قد يكون صوت الاعتراض على مصر وأدائها السياسي والأمني في ملف فلسطين ولبنان عالياً جداً. الكثيرون يقولون، وهم محقّون في الكثير من الأوقات، إن مصر تتخلّى عن دورها. أو إن مصر تحوّلت إلى أداة لحصار الشعب الفلسطيني. اللبنانيّون اعتمدوا السفارة المصريّة مقراً لاعتصامات يوميّة خلال الحرب الإسرائيليّة على غزة نهاية عام 2008. اليوم، يتظاهر يساريّون وإسلاميّون استنكاراً للجدار الفولاذي، الذي يرى فيه هؤلاء تجويعاً للشعب الفلسطيني في غزة في سبيل تركيعه.
وجهة النظر المصريّة مختلفة تماماً. يتحدث أحد الدبلوماسيين العرب الذين زاروا مصر أخيراً، وهو يُعدّ من القريبين منها في القراءات السياسيّة، عن أن العقل المصري لم يعد يتحرّك بناءً على أولويّات الخارج، أو أولويّات الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي. ينقل الدبلوماسي ما يقول إنه الطريقة التي بات يُفكّر فيها النظام المصري: كيف نُطعم 80 مليون مواطن، حيث إن نسبة الولادات في مصر هي من الأعلى في العالم. ولكن أليس هذا تقزيماً للدور المصري؟ يُجيب الدبلوماسي بما سمعه في «قاهرة المعزّ» هناك وجهة نظر مختلفة: في القاهرة اليوم نظام أمني بامتياز. فشل الحكم في إدارة شؤون الصحة والتعليم وخلق فرص العمل، لكنّه نجح في إدارة البلاد أمنياً. ولذلك، فإن من يُدير مصر هو عقلها الأمني الذي تتجنّد باقي القطاعات في خدمته.
وهنا بيت القصيد يقول الرجل. يعتقد أمنيّو مصر أن بلادهم لم تكسب شيئاً من عمليّات التوسّع الخارجيّة التي قام بها الرئيس جمال عبد الناصر. صفّق لها الكثيرون، لكن ما من أحد وقف إلى جانبها ودعمها في لحظات الضعف. تصادمت مصر عبد الناصر مع الأنظمة العربيّة فاستنزفت وضعفت. وعلى هذا الأساس، يرى النظام المصري، أن اتفاقية السلام مع إسرائيل، تسمح لها بأن تُنظّم وضعها الداخلي، «من دون أن تتخلى مصر عن عروبتها». وأين الريادة المصريّة في السياسة والصحافة والاقتصاد؟ يرى الدبلوماسي أن العقل الحاكم في مصر يرى أن ريادة مصر كانت نتيجة «تخلّف» الدول الباقية على المستوى الاقتصادي وغير الاقتصادي. وعندما تطوّرت هذه الدول لم تعد مصر التي نعرفها.
فلسطين: الحديقة الخلفيّة
عندما يتحدّث المصريّون عن فلسطين يتحدثون عن حديقة خلفيّة. هم أصلاً من يتحمل المسؤولية عن ضياع أجزاء منها في حربي عامي 1948 و1967. صحيح أن العقل المصري ـــــ يقول الدبلوماسي نفسه ـــــ لا يعترف بهذا الأمر، إلّا أنه يرفض أن تجتاح المجاعة قطاع غزّة. والسبب براغماتي بامتياز: إذا ما ضغطت غزّة إلى الحدّ الأقصى فستنفجر في النقطة الأضعف، وهي الحدود مع شبه جزيرة سيناء وتحديداً عند معبر رفح.
ماذا عن بناء الجدار الفولاذي؟ القرار اتُّخذ في كانون الثاني 2008، يقول الرجل. والسبب كان في ذلك الوقت هو ازدياد عمليّات التهريب عبر الأنفاق وتسلل الفلسطينيين إلى سيناء بكثرة. والمصريّون يعرفون أن الجدار لا يُمكن أن يحميهم بالكامل، لكنّه يؤمّن حماية عالية المستوى، وإذا ما تمّ خرقه، فإن ذلك سيكون بنقاط محدّدة يمكن السيطرة عليها. أمّا بخصوص خنق أهل غزّة، «فإن معبر رفح يبقى مفتوحاً، ويمكن تمرير البضائع عبره». وعند سؤاله بأن المعبر مُغلق، يجيب الرجل: هو مغلق بسبب عدم تقيّد الأطراف باتفاقيّة عام 2005 بين السلطة الفلسطينيّة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، «ومصر لا تريد خرق الاتفاقيّة، رغم أنها جزء منها لأن الأعراف الدوليّة لا تسمح بذلك، كما أن المعبر يُفتح لبعض الأيّام خلال الأسبوع».
العلاقة مع سوريا
النقاش حول الدور السوري في فلسطين، يفتح الباب أمام نقاش دور العلاقة السوريّة ـــــ المصريّة. يعتقد الرجل أن الأمور ذاهبة صوب التطبيع. وأنه لم يعد هناك خلاف جوهري بين الطرفين، وأن التوتر قد زال، «ونقاط الاختلاف باتت أقلّ بكثير من نقاط الاتفاق، كما أن مصر لم تقفل الباب أمام الدور السوري في فلسطين، بل قالت: سنبحث الأمر». ويضيف: إن زيارة الرئيس بشار الأسد إلى الرياض، ولقاءه الملك عبد الله، حملت في طيّاتها تطوّرات إيجابيّة على صعيد العلاقة المشتركة، وإن اللقاء بين الأسد والرئيس المصري حسني مبارك بات قريباً. هو يرى أن الملف اللبناني كان عقبة وانتهت.
العلاقة مع لبنان
طيب، وفي لبنان ينفي الدبلوماسي علمه بأي عمل أمني مصري ضدّ حزب الله في لبنان، لا بل يُستفزّ. «مصر ليست عدو «حزب الله». هي تحرّكت يوم تهدّد أمنها القومي. في اللحظة التي وصل فيها شباب «حزب الله» إلى قناة السويس واستأجروا شقة هناك، شعر المصريّون أن أمن القناة في خطر، وهي تؤمن الأكل لثلث الشعب المصري». تتكرّر كثيراً عبارة تأمين الأكل على لسان الدبلوماسي. هو يُعطي مثلاً: مصر كانت قادرة على منع التظاهرات الداعمة لـ«حزب الله» خلال حرب تموز 2006، لكنها لم تفعل. وهي أعطت تأشيرات دخول إلى ممثلي قناة «المنار» المشاركين في مهرجان القاهرة للإعلام العربي. وعندما تواجهه بأمثلة عن التحقيق مع بعض اللبنانيين، الذين زاروا القاهرة أخيراً، يبتسم.
يُصرّ الرجل على أن مصر ليست طرفاً في الصراع الداخلي اللبناني، وأنها تدعم الحكومة اللبنانيّة كائناً من كان رئيسها، «حتى لو كان السيد حسن نصر الله». والموقف خلال أحداث 7 أيّار؟ يُجيب الدبلوماسي: «بحسب معلوماتي، فإن مصر ستدين حزب الله إذا ما استعمل سلاحه في الداخل مجدداً. وهي ستدينه إذا ما سبّب مشاكل داخليّة وخارجيّة للبنان».
يقول الدبلوماسي إن العلاقات بين مصر وحزب الله مقطوعة منذ حرب غزّة، يوم دعا السيد نصر الله الجيش المصري إلى الانتفاضة على قيادته السياسية، «فمصر ترى جيشها خطاً أحمر ممنوع الاقتراب منه لأي كان. على كلّ، حزب الله خسر جزءاً من شعبيّته في مصر، بسبب هذا الكلام لأن المصريين يُقدسون جيشهم».
على أي حال، في مرحلةٍ ما حصل تبادل رسائل غير مباشرة عبر وسطاء قريبين من الطرفين، وأُبلغ حزب الله بأن التحقيق مع المتهمين بالعمل لمصلحته سيتأجل عدّة مرات وهو ما حصل، كما نُقلت رسائل أكثر إيجابيّة، لكن شيئاً ما حصل قطع العلاقة مجدداً يقول الدبلوماسي.
وفي ملف التحقيق في ما بات يُطلق عليه اسم «خليّة حزب الله»، يجزم الرجل بأن الساسة المصريّين لن يتدخلوا في القرار القضائي، «ومن عليه أدلّة بحيازة سلاح فسيُدان بهذه التهمة، ومن عليه أدلة متعلّقة بتزوير فسيُدان بما تقتضيه هذه التهمة، وهكذا دواليك. والمؤكّد أيضاً أن بعض المتهمين سيبرّأون لعدم كفاية الدليل». وبعد الإدانة، هل سيصدر عفوٌ ما؟ قد يحصل الأمر من ضمن الإجراءات المصريّة وبالتعاون مع الجهات الرسميّة اللبنانيّة. كلام الدبلوماسي في هذه النقطة حذر جداً، «فأنا لست في وارد نقل رسائل إعلاميّة بين الطرفين».
وجهة النظر المصريّة مختلفة تماماً. يتحدث أحد الدبلوماسيين العرب الذين زاروا مصر أخيراً، وهو يُعدّ من القريبين منها في القراءات السياسيّة، عن أن العقل المصري لم يعد يتحرّك بناءً على أولويّات الخارج، أو أولويّات الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي. ينقل الدبلوماسي ما يقول إنه الطريقة التي بات يُفكّر فيها النظام المصري: كيف نُطعم 80 مليون مواطن، حيث إن نسبة الولادات في مصر هي من الأعلى في العالم. ولكن أليس هذا تقزيماً للدور المصري؟ يُجيب الدبلوماسي بما سمعه في «قاهرة المعزّ» هناك وجهة نظر مختلفة: في القاهرة اليوم نظام أمني بامتياز. فشل الحكم في إدارة شؤون الصحة والتعليم وخلق فرص العمل، لكنّه نجح في إدارة البلاد أمنياً. ولذلك، فإن من يُدير مصر هو عقلها الأمني الذي تتجنّد باقي القطاعات في خدمته.
وهنا بيت القصيد يقول الرجل. يعتقد أمنيّو مصر أن بلادهم لم تكسب شيئاً من عمليّات التوسّع الخارجيّة التي قام بها الرئيس جمال عبد الناصر. صفّق لها الكثيرون، لكن ما من أحد وقف إلى جانبها ودعمها في لحظات الضعف. تصادمت مصر عبد الناصر مع الأنظمة العربيّة فاستنزفت وضعفت. وعلى هذا الأساس، يرى النظام المصري، أن اتفاقية السلام مع إسرائيل، تسمح لها بأن تُنظّم وضعها الداخلي، «من دون أن تتخلى مصر عن عروبتها». وأين الريادة المصريّة في السياسة والصحافة والاقتصاد؟ يرى الدبلوماسي أن العقل الحاكم في مصر يرى أن ريادة مصر كانت نتيجة «تخلّف» الدول الباقية على المستوى الاقتصادي وغير الاقتصادي. وعندما تطوّرت هذه الدول لم تعد مصر التي نعرفها.
فلسطين: الحديقة الخلفيّة
عندما يتحدّث المصريّون عن فلسطين يتحدثون عن حديقة خلفيّة. هم أصلاً من يتحمل المسؤولية عن ضياع أجزاء منها في حربي عامي 1948 و1967. صحيح أن العقل المصري ـــــ يقول الدبلوماسي نفسه ـــــ لا يعترف بهذا الأمر، إلّا أنه يرفض أن تجتاح المجاعة قطاع غزّة. والسبب براغماتي بامتياز: إذا ما ضغطت غزّة إلى الحدّ الأقصى فستنفجر في النقطة الأضعف، وهي الحدود مع شبه جزيرة سيناء وتحديداً عند معبر رفح.
ماذا عن بناء الجدار الفولاذي؟ القرار اتُّخذ في كانون الثاني 2008، يقول الرجل. والسبب كان في ذلك الوقت هو ازدياد عمليّات التهريب عبر الأنفاق وتسلل الفلسطينيين إلى سيناء بكثرة. والمصريّون يعرفون أن الجدار لا يُمكن أن يحميهم بالكامل، لكنّه يؤمّن حماية عالية المستوى، وإذا ما تمّ خرقه، فإن ذلك سيكون بنقاط محدّدة يمكن السيطرة عليها. أمّا بخصوص خنق أهل غزّة، «فإن معبر رفح يبقى مفتوحاً، ويمكن تمرير البضائع عبره». وعند سؤاله بأن المعبر مُغلق، يجيب الرجل: هو مغلق بسبب عدم تقيّد الأطراف باتفاقيّة عام 2005 بين السلطة الفلسطينيّة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، «ومصر لا تريد خرق الاتفاقيّة، رغم أنها جزء منها لأن الأعراف الدوليّة لا تسمح بذلك، كما أن المعبر يُفتح لبعض الأيّام خلال الأسبوع».
العلاقة مع سوريا
النقاش حول الدور السوري في فلسطين، يفتح الباب أمام نقاش دور العلاقة السوريّة ـــــ المصريّة. يعتقد الرجل أن الأمور ذاهبة صوب التطبيع. وأنه لم يعد هناك خلاف جوهري بين الطرفين، وأن التوتر قد زال، «ونقاط الاختلاف باتت أقلّ بكثير من نقاط الاتفاق، كما أن مصر لم تقفل الباب أمام الدور السوري في فلسطين، بل قالت: سنبحث الأمر». ويضيف: إن زيارة الرئيس بشار الأسد إلى الرياض، ولقاءه الملك عبد الله، حملت في طيّاتها تطوّرات إيجابيّة على صعيد العلاقة المشتركة، وإن اللقاء بين الأسد والرئيس المصري حسني مبارك بات قريباً. هو يرى أن الملف اللبناني كان عقبة وانتهت.
العلاقة مع لبنان
طيب، وفي لبنان ينفي الدبلوماسي علمه بأي عمل أمني مصري ضدّ حزب الله في لبنان، لا بل يُستفزّ. «مصر ليست عدو «حزب الله». هي تحرّكت يوم تهدّد أمنها القومي. في اللحظة التي وصل فيها شباب «حزب الله» إلى قناة السويس واستأجروا شقة هناك، شعر المصريّون أن أمن القناة في خطر، وهي تؤمن الأكل لثلث الشعب المصري». تتكرّر كثيراً عبارة تأمين الأكل على لسان الدبلوماسي. هو يُعطي مثلاً: مصر كانت قادرة على منع التظاهرات الداعمة لـ«حزب الله» خلال حرب تموز 2006، لكنها لم تفعل. وهي أعطت تأشيرات دخول إلى ممثلي قناة «المنار» المشاركين في مهرجان القاهرة للإعلام العربي. وعندما تواجهه بأمثلة عن التحقيق مع بعض اللبنانيين، الذين زاروا القاهرة أخيراً، يبتسم.
يُصرّ الرجل على أن مصر ليست طرفاً في الصراع الداخلي اللبناني، وأنها تدعم الحكومة اللبنانيّة كائناً من كان رئيسها، «حتى لو كان السيد حسن نصر الله». والموقف خلال أحداث 7 أيّار؟ يُجيب الدبلوماسي: «بحسب معلوماتي، فإن مصر ستدين حزب الله إذا ما استعمل سلاحه في الداخل مجدداً. وهي ستدينه إذا ما سبّب مشاكل داخليّة وخارجيّة للبنان».
يقول الدبلوماسي إن العلاقات بين مصر وحزب الله مقطوعة منذ حرب غزّة، يوم دعا السيد نصر الله الجيش المصري إلى الانتفاضة على قيادته السياسية، «فمصر ترى جيشها خطاً أحمر ممنوع الاقتراب منه لأي كان. على كلّ، حزب الله خسر جزءاً من شعبيّته في مصر، بسبب هذا الكلام لأن المصريين يُقدسون جيشهم».
على أي حال، في مرحلةٍ ما حصل تبادل رسائل غير مباشرة عبر وسطاء قريبين من الطرفين، وأُبلغ حزب الله بأن التحقيق مع المتهمين بالعمل لمصلحته سيتأجل عدّة مرات وهو ما حصل، كما نُقلت رسائل أكثر إيجابيّة، لكن شيئاً ما حصل قطع العلاقة مجدداً يقول الدبلوماسي.
وفي ملف التحقيق في ما بات يُطلق عليه اسم «خليّة حزب الله»، يجزم الرجل بأن الساسة المصريّين لن يتدخلوا في القرار القضائي، «ومن عليه أدلّة بحيازة سلاح فسيُدان بهذه التهمة، ومن عليه أدلة متعلّقة بتزوير فسيُدان بما تقتضيه هذه التهمة، وهكذا دواليك. والمؤكّد أيضاً أن بعض المتهمين سيبرّأون لعدم كفاية الدليل». وبعد الإدانة، هل سيصدر عفوٌ ما؟ قد يحصل الأمر من ضمن الإجراءات المصريّة وبالتعاون مع الجهات الرسميّة اللبنانيّة. كلام الدبلوماسي في هذه النقطة حذر جداً، «فأنا لست في وارد نقل رسائل إعلاميّة بين الطرفين».
الأخبار
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية