أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عن مطالبة نادين البدير بتعدد الأزواج ... مازن كم الماز

لا شك أن مقالة نادين البدير التي طالبت فيها بحق المرأة في الزواج من أربعة أزواج أسوة بالرجل مثيرة جدا , على غير عادة الإثارة المطلوبة إن لم تكن مزعجة بإثارتها هذه , للأكثرية الساحقة , رجالا و نساءا .

لا تتوقف الإثارة عند حدود الطرح ذاته الذي رد عليه الكثيرون بطريقة تقليدية جدا عندما اكتفوا باتهام الكاتبة بما شاؤوا من تهم "أخلاقية" ( كما فعل أحد كبار الشعراء و لعله النابغة مع الخنساء عندما جادلها في إحدى أسواق العرب الشعرية في الجاهلية ) لينهوا القضية عند هذه النقطة كما قد يخيل لهم , المشكلة هي في منطق الطلب نفسه , الذي يقوم على فكرة بسيطة جدا لدرجة البداهة , أي فكرة المساواة بين البشر لأنهم بشر , فالمرأة هنا تطالب أن تعامل كإنسان كامل الأهلية أي كالرجل , و هذا يختلف تماما عن أشكال الأدب الجنسي الذكوري الذي اعتدنا عليه , و اعتاد عليه أولئك الذين سارعوا لاتهام الكاتبة قبل غيرهم , ذلك الأدب الذي يعرض المرأة كوسيلة أو كأداة لشهوة الرجل أو إشباع رغبته الجنسية .

المرأة هنا تقف ككائن إنساني يساوي الرجل أو يشبهه على الأقل في أنه مجموعة رغبات و أحاسيس و من بينها الرغبة في التعامل على قدم المساواة مع الآخرين , كجزء أصيل من الحياة نفسها كما هو الرجل . لكن طلب المساواة هذا يصفع الذكور كجنس مهيمن تقوم سطوته على مزاعم التفوق المفترضة . استطراد ضروري هنا , كانت المرأة ذات يوم و على نفس أرضنا هذه التي يهيمن عليها الذكور اليوم هي الجنس المهيمن , لا أعرف بالتفصيل كيف تصرفت يومها لكن من المؤكد أن الحياة تطورت باتجاه الأمام الذي اشترط للأسف تبادل مواقع الهيمنة بينها و بين الرجل , كانت هي الأصل أو نقطة تجميع الأسرة يومها , و أنه ذات يوم انتهى رجل مثل مزدك إلى أن بناء مجتمع إنساني قائم على تعاون أفراده و سعادتهم جميعا لا يمكن أن يتم دون التخلص من هيمنة جنس على آخر أو طبقة على أخرى فدعا للتشارك في النساء و المال , و أن آخرين كبابك الخرمي أعادوا إحياء دعوته تلك مرارا و تكرارا و لذات السبب تحديدا . هذا لم يدمر البشرية رغم أن دمر دون شك سيطرة جنس على آخر , طبقة على أخرى .

يجب في الحقيقة على الذكور الذين يرفضون منطق المساواة بين البشر لصالح هيمنة جنسهم بالذات أن يفكروا في أسباب أكثر وجاهة لفرض هيمنتهم على الجنس الآخر من اتهام الكاتبة بالوقاحة أو الخطيئة الأخلاقية .

فالأخلاق كما أي شيء آخر , ككل المؤسسات و التابوهات السائدة , هي أساسا من وضع القوى المهيمنة و تحديدا لصالحها , هذا لا يمنحها طابعا فوق إنساني , على العكس تماما , هذا يجعلها معادية للإنسان بمعنى تحقق حريته و ذاته .

إن منظومة القمع الجنسي التابعة للجنس السائد مارست و تمارس عملها استنادا إلى قيم أخلاقية متغيرة , لكن ليس من بينها أبدا تلك القيم التي تعزز هيمنة القوى السائدة , الصدق مثلا يمارس واقعيا بشكل نفاق و تملق أخلاقي و اجتماعي لصالح القوي , و في نهاية المطاف يستبدل كل شيء , كل تلك القيم و المنظومات الأخلاقية , بنتاج واقعي للصراع بين البشر و رغباتهم و ذواتهم الواعية و غير الواعية مع الأنا الأعلى للطبقة و الجنس السائدين , عادة ما يعني هذا سيطرة ممارسات انتهازية سرية لتحقيق جزء من هذه الرغبات بعيدا عن تابوهات المجتمع و القوى المهيمنة فيه لكنها تحافظ على الصورة المتوازنة للأنا الأعلى الآمر و تابوهاته و كأنها واقعية فعلا .

 الكلام واضح جدا إذن , بسيط جدا , نحن أمام خياران :المساواة أو الهيمنة , المساواة لا تعني بالضرورة تعدد الأزواج في حقيقة الأمر إلا إذا أصر الرجل - الذكر - السيد على تعدد الزوجات كشرط ضروري لا بد منه للإبقاء على هيمنته على الآخر , و لا بقاء الاسرة بشكلها الحالي بالضرورة , فهذا شأن الجدل المؤجل بين بشر أحرار و متساوين

(92)    هل أعجبتك المقالة (87)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي