رحلت المناضلة العراقية "يسرى سعيد ثابت" جراء إصابتها بجلطة رئوية يوم الجمعة الماضي، تاركة تاريخياً نضالياً مشهوداً له وبصمات خالدة في تاريخ الحركة الوطنية العراقية.
وكانت المرأة العراقية الوحيدة التي مثُلت أمام محكمة "المهداوي" في تهمة التخطيط لمحاولة اغتيال "عبد الكريم قاسم" الذي كان يشغل منصب رئيس وزراء العراق عام 1959 قبل أن تفشل المحاولة ويزج بها في السجن وتحاكم فيما بعد.
وروت "هديل المرعي" لـ"زمان الوصل" أن أمها المولودة في مدينة "الموصل" عام 1937 لأب عراقي هو المناضل الحاج "سعيد ثابت" المعروف بنضاله ضد الاحتلال الإنكليزي وبجهوده من أجل القضية الفلسطينية، وهو من أسس لجنة الإنقاذ الفلسطيني وأمها "نبيهة مريود" شقيقة المجاهد الشهيد "أحمد مريود" من "جباتا الخشب"، الذي ناضل ضد الاحتلال الفرنسي لسوريا، ودرست الراحلة المرحلة الابتدائية في "الموصل"، ثم انتقلت مع عائلتها لتعيش في بغداد، وبعد حصولها على الثانوية العامة دخلت فرع الاقتصاد بجامعة بغداد وتعرفت على زوجها فيما بعد "حميد مرعي" وهو سوري الأصل وكان طالباً في الكلية ذاتها.
وأضافت محدثتنا أن والدتها انخرطت في النضال السياسي وتنظيم المظاهرات ضد العهد الملكي وأثناء تعرض مصر للعدوان الثلاثي عام 1956 وكانت مع زوجها في أوائل صفوف المتظاهرين.
وأضافت أن "عبد الكريم قاسم" كان حينها متعاوناً مع الشيوعيين والمد الشعوبي وقام بإعدام خيرة ضباط العراق الأحرار كالطبقشلي ورفعت الحاج سري، وارتكب في الموصل مجزرة سميت بـ"قطار الموت" التي ذهب ضحيتها العشرات من أهل الموصل ومنهم أفراد من عائلتها، وبدأ عدد من الشبان ومنهم "يسرى ثابت" وشقيقها "إياد ثابت" وزوجها "حميد مرعي" بحراك سياسي سري ضده لقناعتهم بأن ثورة العراق 1958 انجرفت إلى اتجاه خاطىء، ولفتت ابنة الراحلة إلى أن توجه والدتها القومي كان نتيجة انتمائها لبيئة وطنية بامتياز، فوالدتها هي أخت الثائر السوري الشهيد "أحمد مريود" ووالدها "سعيد ثابت"، وهو مناضل عربي معروف، وكان نائباً في برلمان العهد الملكي، ولكنه لعب أدوراً وطنية مشهوداً لها، وكانت الراحلة يسرى تقول -بحسب ابنتها- أنها لم تكن تتدخل أو تخرج في مظاهرات بداية حياتها بل تطمح لدخول الجامعة نظراً لقلة من كن يدرسن في الجامعات من الفتيات آنذاك، وبعد التحاقها بالجامعة قررت أن تشارك في النشاط السياسي من أجل بلدها وقضاياها وهذا ما كان.
وتدخل زوج الراحلة المناضل "حميد مرعي" في الحديث ليروي لـ"زمان الوصل" أن "عبد الكريم القاسم" أفلت الشيوعيين والشعوبيين ليسحقوا كل توجه قومي عربي في العراق فترة حكمه، فكانوا –كما يقول- يسحلون من يشتبه بانتمائه القومي في الشوارع وقرر معارضوه الدفاع عن النفس ومحاولة اغتياله، وكانت كلية الآداب تسمى "قلعة البعثيين" آنذاك رغم قلة البعثيين فيها، ولكن نظراً للنشاط السياسي الزاخم فيها.
وأضاف محدثنا أن زوجته الراحلة كانت مسؤولة النساء في هذا النشاط وأردف أن بدايات التخطيط لإغتيال قاسم كانت على يد العقيد الركن "عبد الوهاب الشواف" في "الموصل"، وحينها قرر الحزب الشيوعي بقيادة "القاسم" استئصال البعثيين من كل مكان في العراق.
بعد محاولة "الشواف" اختفى غالبية البعثيين وبعضهم لاذوا بالصمت في تلك المرحلة، واختارت مجموعة الحزب بيتاً منعزلاً في إحدى ضواحي بغداد للاجتماع، ولكن أحد ممن تم إلقاء القبض عليهم أعترف تحت التعذيب بمكان المنزل، فتم إلقاء القبض على "مرعي"، وزوجته وتم تعذيبهم أمام بعض -كما يقول- بأقسى أنواع التعذيب.
وروت "هديل مرعي" نقلاً عن والدتها أن عناصر التحقيق كانوا يطفئون السجائر في أنحاء مختلفة من جسدها ويقومون بضربها بشكل مبرح وقاموا بتكسير قدميها وقلعوا أظفارها قبل أن يتم الإفراج عنها.
بعد ذلك قررت القيادة القطرية اغتيال "عبد الكريم قاسم" وكلفت مجموعة من البعثيين بالتخطيط لعملية الاغتيال ومنهم "يسرى ثابت" وشقيقها "إياد"، وآخرين منهم "صدام حسين" لتنفيذ المحاولة التي لم تنجح إذ أصيب "قاسم" في يده، ولكنه لم يمت، وتم إلقاء القبض على "يسرى ثابت" وعرضها مع باقي المجموعة على محكمة "المهداوي".
وأظهرت -حسب المصدر- رباطة جأش وصلابة، وجرأة أبهرت العالم في قدرتها العالية وثقافتها الوطنية الراقية، عندما كانت تواجه أسئلة المحكمة برد جريء وحازم ليتم الحكم عليها بالسجن، فيما حوكم البقية بالإعدام وهم والدها "حميد مرعي" وخالها "إياد سعيد ثابت" و"علي الصالح" و"أحمد السامرائي" و"سليم الزيبك" و"سمير النجم".
وتابعت ابنة الراحلة أن المحكمة وجدت أعذاراً تخفيفية لوالدتها فتم الإفراج عنها بعد عام من اعتقالها وقررت أن تستأنف دراستها في الجامعة، حيث كانت تذهب إليها على عكاكيز لأن قدميها كانا مكسورين جراء التعذيب، وروت أن الشيوعيين في الجامعة كانوا يستقبلون والدتها بالشتائم والإهانات ويضربونها بالحجارة، ولكنها تمكنت من إكمال دراستها ونيل الشهادة.
وقضى زوجها "حميد مرعي" سنتين ونصف في السجن قبل أن يعفو عبد الكريم "قاسم" وعن رفاقه في أحد خطاباته بسبب ضغط الشارع العربي والإعلام وبخاصة إذاعة صوت العرب في القاهرة، ونزولاً عند نصائح مخابراته التي حذرته من حدوث انقلاب عليه إذا أعدمهم بسبب غليان الشارع العراقي بعد إعدام الضباط على خلفية حركة الشواف، وبعد الإفراج عنه تم استبعاده إلى سوريا والتحقت به زوجته إلى هناك حيث عاشا فيها إلى ما قبل 4 سنوات حيث اضطرا للانتقال إلى الجزائر بسبب عمل زوجها وهناك توفيت "يسرى ثابت" الجمعة الماضية جراء إصابتها بجلطة رئوية.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية