روت والدة طبيب قضى تحت التعذيب تفاصيل عن محاولات ابتزازها وادعاء إخراجه من قبل بعض محسوبي النظام من ضباط وقضاة ووسطاء رغم أنه كان قد توفي منذ الأسبوع الأول لاعتقاله.
وكانت عائلة الطبيب "أيهم غزول" قد تلقت نبأ مقتله تحت التعذيب في "سرية المداهمة -215" التابعة للأمن العسكري بتاريخ 11/11/ 2012.
وأقامت العائلة مراسم العزاء، وبعد عدة أيام جاء من يقول إنه حيّ وإنه شاهده في 215، وتحدث معه كما تقول والدته الناشطة "مريم الحلاق" لـ"زمان الوصل"، مضيفة أنها بدأتُ حينها مرحلة البحث عن الحقيقة هل هو حيّ أم ميت واستمرت 17 شهراً تعرضت فيهما للنصب مرتين، في المرة الأولى قدم أحد القضاة العسكريين على أنه من يأتيني بالخبر اليقين بعد عدة أيام امتدت لأسابيع جاء بعدها من يخبرها وأمام القاضي نفسه أنّ ابنها حيّ يرزق، وأنه أُدخل المشفى 3 مرات، ولكنه الآن بخير وقد أصبح فوق الأرض ويعتنون به لأنه (بيجي منه) أي أن أهله قادرون على الدفع.
وتابعت محدثتنا أن القاضي أصر يومها أن تعمل وكالة لشخص يدعى "بشار" فاستغربت أنه محامٍ وكانت تظنه -كما تقول- أحد رجال الأمن.
بعد أن وكلت محدثتنا المحامي المذكور في القضاء العسكري خرجت إلى البهو، وبدأت بالحديث مع ابنها الأكبر عن المبلغ الذي يطلبه الضابط المسؤول الذي سيعمل على إخراج "أيهم" من المعتقل واتصل بها وأعطاها الهاتف لتسمع ما يفترض أنه الضابط قال لها: "اطمني الحكيم (ابنها الطبيب) بخير وصحته جيدة ونحنا عم نعتني فيه".
وكشفت "الحلاق" أن المحامي المبتز طلب منها حينها مليون ليرة كانت تساوي تقريبا 7 آلاف دولار، وعندما أعلمته أنهم لا يملكون الفراش الذي ينامون عليه وأنهم تركوا بيوتهم وأملاكهم وخرجوا تحت القصف لم يهتم للأمر وقال هم -يقصد ضباط النظام- مصرون على المليون، وأضافت أنها وافقت على أن يسلمه ابنها الكبير المبلغ في الوقت الذي يتم الإفراج عن ابنها "أيهم".
وتضيف الأم الستينية ساردة جوانب من معاناتها حيث أمضت 40 يوماً دون أن يرى النوم طريقاً إلى عينيها: "كنت أبقى في الصالون في بيت أخي الذي لجأنا إليه في دمشق، كنت أنير البيت كله بالأضواء وجهزت ملابس وطعاما في بيت أختي القريب منا، لأنه كان يحمل مفتاحه قبل اعتقاله".
وأردفت بنبرة مؤثرة بأنها كانت قد جهزت له كيساً يحوي ملابس داخلية وبنطالاً وكنزة وحذاء، لأنها كانت ترى الخارجين من المعتقل عراة حفاة، وكان المحامي يتصل بها في كل مساء ليؤكد أن أيهم سيأتي هذه الليلة، ليعود في الصباح ويؤكد أنه يعمل بكل جهده ولكن يلزمه الوقت وتمر الأيام والوعود تكثر.
واستمرت محاولات الابتزاز لاحقاً من أشخاص وسماسرة آخرين فذات مرة سمعت "مريم الحلاق" همساً بين أولادها وقريب لهم وعندما سألتهم أنكروا أنهم يدرون شيئا وبعد الحاح أخبروها أن هناك شخصاً هو عنصر أمن واصل للمسؤولين ويطلب مبلغ ألف دولار، ليؤكد لهم أنّ "أيهم" مازال حيّاً، ولم يكتف بذلك بل طلب 10 آلاف ليرة فقط للاطلاع على قائمة فيها اسم "أيهم"، ولا يوجد إلى جانب الاسم أنه متوفى وكان ذلك -كما تقول- ضمن سيارة وقفت في أحد أزقة شارع "بغداد"، وفيها محامية لها مكتب في نفس الشارع.
أضف إلى ذلك طلب العنصر السمسار 25 ألفاً للاستماع إلى مكالمة من "أيهم" ومثلها لرؤيته أثناء جلبه إلى المحاكمة والباقي حين يحصلون على إذن بزيارته في إيداع سجن "عدرا"، وبالطبع لم ينفذ اي شيء وكانت مع أبنائها يتعلقون بقشة رغم تأكدهم من أن هؤلاء الوسطاء ينصبون عليهم.
بعد ذلك اتصل المحامي "بشار" بالأم المكلومة ليطلب منها موافاته في القصر العدلي، وهناك رأته يحادث امرأة ثكلى، وقال لها إن عفواً عاماً سيصدر في اليوم التالي وأن الضابط وضع اسم ابنها في القائمة وطلب استلام المبلغ خشية إطلاق سراح ابنها في العفو ووصوله إلى البيت ورفض تسليم المليون ليرة، فأكدت له -كما تقول- أنها ستسلمه المبلغ حال وصول "أيهم" إلى البيت ولم يكن هناك عفو ولا "أيهم".
مضت 6 أشهر على هذا العذاب والانتظار، الذي لاقته الأم المنتظرة وحينها أرسلت رسالة للمحامي النصاب تخبره فيها عدم الاتصال ثانية وبعد ثلاثة أشهر عاود المحامي المذكور الاتصال ليقول لها إن عفواً عاماً سيصدر وسيكون "أيهم" هذه الليلة في منزله وتابعت أن ضابطاً مزعوماً حدثها حينها وأكد وعده.
وبدأ أمل صغير يبرق تحت رماد اليأس وبقيت محدثتنا صاحية ليلتها -كما تقول- لتكتشف أن ابنها "أيهم" استشهد بعد 5 أيام من اعتقاله الذي كان بتاريخ 5/11/2012 أي أنه كان متوفياً قبل 9 أشهر.
وكانت "مريم الحلاق" الناشطة في "رابطة عائلات قيصر"، وشقيقة الإعلامي السوري "توفيق الحلاق"، قد قدمت شهادتها في أول دعوى رُفعت ضد النظام السوري في برلين بداية العام 2017 اتهمت فيها الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، لأنهم هم من اعتقلوا ابنها من رحاب جامعة دمشق وعذبوه وضربوه وأيضا سرية المداهمة 215 التابعة للأمن العسكري.
وأكد تقرير لرابطة المعتقلين والمفقودين في سجن "صيدنايا" صدر في يناير 2021 أن النظام السوري جنى من عمليات الابتزاز المالي التي مارسها على أهالي المعتقلين مقابل تزويدهم بمعلومات عن أبنائهم، أو وعود بالسماح لهم بالزيارة في أماكن الاعتقال، أو إطلاق سراحهم ما يقارب 900 مليون دولار أميركي منذ العام 2011 وحتى الآن.
وبحسب التقرير، الذي شمل 508 مقابلات مع عائلات مختفين قسراً منذ خريف العام 2018، وحتى الآن أن من بين الذين دفعوا مبالغ مالية من أجل وعود بزيارة ذويهم المختفين قسرا، لم يتمكن سوى شخص واحد من مقابلته، مقابل 41 شخصا قالوا إنهم دفعوا أموالاً ولم ينفذ الوعد بالزيارة.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية