أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

كابوس في غزة اسمه الكهرباء ... أ.د. محمد اسحق الريفي

الكهرباء نعمة، ولكنها في غزة نقمة، بل كابوس مرعب لا يغادر المواطنين، لأن الكهرباء هي في الحقيقة أداة يستخدمها العدو الصهيوني لتعذيب المواطنين، تعذيباً سادياً، ولزيادة معاناتهم، معاناة تلازمهم في الليل والنهار، وفي كل مكان، فهي معاناة متواصلة، لا تغادر المواطنين إلا لتعود لهم أشد وأقسى، في نوبات متلاحقة لا تترك لهم سبيلاً إلى الاستقرار والاطمئنان، فلو انقطعت الكهرباء نهائياً، لتكيَّف المواطنون مع الوضع الناجم عن ذلك، ولوطنَّوا أنفسهم على العيش بلا كهرباء، ولكنها تظل تنقطع ثم تعود، مسببة كابوساً مرعباً.

الكهرباء التي يزود العدو الصهيوني بها غزة، ولا يرضى لغزة بديلاً عنها، سيئة بمعنى الكلمة، من حيث ضعف شدة التيار الكهربائي، وعدم انتظامه، وتكرار انقطاعه بوتيرة سريعة. ففي معظم الأوقات لا تصلح الكهرباء إلا للإنارة، ولا تقوى على إضاءة مصابيح النيون وتشغيل الحاسوب الشخصي دون محولات كهربائية باهظة الثمن أو غير متوفرة أحياناً بسبب الحصار، وأحياناً كثيرة تنقطع الكهرباء في النهار ثم تعود بعدما يخلد المواطنون إلى النوم، ثم تعود مرة أخرى للانقطاع في الصباح المبكر، فيصاب المواطنون بهم وغم ونكد.

وكلما وضعت شركة الكهرباء جدولاً لانقطاع التيار الكهربائي، خلق العدو الصهيوني أوضاعاً جديدة تخلُّ بهذا الجدول، عبر التحكم في إمدادات السولار الصناعي اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء في غزة، التي دمرها العدو الصهيوني خلال حربه على غزة قبل نحو عام، والتي تمد غزة بنحو 17% مما تحتاجه من كهرباء، فتضطرب الكهرباء لأسباب غير واضحة، ودون أي مبرر، حتى لا يتعود المواطن على وضع معين ويتكيف معه، وليظل في حالة قلق دائمة... إنه الكابوس المرعب الذي اسمه الكهرباء.

كما أن تكرار انقطاع التيار الكهربائي وتذبذبه، يؤدي باستمرار إلى إتلاف أجهزة المواطنين الكهربائية، ويحرمهم من ضخ المياه إلى خزاناتهم، ما يجعل المواطن يتألم بشدة، ويستنزف أمواله، خاصة مع استمرار الحصار والبطالة، وما لحق بغزة من دمار كبير جراء الحرب الصهيونية عليها، ولكن المواطن المسكين لا يستطيع القيام بأي شيء لوقف هذا العذاب والاستنزاف والمعاناة. وعلاوة على ذلك، يصعق التيار الكهرباء بعض المواطنين، بسبب فوضى التوصيلات الكهربائية، وتهتك شبكة الكهرباء ورداءتها، خاصة في فصل الشتاء، حيث تسقط الأسلاك الكهربائية على الأرض، فتصعق بعض المارة وأحياناً تحرق السيارات.

ولا تقتصر مشكلة الكهرباء على تعكير حياة المواطنين، بل تتعدى ذلك إلى الإضرار بالاقتصاد الفلسطيني المنهوك، حيث لا تصلح الكهرباء لتشغيل المصانع والماكينات الكبيرة، بسبب ضعفها وعدم انتظامها، ما يحول دون الاستقلال الاقتصادي عن العدو الصهيوني، الذي يعمل على تسييس الكهرباء واستخدامها لزيادة معاناة غزة، إبقاء الاقتصاد الفلسطيني معتمداً على الاقتصاد الصهيوني، وتحويل القضية الفلسطينية إلى معاناة حياتية، لترويض الشعب الفلسطيني، وإجباره على الاستسلام والتخلي عن أرضه وحقوقه...

وصل الأمر بتحكم العدو الصهيوني في الكهرباء لحد وضع شروط على مشروع تقدمت به سلطة أوسلو قبل عدة سنوات لتزويد غزة بالكهرباء المصرية، فقد وضع العدو الصهيوني شروطاً على المشروع، لتظل الكهرباء ضعيفة ومحدودة، ومدمرة للاقتصاد الفلسطيني، ومرهقة لجيب المواطنين. والعجيب أن المسئولين في سلطة أوسلو تبنوا تلك الشروط بحذافيرها!

وهناك مصيبة أخرى تتعلق بالكهرباء، فرغم سوئها وضعفها وانقطاعها واستخدامها في الضغط على المواطنين لتحقيق أهداف سياسية صهيونية، ورغم أنها تنقطع لأكثر من 50% من الوقت في أحيان كثيرة، لا تمس فاتورة الكهرباء بأي سوء، بل تتضخم، ليجد المواطن نفسه أمام استحقاق مالي كبير، ويدفع مقابل خدمة الكهرباء، التي في الحقيقة لم تعد خدمة، بل مصيدة ووسيلة تعذيب سادي، أكثر مما يدفعه معظم سكان العالم... ولذلك يعجز المواطن عن سداد الفواتير، للتراكم عليه، وتزيد كابوسه رعباً، رغم تقديم بعض الدول المانحة لشركة الكهرباء أموالاً لتغطية العجز الناجم عن عدم دفع المواطن للفاتورة. إذاً، المواطن الفلسطيني في غزة هو المواطن الوحيد في العالم الذي يدفع ثمن معاناته!

24/1/2010

(78)    هل أعجبتك المقالة (89)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي