تشكلت منذ شهور عدة ما بات يعرف بحملة كرامة، التي تعنى بموضوع السفر وحرية الحركة للفلسطينيين سواء عبر الأراضي الفلسطينية بين المدن والقرى المختلفة، أو الحركة بين الضفة الغربية قطاع غزة، بالإضافة إلى السفر خلال المعابر المختلفة سواء كانت مع جمهورية مصر العربية أو المملكة الأردنية الهاشمية، ولما كان من غير الممكن تحقيق جميع هذه الأهداف مرة واحدة، فانه كان لا بد من التعامل معها بشكل متدرج، وقد كان التركيز ولا زال بداية على موضوع السفر عبر الجسور إلى الأردن، حيث يلاقي المواطن الفلسطيني خلال عملية التنقل بين ضفتي النهر أصنافا من الهوان والإذلال تحت حجج ومسميات وأسباب مختلفة تتلخص في مجملها في الموضوع الأمني، هذا فيما يتعلق بجانب دولة الاحتلال، أما فيما يتعلق بالجانبين الفلسطيني والأردني فالوضع يبدو مختلفا بعض الشيء.
لقد عمل أعضاء هذه الحملة بجد ونشاط خلال تلك الفترة، وكان أن استطاع هؤلاء جمع آلاف التواقيع على عرائض من اجل المطالبة بتمكين أبناء الشعب الفلسطيني بغض النظر عن انتمائهم، أن يسافروا عبر الجسور ومعبر الكرامة بشيء فيه الحد الأدنى من الكرامة، كما وتطالب الحملة بتوحيد المعابر مع قاعات المغادرين في أريحا حيث تحولت المعابر إلى مظهر من مظاهر الفساد والواسطة والمحسوبية بشكل قبيح معلن، ويمكن لكل عاثر يفرض عليه السفر عبر استراحة أريحا، أن يشاهد طوابير الفاسدين والمفسدين، الذين يقفون في انتظار الحافلات التي تأتي بالمواطنين قليلي الحيلة، والذين ليس لديهم "واسطات ومحسوبيات" من قاعة الانتظار، ليقفز هؤلاء الذين ينتظرون في المعابر إليها بطريقة فيها الكثير من الرعونة وعدم الاهتمام بالآخر.
قام أعضاء الحملة بالاتصال بالعديد من المسؤولين، كما وعقدت لقاءات مع عدد من هؤلاء ومن بينهم وزير الاقتصاد السابق، إلا انه يمكن ملاحظة أن الاستجابة الرسمية لمطالب الحملة التي هي في واقع الحال مطلب كل مواطن، لم ترتق إلى ما نسمعه يوميا من رئيس الوزراء وغيره عن مكافحة الفساد والإثراء غير المشروع والشفافية وبناء الدولة الديمقراطية الحديثة خلال سنتين.
الغريب في الأمر اننا نرى السيد سلام فياض وهو يتنقل بين مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية، ليحتفل مع أبناء المناطق التي يقوم بزيارتها، في افتتاح مشروع هنا ومضخة مياه هناك، ويركض مع الراكضين ويقبل الأطفال والشيوخ في أماكن عديدة، ونحن إذ نرحب بذلك إلا اننا نعتقد بان هذه المشاريع برغم حيويتها إلا أنها تخدم فئة أو عددا محدودا من الناس حتى لو كان هؤلاء بالآلاف، فيما لم نر السيد فياض يقوم بزيارة واحدة للمعابر وقاعة السفر في أريحا، التي هي في الحقيقة المعبر الوحيد لكل أبناء الضفة الغربية أي لم يزيد عن المليونين من الناس، وهنا لا بد من التساؤل، لماذا هذا الإهمال لهذا الموضوع الذي هو بحد ذاته مشكلة يعاني منها أبناء فلسطين على مدار 40 عاما من الاحتلال.
رفع الشعارات عن احترام إرادة وكرامة الناس لا يكفي، وان لم يكن ذلك مقرونا بخطوات فعلية على الأرض فهو يبقى "كلام في كلام" وتصبح الزيارات التي يتم تصوير كل مفرداتها وتفاصيلها وعرضها عبر وسائل الإعلام المختلفة، مجرد "دعاية انتخابية" وترويج للذات غير مقبول لا من رئيس الوزراء ولا من سواه.
لقد طالبنا في حملة كرامة أن يتفضل جميع المسؤولين الفلسطينيين بالسفر عبر استراحة أريحا لمرة واحدة "يا حبذا لو كن ذلك في فصل الصيف"،من اجل أن يطلع هؤلاء على معاناة الناس بشكل حقيقي، وحتى يكتووا بقليل من طرق التنكيل والمهانة التي تتم على المعابر الفلسطينية والإسرائيلية والأردنية، كما طالبنا بدمج المعابر التي أصبحت رمزا للفساد بقاعة المسافرين، وقيل لنا في احد البرامج الإذاعية بان قرار الدمج صدر، إلا أن شيئا من هذا لم يحدث، وهذا ما يدفع الجميع إلى التساؤل، هل ما يتعرض له الإنسان الفلسطيني من إذلال ومهانة خلال سفره لا يعلم به السيد فياض وسواه.
عدم استجابة السلطة والحكومة لمطالب الناس، وعدم العمل على تسهيل سفر هؤلاء يقف حائلا دون الاتصال بجهات أخرى عديدة ليس اقلها السفير الأردني الذي يرفض لقاء أي من أعضاء الحملة،لا بل هو يرفض مجرد الرد على الهواتف العديدة التي يقوم بها أعضاء الحملة، ونحن هنا لن نستطيع توجيه اللوم للسفير الأردني لأنه يعلم يقينا بان أحدا من المسؤولين في حكومة فياض لا يحرك ساكنا، وهو لن يكون فلسطينيا أكثر من الفلسطينيين في هذا الشأن، كما انه ليس مطلوبا منه أن يكون كذلك.
الإذلال والمهانة لا تنتهي فقط عند المعابر والاستراحة، وكل ما يجري فيهما وما بين الجسرين وفي قاعات الجانب الإسرائيلي أو تأخير الحافلات بدون مبرر سوى الإذلال, وإنما يمتد إلى الرسوم الباهظة والمختلفة التي يدفعها المواطن الفلسطيني خلال سفره وعودته، فهو يدفع للجانب الفلسطيني وللشركات الناقلة ولبلدية أريحا ورسوم ضريبة المغادرة، وعلى الجانب الأردني أيضا. إن مجرد التفكير بالسفر يعني أن عليك أن تدفع مبلغا طائلا، فقط لكي تصل إلى العاصمة الأردنية. هذه التفاصيل التي يعلمها أي فلسطيني، وكل فلسطيني، لا بد من أن يتوقف احد ما في الحكومة ليقول كلمة حق فيها، لأنها مجحفة وغير عادلة ولا يجوز أن تستمر.
مطالب الحملة لا تتوقف عند ما تم طرحه، وهي على أي حال ليست مطالب شخصية أو فئوية، بل هي تطمح أن يتم الانتقال من مراكز المدن الفلسطينية إلى الأردن بشكل مباشر وضمن حافلة واحدة فقط، ودون الاضطرار للانتقال إلى عدة حافلات والتوقف المستمر على الحواجز المتعددة التي تفضل مابين استراحة أريحا وقاعات الجسور الإسرائيلية ومن بعدها الأردنية.
كل من يتم الحديث معه في هذا الشأن، يؤكد على ضرورة التوقف عن كل هذه الإجراءات، والبعض من المسؤولين يعتقد بان مجرد لقاؤه بأعضاء الحملة أو الرد على هواتفهم يعتبر انجازا أو دليلا على التعاون، وهنا نقول إن هذا لا يخدع أحدا، لان المطلوب هو أفعال وليس تبادل للابتسامات أو التحيات والمجاملات.
المواطن الفلسطيني أيضا مطلوب منه التحرك باتجاه دعم الحملة التي هي في الواقع تستهدفه هو وجميع أفراد عائلته، خلال طرحي للموضوع في جلسة ما، قيل لي بان هذه الحملة يجب أن تتوقف، سالت لماذا؟، قيل لي بان الفلسطيني لا بد له من المعاناة وإلا سيصبح الاحتلال بدون معنى!!! لم يكن لي إلا أن أرد بأن هذا ليس سوى جزء من العملية النضالية، وانه شكل آخر من أشكال لنضال "السلمي" الذي صار الكل ينظر له هذه الأيام.
الشعب الفلسطيني بحسب ما نرى بحاجة إلى السفر بحرية وبكرامة وبدون إذلال أو مهانة، وعلى كل من يرفع شعارات الحرية والشفافية والديمقراطية والكرامة أن يتعامل مع هذه المسالة بشيء من المسؤولية والكرامة.
30-12-2009
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية