أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"ملكـةُ الـجـمال " اِسترقاق ٌ تحتَ الطـّلبْ.. يوسف الباز بلغيث


لا يميّزُ بينَ عالـمِنا اليومَ و عالـمِنا بالأمسِ سوى مساحيق ِحضارةٍ معاصرةٍ ،مشؤومةٍ ،آئلةٍ للتّفسّخِ و الانحطاطِ..قبل ٱنتشالِها من هذا الـمصيرالمُخزي ، الجالبِ للحسرةِ عليها من قِبَل ضمير حصيفٍ حيٍّ.و قد أصبحَ العالمُ قريةً صغيرةً ، نرى أنفسَنا فيها و نطّلعُ على أخبارنا دون عناءٍ ، و لا يكلّفنا ذلك غيرُ ضغطةِ زرٍّ ..و ما كان يحدثُ بالأمس يحدثُ اليومَ بنفسِ الطّريقةِ ، و لكن بقناع معاصر، و قد كثـُرتِ البرامجُ الهابطة ُبكثرةِ وغثِّ قنواتِها، و بات حُكمُناعلى قديمِنا – بالتّخلّفِ و الجاهليّةِ و الاستعبادِ – غيرَ متباينٍ عن ٱشْمئْزازنا من تصرّفاتِنا اليومَ. بل لمْ يصبحِ الفارقُ شاسعًا بين الحُكمين سوى ما طفـَا من ترتيبٍ جديدٍ لديكور البيت مع أنّ الأساسيّات بقيتْ كما هي..!

لعلَّ شغفًا ما أخذني بشغفٍ لألجَ الظّاهرةَ من زاويةٍ غير منظورةٍ من قبل،والتي يظنُّ الكثيرون منّا بأنـّها ( الاسترقاق ) قد ٱندثرتْ ، بل سيجزمُ البعضُ منّا بأنـّها غيرُ موجودةٍ البتّة َ، لاعتقادِهم أنّ ما يدخلُ في نطاق حُكمِنا عليها بما سبقَ لم تعدْ لِـمُقوّماتِ وُجُودهِ أيَّةُ جدوى . و قد باتَتْ مجرَّدَ حكايا تاريخيّةٍ ، تُرصّف إلى جملةِ خرافاتِ و شقاواتِ عقلِنا الـمُدَجَّجِ بالظّلام أيّامَها .فـ"سيداتُ الجمال" هُنَّ اللاّفتةُ الإشهاريّةُ الـمُمَيَّزةُ لهذه الظّاهرة ( الرّقّ المعاصر) ..كيف لا ؟ و هدفُ الرِّقِّ كان يتحكـَّم في وعي ومصير و قدُراتِ الـمُستَرَقِّ قديمًا ، و هي ما يحدثُ بالـمثل اليومَ ..و لكنّ الفارقَ قد عَدَلَ بنوعٍ من التّحايلِ و الذّكاءِ لجعْلِ الاسترقاقِ فنًّا ،لطلاّبِه ِ محضُ الإرادة في الاشتراكِ و التّنافّسِ بشروطٍ ُسابقةٍ تجعلهم مؤهلين لذلك، و قد حُملَ إلى ذهن الـمشاهد أنّها مثلُ باقي الـمسابقات الأخرى ،التي تستدعي رضَا دكاترةٍ مختصّين ، تقف التّقنيةُ و المهارةُ و المعلومةُ الموجّهة ُ تشريعًا بين أيديهم لهذا الفنّ المطلوب. ثمّ ألاَ ترى سبيلا للـمُستَرَقِّ للوصول إلى قمّة النّجاح ( تاج و لقب " ملكــة جـمال " العالـم أو العرب أو..) سوى تنفيذِ أوامراللّجنة ، تلك التي حلّتْ بدلاً من صاحبِ الغَانية أو القيْـنة ، و العالمُ الذي يشاهدُ و يسمعُ و يستمتعُ هو الـمشتري ؟!

لا يهُمُّني في هذه المقارنةِ تسليطُ الضّوءِ على الجانب الأخلاقيِّ من هذه المنافسة فالأمرُ جليٌّ بَيِّنٌ، إنّما سيكون منَ الواجبِ أنْ ننوِّهَ إلى أنّما يُساقُ إلى عالـمنا العربيِّ و الإسلاميِّ من هذه الحضارةِ الغربيّةِ الـموبُوءةِ قد دَسَّ في عقولِنا و قلوبِنا سببًا كافيًا لنعترفَ بشرعيّتِها ،بل حتّى تزكيّتها ، مادامتْ قد أصبحتْ – تحتَ رايةِ الإعلام الـمطبِّل لِحريَّةِ التّعبير– فنًّا، يَمُدُّ الحظَّ للاستثمار بهذا " العفن " و باسْمِ" الجمال " بحيث لا يكون في وسع الـمُسترِّقِّ أنْ يستحيَ بعد الآن.. و بمحض إرادته سيعرضُ جسدَهُ ومفاتنَه إلى العالم بدافع تمكينه من تثمين القُدراتِ الجماليّةِ فيه دون حرج، وقد ٱستعصى عليه بمفرده سبرُ مكامنِ الجمالِ الفريدِ ،و التي سيحتاج– دون شكٍّ ومن هذاالمنطلق - إلى مَنْ يُعرّفُهُ حدودَها و مداءاتها الخلاّقةَ ..و ذلك ما لم يلجأ إلى عارفٍ مُتخصِّصٍ يقدّرُ السّلعة َ و يحدّدُ السِّعر! - و قد صدق الشاعرُ " حافظ إبراهيم ":
أمّة ٌ قد فتَّ في ساعِدِها *** بُغضُها الأهلَ و حُبُّ الغُرَبَا

(94)    هل أعجبتك المقالة (113)

نبيل زين العابدين

2010-01-15

أستاذ يوسف موضوع في القمة و رؤية مغايرة طرحتها لفتق هذه القضية..شكرا لك أيها الديب الشاعرو شكرا للمجلة القديرة. محبتي.


أحمد وحيد صابر بورنان

2010-01-16

أكيد ، لقد بدأت الحرائر الغربيات في أن ترجع إلى وكرها - بيتها - إيمانا منها بأنها حين كانت تدعو للتبرج و الحرية أنها كانت على خطأ بينما نساؤنا اللواتي كن مبهرات بهن قد أصرين على اتباع خطاهن السابقات. الموضوع تعالجه بشكل مميز يا صديقي الغالي . سعدت بالقراءة و استمتعت بالبلاغة و الجمال. اخوك الملحن الجزائري أحمد وحيد صابر بورنان..


رياض

2010-01-26

يعتد البعض - نساءا و رجالا - ان الجمال هو المظهر ، لذلك يدمون أنفسهم لمثل هذه المنافسات ظنا منهم بأن هذا العمل هو " و اما بنعمة ربك فحدث "...يا سبحان الله. شكرا لقلمك النير ايها الأديب الشاعر رياض - تونسي مقيم بالجزائر.


التعليقات (3)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي