أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

كاتب ياسين .. الثوري المتمرد .. صاحب رواية " نجمة" ... محمد عبده العباسي

في يوم الثامن والعشرين من أكتوبر من العام 1989م ، توقف تماماً النبض في قلب الأديب الجزائري كاتب ياسين الذي عرفته الأوساط العربية الأدبية بروايته الرائعة " نجمة " التي كتبها وهو في سن الثامنة والعشرين ..
مات كاتب ياسين في ذلك اليوم البارد البعيد وحيداً في إحدي مستشفيات مدينة " غرنيوبل " الفرنسية عن عمر يناهز الستين ودفن في موطنه الجزائر .
في العام 1956م أصدر كاتب ياسين روايته " نجمة" والتي كتب عنها الروائي الشهير واسيني الأعرج أن " نجمة هي رواية تأريخ ورصد للكفاح الجزائري وقبل أن تصبح رواية لملمها كاتب ياسين من شعره ، حيث كانت في السابق قصيدة تحمل عنوان نجمة والسكين ، وجعل منها نصاً متكاملاً حمل الكثير من التفاصيل السردية ودمجها في رواية فصارت أكثر حميمية ".
حقاً وكما يقول واسيني الأعرج عن رواية نجمة " هي الحب الطفولي المستحيل وهي الجزائر في معركتها من أجل الوجود والإستمرار وهي أيضاً البحث المستميت عن المعني الغائب والضائع وهي الحاضر والماضي والمستقبل مجتمعين في عدم انتظامهم وتعقدهم ، وهي المرأة الوطن التي تلتصق بالجلد عندما نريد أن نتخلص منها ، وربما أكثر من ذلك كله هي الإصرار علي الحياة في قلب الحرب القاسية ووسط المستحيلات الكبيرة ..
كاتب ياسين هذا المبدع الذي أتقن حرفية الكتابة وعالج في روايته " محمد .. احمل حقيبتك" مشكلة هجرة الجزائريين إلي فرنسا ضاعف من جهده وناضل بكتاباته ، كتب أيضاً للمسرح فقدم مسرحية " الأسلاف يضاعفون ضراوتهم " رصد فيها كفاح الشعب الجزائري ضد الإستعمار الفرنسي ..
كان كاتب ياسين نبراساً لأجيال من الكتاب جاءوا من بعده وحملوا الراية علي نفس الدرب ، ظل طاقة متقدة ومنيرة تنير لهم في درب الكتابة .
ولد كاتب ياسين في يوم السادس من أغسطس عام 1929م لأسرة جزائرية ثقافتها فرنسية ، بأحد أحياء مدينة قسنطينة التي تقع شرقي البلاد ، عاش طفولته الأولي يعاني ويكابد ككل الشعب الجزائري البطل من نير الإحتلال ، وحين شب عن الطوق تلقي تعليمه في المدرسة القرآنية وانتقل بعدها إلي المدرسة الفرنسية حتي العام 1948م ، ورأي بعينيه الجزائر وهي تهب وتنتفض ضد الفظائع التي يرتكبها المحتل الغاصب في مدينة سطيف ، فلم يجد سبيلاً سوي الإنخراط في صفوف الشبيبة الجزائري وهو في سن السادسة عشرة ، فتم سجنه عقب مشاركته في المظاهرات التي وقعت في العام 1945 م ، ومن وراء قضبان السجن تفتق ذهنه مبكراً فتوهج إبداعه في هذه السن الباكرة وانبثق من روحه الوثابة ديوانه الشعري الأول " مناجاة" ، بعدها قر قراره بأن يسخر قلمه لمناهضة الإحتلال وللدفاع عن ثري الوطن الغالي.
كان العام 1948 م موعداً لدخوله عالم الصحافة حين نشرت كتاباته في جريدة الجمهورية التي أسسها صديقه الأثير " البير كامو " ثم انضم للحزب الشيوعي الجزائري وسافر إلي الإتحاد السوفيتي ثم عرج منه إلي فرنسا في العام 1945 ..
لم يكف كاتب ياسين عن أن يظل مقاوماً حتي الرمق الأخير ، كان كاتب ياسين نحيل القامة ، يخطوه في تؤدة كخطو المعتد الواثق ، علي وجهه ترتسم ملامح قوية تليق برجل مقاوم لم تلن له قناة مهما تحدته الظروف ، شفتاه اصطبغا بلون التبغ الذي لم يكف عن تدخينه أو امتصاص رحيقه ..
ولكن المغاوير الأبطال وإن لم يكونوا عمالقة في أجسادهم إلا أنهم يطاولون السحاب بقاماتهم ، ويعانقون المجد بكفاحهم ..
كتب أعماله باللغة الفرنسية ، لكنه لم ينس يوماً عروبته ، وكتب بالفرنسية سعياً وراء هدف ، فقد شكل كاتب ياسين أكبر حائط صد أمام " فرنسة الجزائر" ، كانت أوردته مشحونة بطاقات وطنية هائلة ، ويمتلك من الشجاعة قدراً لا يكف عن التوهج في شرايينه ..
ولأن المقاوم والبطل يرتفع دوماً فوق جراحه مهما أثخنته ، ولأنه لا يسقط سريعاً في حومة الميدان مهما نالت منه ، إلا أن المرض العضال تسلل إلي جسده خفية ، وحين شعر به يتمدد في أوصاله ويغزو بدنه النحيل كان يزداد عزيمة وإصراراً بل وازداد تشبثاً بالحياة في تحدٍ وكأنه يسابقه في ماراثون الحياة ..
رفع كاتب ياسين راية الكتابة في التيار الأدب الطليعي والإنساني وضفر من كلماته جدائل يلفها الحنين والتوق إلي الحرية ، فراح يزرع سهوب الجزائر ووديانها بأحلام كبار ، ورصد في ابداعاته أحلام البسطاء والمهمشين سواء في رواياته أو مسرحياته ..
كان كاتب ياسين مدافعاً بالكلمة فكانت كالنصل الذي جابه به كل من وقف عائقاً في سبيل تقدم الوطن ورقيه ..
فكانت كتاباته كالبوتقة التي صهر فيها روحه فأدت إلي تأجج روح الثورة في النفوس وألهبت المشاعر وسعت لتطهير الوطن من دنس المحتل الذي ظل جاثماً فوق أرضه مائة وثلاثين عاماً .
وظل صاحب القلم يسيل مداده مضمخاً بعبق الكلمات ، يرتفع راية للتمرد مناضلاً من أجل مواقفه الفكرية والأدبية وراح يحارب الفلول التي تسللت ذات ليل مدعية انتمائها للحركة الأدبية وأخذ يكشفها أمام الرأي العام .
قدم كاتب ياسين خلال رحلة حياته الكثير من الأعمال الإبداعية منها " نجمة 1956 ـ الجثة المطوقة 1959 ـ دائرة الإنتقام ـ الأسلاف يضاعفون ضراوتهم ـ شارع النساء ـ المرصع بالنجوم ـ محمد .. احمل حقيبتك" .
وفي عالم المسرح كتب " الرجل ذو النعلين من الكاوتشوك ، رصد فيها كفاح الشعب الفيتنامي البطل ضد الصلف الأمريكي ، حرب الألفي يوم ـ ملك المغرب ، وغيرها ".
كما كتب عن كفاح الشعب الفلسطيني رواية " فلسطين التي خانوها".
وكان كاتب ياسين قد شد الرحال إلي فيتنام ليرصد عن كثب تجربة النضال ، كما سافر إلي جنوب لبنان ليسجل كفاح الشعب الفلسطيني ..
وفي ذكري رحيله لابد لنا من أن نقدم للأجيال العربية الصاعدة أعمال كاتب ياسين الإبداعية ، ولنذكر دوره الإنساني وسط هذا الركام الهائل الذي يغلف ذاكرتنا ، ويكفي ماتداهمنا به سنابك الخيل المطهمة التي تحاول أن تدهس صورنا المخلصة دونما هوادة أو لين ..
ـــــــــــــــــــــ

(143)    هل أعجبتك المقالة (116)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي