أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سوريا تحصّن لبنان في وجه إسرائيل....يحيى دبوق

في أعقاب تهديد وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، والربط بين اعتداء إسرائيل على جنوب لبنان أو على سوريا، وبين «الحرب الشاملة»، كان لافتاً أن يسارع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، اللواء عاموس يدلين، إلى التأكيد أن تقدير الاستخبارات لا يتوقع حرباً مع سوريا هذا العام. وكان لافتاً أيضاً أن تسارع المؤسسة العسكرية إلى التأكيد، من جديد، أنها لا تضمر أيّ نيّات عدائية باتجاه سوريا. وبحسب مصادر عسكرية إسرائيلية، وصفتها وسائل إعلام إسرائيل بأنها رفيعة المستوى، فإن رئيس أركان الجيش، غابي أشكنازي، ومعظم ضباط هيئة الأركان، إضافةً إلى الاستخبارات العسكرية، مؤيّدون لوزير الدفاع إيهود باراك بضرورة استئناف المفاوضات مع سوريا، بل الوصول إلى اتفاق تسوية معها، حتى وإن كان الثمن، انسحاباً كاملاً من الجولان... وذلك كلّه جاء في أعقاب تهديد المعلم.
تنظر إسرائيل إلى التهديد السوري، كما تبيّن من ردود الفعل، بأنه ارتقاء درجة في المقاربة السورية لـ«منظومة العلاقة» بين الجانبين، بما يشير إلى محاولة، أو تقرير، سوري بتعديل في «قواعد اللعبة» القائمة منذ سنوات، وبحسب تعابير بعض المعلّقين الإسرائيليين «أنها المرة الأولى منذ ثلاثين عاماً، التي تربط فيها سوريا بينها كرد وحرب شاملة ضد إسرائيل، وبين اعتداء إسرائيلي على لبنان». وعلى ذلك، فإن أهمّ ما ورد في الكلام السوري، هو عملية الربط نفسها، بمعنى عدم الفصل بين المكانين الجغرافيّين، سوريا ولبنان، لجهة الاعتداءات الإسرائيلية. وهذا يعني، أن على إسرائيل أن تعيد حسابات «جهوزيتها» العسكرية المطلوبة، إذا كانت تخطط لعدوان ما على لبنان، أو عدوان ما يرتبط بلبنان، ومن شأنه أن يجر إلى مواجهة في هذا البلد.
لكن، هل يعني ذلك أن إسرائيل ستلغي حافزيّتها لشن العدوان، بمعنى أن الحافز الموجود سينكسر نتيجة للتهديد السوري، وعملية الربط بالحرب الشاملة. بالطبع لا، فالحافز الإسرائيلي مرتفع إلى حد لا يمكن لعوامل خارجية أن تقلّص من منسوبه، وما يمكن أن يدفع إليه. إلا أن الحافز بحد ذاته ليس كافياً لإسرائيل، في الأساس، كي تُقدِم على ترجمته بعمل عدائي عسكري أو أمني، إن لم يكن مصحوباً بقدرة فعلية على تحقيق الهدف من الاعتداء، وبقدرة فعلية على استيعاب أو احتواء ردّ الفعل المتوقع على أصل الفعل العدائي. وضمن هذا المعنى، فإن التهديد السوري لا يصيب بالشلل حافز إسرائيل لشن عدوان على لبنان، بل يصيب القدرة نفسها ويحد منها، وتحديداً القدرة على استيعاب ردّ الفعل المتوقع نتيجة الاعتداء، وهو ردّ فعل مقابل سيرى الإسرائيلي أنه توسّع بموجب التهديد السوري. وتالياً، فإن تهديد المعلّم يلزم إسرائيل بتحقيق جهوزية خاصة للمواجهة، تختلف عن أيّ جهوزية، من دون سوريا.
بهذا المعنى، فإن إحدى نتائج التهديد السوري، أنه أضاف منعة وتحصيناً إلى لبنان يراكمان على أصل المنعة والتحصين الموجودين جرّاء جهوزية المقاومة، وقدرتها الفعلية على الرد بطريقة مؤلمة وموجعة لإسرائيل، إذا قرّرت شن اعتداء على لبنان، وإذا كانت قدرة المقاومة كافية خلال السنوات الثلاث والنصف الماضية لمنع إسرائيل من الاعتداء، كما يشهد الواقع، فإن التهديد السوري يزيد من هذه المنعة، ويحصّنها تحصيناً إضافياً، كان مطلوباً في هذه المرحلة، كي يتأكّد الإسرائيلي أكثر أن المقاربة العسكرية حيال لبنان ليست إلّا مغامرة ومجازفة، أكثر من كونها خياراً مطروحاً ومتاحاً.
قبل أيام، قبل التهديد السوري، عرض التلفزيون الإسرائيلي مشاهد لمناورة نفّذها الجيش الإسرائيلي في قاعدة شيزافون في شمالي إيلات في جنوب فلسطين المحتلة، وبحسب التقرير، كانت المناورة محاكاة لحرب شاملة على الجبهة السورية، وتخلّلتها مشاهد عن تقدّم مفترض في عمق الجبهة، واحتلال قرى ومواقع عسكرية سوريّة، إضافةً إلى إشادة بقدرة التنسيق بين سلاح الجو وسلاح البر الإسرائيليّين. عاين المناورة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي، الذي قال في ختامها، إن «على الجيش أن يكون مستعداً للحرب، إذ إن الهدوء على الحدود الشمالية قد يكون وهمياً، ورسالتي لكم أيها الجنود هي أننا قد نشهد تدهوراً ما، وسنضطر إلى تفعيل قوتنا».
وفي السياق الزمني للمناورة، وإذاعة حديث أشكنازي، كان أحد الضباط الإسرائيليّين يحاضر في مركز دراسات الأمن القومي، في إطار ندوة تحت عنوان «التحديات الأمنية لإسرائيل». بحسب هذا الضابط، الذي شغل منصب رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية، اللواء يعقوب عميدرور، فإن ما أطلقه حزب الله في حرب لبنان الثانية عام 2006، الذي أدى إلى فشل إسرائيل في هذه الحرب، وجرّ لجان تحقيق عديدة للنظر في هذا الفشل، يمكن لكتيبة مدفعية سورية واحدة أن تطلقه على إسرائيل خلال ساعات.
بين كلام أشكنازي، عن الحرب والهدوء الهشّ في الشمال، وكلام عميدرور عن القدرة العسكرية السورية، على تل أبيب أن تحدّد ما إذا كانت تريد حرباً مع دمشق، أو حتى عملية ما قد تجر إلى حرب معها. وبموجب المقاربة السورية الأخيرة، سيكون القرار الإسرائيلي أكثر إشكالية، وقد يدفع إسرائيل إلى التأكيد، من ناحية فعلية، على إبقاء الحرب الباردة قائمة، وعدم التسبّب بتحويلها إلى حرب ساخنة، رغم أن إسرائيل معنية في الوقت نفسه بأن تكسر الانطلاقة السورية الجديدة، كما بدت في كلام المعلّم وتهديده.

الأخبار
(96)    هل أعجبتك المقالة (109)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي