق صورة الحريري الابن بصورة الحريري الأب لفت انتباه ضيفه إلى قلق سوريا من مناخ مذهبي يسود مناطق عدّة من لبنان، إلا أنه على أبواب سوريا من بعض الأطراف المتاخمة لها. وهي إشارة أيضاً إلى توقعه من الحريري مواجهة حالات متشدّدة ومتطرّفة تزعجه، كانت ولا تزال في صلب التنسيق شبه اليومي بين الاستخبارات اللبنانية والسورية، قبل زيارة دمشق وبعدها، ونتيجة طبيعية لمخاوف البلدين من تنامي خلايا أصولية أدركت دمشق خطورتها مع حرب نهر البارد عام 2007، ثم تضاعفت تلك الأهمية مع تزايد حاجة الجيش اللبناني إلى تعاون سوريا معه لحسم تلك الحرب.
بذلك كان ملف الإرهاب أحد أبرز المواضيع التي ناقشها الرئيسان حينذاك، وكان الأسد يجد في مواجهة الحالات الأصولية والمتطرّفة والنشاطات المذهبية المتفلتة عنصراً أساسياً لاستكمال السيطرة على الخلايا الإرهابية.
مراقبة عن بعد
الواضح للمتتبعين عن قرب للعلاقة الجديدة بين سوريا ورئيس الحكومة، أنها تمر بمرحلة ترقب في انتظار خطوة ما. الحريري ينتظرها من الأسد الذي ينتظر بدوره الحريري. وهكذا يتصرّف الرئيسان على أن كلاً منهما يمهل الآخر مدة سماح ريثما تتوافر الظروف التي تمكّن من مقاربة الملفات العالقة. دمشق تعتقد، تبعاً للمتتبعين أنفسهم، أنها تمنح لبنان، وخصوصاً قوى 14 آذار، فرصة التخلّص من شعاراتها بوضع هذه موضع التطبيق، وتحديداً ما يتصل بترسيم الحدود بين البلدين بدءاً من الشمال، وإقفال قضية المفقودين اللبنانيين نهائياً ومناقشة الاتفاقات الثنائية. إلا أنها في المقابل، تراقب باهتمام تحرّك الحريري مذ خرج من اجتماعاته الأربعة مع الرئيس السوري، والتحوّل الذي يجريه حيال استدارته السياسية الجديدة والبطيئة في آن، ودوّنت انطباعين على الأقل:
أولهما، لقاء رئيس الحكومة، في أثناء زيارته الرسمية باريس، الصديق الحميم لوالده الراحل الرئيس السابق جاك شيراك، في 22 كانون الثاني الماضي، على أثر محادثاته مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. ورغم أن زيارة شيراك اكتسبت طابعاً شخصياً بحتاً اتصل بصداقة الرئيس السابق للرئيس الراحل، إلا أن ثمّة ما لفت دمشق إلى ما رافقها بلا إعلان، وهو «مصادفة» لقاء الحريري في منزل شيراك بموفد الأمين العام للأمم المتحدة المكلف تطبيق القرار 1559 تيري رود ـــــ لارسن.

كلا الرجلين، شيراك ورود ـــــ لارسن، تقابلهما دمشق بردّ فعل سلبي، ولا تحفظ من كل منهما إلا ذكرى سيئة أفضت إلى موقف بالغ التشدّد منهما، لمسؤولية الأول عن وضع القرار 1559 الذي أخرج الجيش السوري من لبنان وأدى إلى تأليب المجتمع الدولي عليها، ولأن الثاني هو الناظر في تطبيقه من خلال قراراته نصف السنوية التي لا تنفك تتهم سوريا بعرقلة جهود السلطة اللبنانية والتدخّل في الشؤون الداخلية. وكان الأسد قد رفض منذ عام 2005 استقبال رود ـــــ لارسن في دمشق بسبب موقفه المسبق من النظام السوري، وما عدّه المسؤولون السوريون منذ ذلك الوقت انحيازه إلى قوى 14 آذار.
ثانيهما، اعتاد النظام السوري منذ الرئيس الراحل حافظ على أن لا يحتفظ بممحاة في علاقاته بحلفائه، وهو يراقب مقاربتهم له أو مراعاتهم مصالحه. لا يمحو، لكنه يحبّذ مراكمة العثرات والأخطاء كي تكون مناسبة لتصفية الحساب. لا يبدو الموقف كذلك من رئيس الحكومة، وقد خرج الحريري والأسد من اجتماعات دمشق بعدما طويا صفحة الماضي وأصرّا على المصالحة الشخصية والثقة المتبادلة وعلى نظرة مشتركة وشاملة للعلاقات اللبنانية ـــــ السورية. استقبلت دمشق الحريري على أنه رئيس حكومة كل لبنان، بيد أنه في مواقفه الأخيرة، وأخصّها على أبواب ذكرى 14 شباط، وحيال ما يقوله في حلفائه، يتصرّف على أنه رئيس حكومة نصف اللبنانيين في أحسن الأحوال.
الواضح أن ما سيقوله في ذكرى اغتيال والده سيُبرِز مقدار التصاقه بحلفائه هؤلاء، في الوقت الذي يخاطب فيه جموع هذا الفريق بنبرة غير مألوفة وعبارات مرنة، سواء لأنه أضحى رئيساً للحكومة، أو لأن زيارة دمشق ومصالحة النظام السوري ورئيسه تحتّم إخراج سوريا نهائياً من مدار الشعارات والاتهامات

نقولا ناصيف
 

الأخبار
(82)    هل أعجبتك المقالة (106)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي