يعتبر كتاب "تيارات الحداثة في التشكيل السوري" الذي صدر حديثا للكاتب والناقد أديب مخزوم، أول خطوة توثيقية للحركة التشكيلية السورية، إذ أنه يرصد عبر 500 صفحة من القطع الكبير تيارات الفن ومعارضه، من خلال نصوص نقدية وبحوث تحليلية، بعضها نشر سابقا، وبعضها ينشر للمرة الأولى. كما يضم الكتاب نحو 1725 صورة ملونة لرسومات ولوحات فنية لأكثر من مئتي فنان من جيل المؤسسين حتى اليوم.
ويستهل مخزوم كتابه بآراء كان قد قالها فنانون كبار في طريقة ومنهج أديب مخزوم في التحليل، كالفنان الراحل فاتح المدرس وعمر حمدي وغسان السباعي، وأسعد عرابي الذي قدم الكتاب قائلا: " إنه بانوراما رحبة انتقائية من تحاليل ومتابعات بطريقة نخبوية وانتخابية، كما أن مخزوم أمين في رصد الأحداث والمعارضة الفنية عبر الصحافة، وتعددي غير منحاز لاتجاه أو اسم دون آخر، وهذا مايضمن مصداقيته كشاهد موثق تراكمي يقتنص الحدث التشكيلي وخصائص التجارب عبر المعارض التشكيلية، وعندما يعالج تجربة فإنه ينقلها بحياد ويعرض نقيضها بنفس درجة الحياد".
ويقول أديب مخزوم في حديثه لـ "زمان الوصل" إن كتابه مراجعة نقدية لكل ما كتبه قبل عشرين عاما في الصحافة السورية والعربية، جامعا المقالات الأكثر أهمية عن الفنانين، "لحفظ الذاكرة التشكيلية، بدلا من وضعها في أدراج النسيان، وبالتالي كي لايضيع تعب سنوات، إضافة إلى أن الكتاب يضم دراسات تنشر للمرة الأولى".
ويشير مخزوم إلى أنه في السنوات الأخيرة صدرت كتب كثيرة عن الفن التشكيلي، معظمها غيبت مجموعة واسعة من كبارالفنانين، مثل كتب احتفالية دمشق عاصمة الثقافة، التي غيبت نحو 100 فنان من الصف الأول، مثل سعيد مخلوف رائد النحت الحديث، وفتحي محمد رائد النحت الواقعي، معتبرا أن كتابه عوض النقص في الكتب الرسمية والخاصة، التي لم تكن توثيقية ولا تحليلية، فمشكلتها أنها تناولت أسماء أقل أهمية.
ويضيف الناقد: "حاولت سد الثغرة معتمدا على اللغة التشكيلية والمعاصرة، فأعدت قراءة تراث الفن التشكيلي السوري دون إغفال أي تجربة هامة، من فن الرواد الأوائل إلى الآن وفق قراءة تحمل ملامح القراءة العصرية".
وتكمن أهمية الكتاب حسب مخزوم في أنه يتيح للطلاب والدارسين والباحثين أن يعتمدوا عليه في أطروحات الماجستير والدكتوراه، لأنه اعتمد على مراحل عمرية وزمنية، موثقا جميع التجارب الهامة، دون تجاهل أي فنان منذ أجيال الانطباعية ورائدها ميشيل كرشة (مواليد 1900)، وماقبل الانطباعية ، لتقديم فكرة عن مرحلة التأسيس، حتى جيل الشباب.
وتناول مخزوم في كتابه تجارب فنانين من كافة المحافظات السورية، مؤكدا أنه يسعى لكتابة جزء ثان، سيركز ضمنه على الفنانين من الدرجة الثالثة والرابعة.
ناشر الكتاب باسل حلواني يوضح أن قيمة الكتاب تأتي من شموليته للفن السوري، فهو كتاب نقدي، "حاولنا رصد أكبر عدد ممكن من الفنانين باختلاف اتجاهاتهم، وهو شامل لاتحيز فيه لأي أحد"، مشيرا إلى أن العمل على الكتاب استغرق أكثر من سنتين ونصف، "تعبنا حتى حصلنا على صور اللوحات والفنانين، حتى أن بعضهم توفي خلال أثناء فترة الإعداد للكتاب، فكنا نعدل ونضيف، إلى أن حققت حلم صديقي مخزوم بإصدار الكتاب".
وحول سعر الكتاب البالغ نحو 3 آلاف ليرة ( نحو 70 دولارا)، يشير الناشر إلى أنه سعر شعبي، فكلفة الكتاب عالية، إضافة إلى أن ورقه مصقول وقياس مربع بحجم مثالي 4 كيلوغرام، يريح العين ، خاصة أن الصور والكتابة واضحة حتى بدون وضع نظارات طيبة.
ويتوقع حلواني أن يكون للكتاب "بصمة على الساحة الفنية التشكيلية السورية والعربية، كما أنه سيكون مرجعا هاما لأي طالب أو مهتم بالفن السوري الذي أصبح فنا عالميا".
ويركز مخزوم في كتابه على أنه لابد في النص النقدي الحديث من الذهاب إلى أبعاد جمالية تقطف إيماءات الحالة الداخلية العاطفية، والوصول إلى لغة تحليلية خاصة أثناء الكتابة النقدية المعاصرة، وهذا لايتم إلا من خلال لغة نقدية تحليلية تعطي الناقد فرادة وشاعرية وأسلوبية متجددة ومنفتحة على ثقافة فنون العصر.
كما يطرح الناقد في كتابه نقطة خطيرة تتمثل في عدم اعتراف الفنانين بتجارب غيرهم، وعدم متابعة معظمهم للنقد والتحليل في الصحافة.
وحول أهمية الكتاب مقارنة مع غيره من الدراسات السابقة، يقول الفنان التشكيلي والأستاذ الجامعي علي سليمان في حديثه لـ "زمان الوصل": نحن في زمن "رمادي"، غطت فيه "الضبابيات" على الكثير من الأشياء، فالفنان يشتغل لصالح المؤسسات وهذا أمر جيد، لكن الكتاب مشغول لصالح الجميع وحيادي، معتبرا أن مخزوم ناقد ومحلل منطقي، وأنا أرى أن "دراسته وثيقة هامة في زمن ندرت فيه الوثائق الحيادية يحتاج لها الفن السوري"، لأنه أعطى قيمة لكل إنسان من خلال التحليل المنطقي.
ويعتقد سليمان أن كتاب "تيارات الحداثة في التشكيل السوري"، مرجع حقيقي تحتاج إليه المكتبة العربية الفنية، لأنها فقيرة جدا في مجال المصادر والمراجع، إضافة إلى أن من كتبه ناقد أكاديمي وحيادي، متمكن من أدواته، رسام سابقا، ثم تحول إلى كاتب، لأن المثل الألماني يقول "فنان فاشل ناقد ناجح"، ومخزوم تعب على نفسه، ولديه مصادره بحيث عندما يدخل اللوحة يدخلها بعين ناقدة صحيحة.

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية