أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

النواعير تدخل على خط المناكفات بين حمص وحماة.. "الدالاتي" استوحى برج "إيفل" لصنع ناعورة نُقلت إلى "جسر الشغور"

امتلأت مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة بالكثير من المناكفات الشعبية القديمة الظريفة بين أبناء مدينتي حمص وحماة حول ملكية العاصي وحلاوة الجبن والنواعير وهي ليست ابنة يومها بين المدينتين بل إن لها جذوراً متأصلة في التاريخ ففي زمن الفتح الإسلامي لبلاد الشام قُسّمت الأجناد وكانت حماه من نصيب جند حمص ثم دخلت في حكم الأمويين ولما حدثت معركة (مرج راهط) بين اليمنية أنصار (مروان بن الحكم) والقيسية أنصار بن الزبير غُلبت القيسية وكان سكان حماه منها وبدءاً من هذا التاريخ "تأرّثت" المشاحنة بين أهل حمص وأهل حماه وبقي أوارها يشتعل ويشتد والخلفاء الأمويون يساندون حمص على حماه لأنها من أنصارهم، وفي حمأة هذا الصراع السلمي بين المدينتين الجارتين فإن قلة من يعرفون أن مدينة حمص كانت تضم من بين أوابدها الاثرية ايضاً ناعورتين من أجمل النواعير التي عرفتها سوريا في القرون الماضية، وإحدى هاتين الناعورتين خشبية والأخرى حديدية، وإذا كانت الناعورة الأولى قد اندثرت تماماً فإن الناعورة الثانية ما زالت قائمة تعمل، ولكن في بلدة جسر الشغور التي تبعد عن مدينة حمص أكثر من مائة كيلومتر بعدما نقلت من مكانها الأصلي الذي نصبت فيه في السوق الذي يحمل اسمها ويُعرف بها حتى الآن، ولكن تم إزالتها عام 1951 ضمن مشاريع موازنة بلدية حمص واتمام استملاكات باب السوق الغربي التي أتت على خان السلور ثم طالت التكية الكوجكية والناعورة كما تشير وثيقة نشرها الباحث والمهندس "عبد الهادي نجار" قبل سنوات. 

وصمم الناعورة الحديدية الحمصي الحرفي عمر الدالاتي الذي كان يعمل في مختلف المهن اليدوية الميكانيكية، ومنها سكب المعادن، وعرف بحبه وإتقانه لهذه المهنة   (صب الفونط والنحاس) وتوفي في مقتبل عمره متأثراً بهذه المهنة عام 1933

وحول قصة هذه الناعورة وطريقة تصميمها روى أحد أقارب الحاج الدالاتي الذي يعيش في حمص وفضل عدم ذكر اسمه لـ"زمان الوصل" أن  قريبه ولد في مدينة حمص عام 1889 ميلادية، ومنذ نشأته اتجه إلى مزاولة مختلف الأعمال الإنشائية والمدنية، ومن أعماله تصميم معمل للمياه الغازية ( الكازوز )، ومعمل الثلج على طريق الكورنيش في وقت كانت فيه المهن اليدوية كل شيء.

وكان قد تلقى خبرته الفنية والميكانيكية-كما يقول المصدر- أثناء أدائه خدمته العسكرية في الجيش التركي في مدينة "مرسين"، إذ عمل آنذاك ضابطاً في صناعة الأسلحة تحت اسم (تفكجي)، مضيفا أنه عندما زارت والدة السلطان "عبد الحميد الثاني" مدينة حمص خطر ببالها، لدى استضافتها في قصر "عبد الحميد باشا الدروبي" أن تجعل لها ذكرى في مدينة خالد بن الوليد بإنشاء سبيل ماء.

وأوضح محدثنا أنه بعد إنشاء هذا السبيل اتضح أن المياه التي ترد إلى هذا السبيل بواسطة الناعورة القديمة الخشبية لم تعد كافية بسبب الأضرار التي لحقت بها، لذلك تقرر إنشاء ناعورة حديثة من الحديد، فقام رئيس بلدية حمص الباشا "عاطف الأتاسي" آنذاك باستدعاء الحاج "حسين الدالاتي" لأخذ رأيه في هذا الموضوع لكونه خبيراً في هذا المجال وعرض عليه فكرة إنشاء ناعورة حديدية بدلاً من الناعورة الخشبية البالية والتي كانت بالقرب من التكية المولوية بجانب التكية السلطانية وتسقي الجامع الكبير والتكية السلطانية.. وقد كلف الحاج حسين حفيده الأكبر "عمر بن محمد علي الدالاتي" الذي خلف جده في الأعمال الميكانيكية والفنية بإنشاء هذه الناعورة.

وأضاف المصدر أن الحاج "عمر الدالاتي" قام بإنشاء مكان الناعورة بالأعمال المدنية وإرساء قواعدها المتينة وبدأ العمل بتصميم الناعورة مطلع العام 1922 على نفقة بلدية حمص.. وصنعت أقسام الناعورة من الحديد الخالص حتى الدعائم الداخلية،  وكانت (المضاجع) من النحاس المسكوب، أما محور الناعورة فكان من الفولاذ الخالص وعلب رفع الماء من الحديد الصاج.

وقد بلغ طول القطر 12 متراً وأكثر بعد الانتهاء من العمل وقبل التشغيل البدائي.

وجدير بالذكر أن عضائد وألواح الناعورة كانت تثبت بواسطة مسامير   (التبشيم)، إذ لم يكن لحام الكهرباء معروفاً حينذاك، وكانت هذه الناعورة مصممة على نمط برج "إيفل"، حيث إنه أثناء وجوده في باريس أيام خدمته في الجيش التركي شاهد عظمة تصنيع برج "إيفل" وأخذ الفكرة، فكانت الناعورة قمة الصناعة في ذلك العصر في حمص والمدن المجاورة لخامتها وبراعة تصميمها، وظلت تعمل على طاقة المياه الواردة من ساقية "الدبلان" المتفرعة عن ساقية الري إلى أن قام مجموعة من العابثين بتهديمها، وتم نقلها إلى الشمال الغربي من مدينة حمص، ثم نقلت إلى "جسر الشغور" حيث ما زالت قائمة وقيد العمل هناك.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(346)    هل أعجبتك المقالة (241)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي