أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الكاتب "سعد فنصة" يروي قصة "ميشيل كيلو" ووساطة "اللواء خير بيك"

فنصة

قال الكاتب والمصور "سعد فنصة" إنه يحتفظ بشريط كاسيت يظهر جرأة وشجاعة الكاتب والمفكر الراحل "ميشيل كيلو" الذي رحل في باريس منذ أيام.

ووقف كيلو مبكراً في وجه مهرجي قيادات البعث الاشتراكي المنتفع من بيع الشعارات، خلال مؤتمر للكتاب والصحفيين السوريين عقد بدمشق نهاية العام 1979، وقال بالحرف بحسب التسجيل: "يلح لدي سؤال أوجهُهُ اليكم: هل قضية الاشتراكية في وعي الجماهير مسألة تتقدم أم تتراجع..؟

وأردف "برأيي، إنها مسألة تتراجع..ويستطيع أي مسؤول منكم زيارة أي فرن وباص ومدرسة..ليجد أن هذه القضية تتراجع..كذلك قضايا الأمة".

وتابع "كيلو" متسائلاً: "عن ماذا أحدثكم في الاقتصاد ..عن الزراعة المتدهورة ...أم الصناعة التابعة..".

وكان الشاعر السوري الراحل "ممدوح عدوان" حاضراً في الاجتماع أيضاً وتحدث بجرأة لم تقل عن جرأة "كيلو"، حيث تساءل حينها عن طبيعة "سرايا الدفاع" وسلطتها وما سر امتيازاتها حتى أن جندياً في هذه السرايا يتمتع بامتيازات ونفوذ أكثر من ضابط في جيش النظام فهيمن على الصالة خوف شديد حيال هذه الجرأة، تجاه الميليشيا التي كانت ترعب السوريين بقيادة "رفعت الأسد" كان تمسك البلاد بالنار والبارود آنذاك.

وبعد أسابيع قليلة تم اعتقال المعارض الراحل في تشرين الأول/أكتوبر/1980 من قِبَل فرع المنطقة للأمن العسكري في دمشق (فرع العدوي) على خلفية انتمائه للحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي)، وتعرض لأبشع أنواع التعذيب في أحد فروع المخابرات وهي المرة الأولى التي يتم اعتقاله فيها.

وروى "فنصة" لـ"زمان الوصل" أن كيلو اعتقل ثانية عام 2006 علي خلفية توقيعه بيان المثقفين السوريين واللبنانيين وحكمت عليه المحكمة العسكرية عام 2007 بالسجن ثلاثة أعوام وتم الإفراج عنه بعد انتهاء محكوميته.

ونوّه "فنصة" إلى أنه كان على علاقة صداقة مع دكتور يدعى "عبد الحميد الحسن" يدرّس في كلية الفلسفة بجامعة دمشق، وكان بدوره على علاقة صداقة مع اللواء "فؤاد خير بيك" وهو ابن شقيق محمد ناصيف خير بيك أحد رموز النظام ومن المقربين لحافظ الأسد.

وأضاف محدثنا أنه طلب من "الحسن" حينها أن يتوسط لدى "خير بيك" الذي كان مديراً للأمن الداخلي للإفراج عن "ميشيل كيلو"، وفعلاً تحدث "الحسن" مع "خير بيك" بهذا الشأن ففوجئ بقوله إن أمر "كيلو" خارج إرادته وقرار اعتقاله رئاسي.

وكشف مؤسس ومالك "دار واشنطن الدولية للنشر" أنه تعرف على "كيلو" بشكل غير مباشر منذ أن كان في الصف التاسع من خلال مداخلاته ومقالاته الفكرية ومواقفه وحواراته، واحتفظ منذ ذلك الوقت بتسجيل طويل ونادر يتضمن جانباً من هذا النشاط مع الشاعر الراحل "ممدوح عدوان".

وقضى "كيلو" -حسب محدثنا- نصف قرن من عمره في الدفاع عن قضية الحرية في سوريا لذلك تبدى الحس الشعبي في الاحتفاء به بعد موته، مضيفاً أن هذا الحس غالباً يكون سليماً وعفوياً لا تشوبه شائبة بخصوص من يمتص دم الشعب ومن يدافع عن روحه وحريته وكرامته، ومن يدفع الأثمان لذلك -حسب قوله- جاء هذا الاهتمام الشديد بقامة وطنية وفكرية كـ"ميشيل كيلو" الذي كان فوق الأديان والطائفية والحزبية والمذاهب، وفوق الشوفينية التي يتمسك بها بعض الناس ويدافعون عنها، إن كانت شوفينية دينية أو حزبية أو مذهبية.

وهذا الاهتمام بـ"كيلو" يوحي -كما يقول- بحقيقة الشعب السوري المنتمي لهويته الوطنية والذي يجمعه الانتماء الوطني قبل أي اعتبارات أخرى ولا يمكن أن يكون لسوريا مستقبل قادم دون تكريس هذه الهوية الجامعة.

وروى "فنصة" أنه التقى "كيلو" عام 2010 بعد الإفراج عنه وكان حينها على موعد مع المخرج "ريمون بطرس" للاتفاق على إنجاز فيلم وثائقي عن تدمر، فجاء إلى المقهى ليجتمع بأصدقائه، وعرف منه تفاصيل عن اعتقاله المريح نوعاً ما، حيث لم يتعرض للتعذيب حينها لأن النظام لم يجرؤ على ممارسة التعذيب بحق "كيلو" نظراً لأن المجتمع الدولي كان يراقب اعتقاله باعتبار أنه سجين رأي.

وبعد خروجه من سوريا كتب "فنصة" مقالة فور وصوله إلى الولايات المتحدة الأمريكية عن هذه القصة على صفحته الشخصية في "فيسبوك" عن هذه القصة، وبعد نشر المقالة -كما يقول- استنفرت مخابرات النظام حيث وصلت إلى اللواء "خير بيك" وذهب عناصر المخابرات إلى مكان عمل زوجته في دمشق وإلى مكان عمله السابق في متحف دمشق للسؤال عن كيفية مغادرته لسوريا وخلفيته السياسية.

وكشف "فنصة" أن الراحل "ميشيل كيلو" لم يكن يصطدم مع السلطة الأمنية والدليل على ذلك هي شهادة اللواء "فؤاد خير بيك" أن موضوع اعتقال "كيلو" خارج إرادته ولا يستطيع مساعدته وأن قرار اعتقاله من الأب والابن مباشرة، حيث كان مزعجاً لكليهما، وكانت أحاديث "كيلو" ومحاضراته -حسب قوله- تتضمن آراء سياسية واقتصادية جريئة تخص بنية النظام وسياسة الفساد والنهب واللصوصية التي تنخره من الداخل، وكذلك مسألة التخبط في المواقف الدولية، فكان "كيلو" رجل فكر وليس مجرد معارض أو في نيته الاصطدام مع الأجهزة الأمنية بشكل مباشر.

وأردف المصدر أن الكثير من رموز الأجهزة الأمنية في سوريا كانوا يعرفون قيمة "كيلو"، وأنه يكتب بقلم وطني وليس مأجوراً أو مرتهناً لأي جهة داخلية أو خارجية، وكان من المريب أن يتم فتح أبواب السجون لشخصيات سلفية متطرفة لتمر بأجندتها وأسلحتها وأفكارها في الوقت الذي يتم سجن مفكر تنويري وطني مثل "ميشيل كيلو"، وهذا ما يؤكد مدى ظلامية هذا النظام.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(274)    هل أعجبتك المقالة (262)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي