أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حول مشروع كونفدرالية الأراضي المقدسة .. أ.د. محمد اسحق الريفي


لا تبحث الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون عن حل للقضية الفلسطينية يعيد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ويمكنه من تقرير مصيره على تراب وطنه فلسطين، وإنما تسعى لدمج الكيان الصهيوني في منطقتنا العربية والبحث عن حلول للأزمة الناجمة عن الاحتلال الصهيوني؛ لتتمكن من إنجاز مشروعها "الشرق الأوسط الكبير"، وأحد هذه الحلول المشروع الأمريكي "كونفدرالية الأرضي المقدسة" الذي نشرت "القدس العربي" بعض تفاصيله.

يتضمن المشروع إقامة اتحاد كونفدرالي بين الكيان الصهيوني والأردن والدولة الفلسطينية المستقبلية، بحيث يدير هذا الاتحاد أربع هيئات عليا على الأقل، وهي الهيئة العليا لإدامة الكونفدرالية ومراقبة الالتزام ببنودها، والهيئة العليا للتنسيق الاقتصادي، والهيئة العليا للأمن الثلاثي، وهيئة التمثيل الدبلوماسي. ويتضمن مشروع الكونفدرالية أيضاً مشاريع اقتصادية وتنموية مشتركة تؤدي إلى إقامة اقتصاد كلي بين أعضاء الاتحاد إضافة إلى فتح الحدود أمام الصهاينة المغتصبين لفلسطين للوصول إلى الأردن والدولة الفلسطينية!

المشروع الأمريكي من حيث الجوهر ليس جديداً، فهو يتضمن تدويل القدس، والتعايش السلمي بين الكيان الصهيوني والعرب، والتطبيع الكامل بينهما، وإقامة سلام اقتصادي؛ بدلاً من إقامة دولة فلسطينية مستقلة. يهدف هذا المشروع إلى إيجاد مبررات لإنهاء مقاومة الشعب الفلسطيني وتخليص المنطقة العربية من حركات المقاومة وتيارات الممانعة وإلى تعزيز النفوذ الأمريكي في منطقتنا العربية؛ لتصبح لقمة سائغة للأمريكيين والصهاينة...

كما يهدف هذا الطرح الرخيص إلى حل قضية اللاجئين الفلسطينيين عبر توطينهم في الأردن، وتمكين الكيان الصهيوني من إقامة دولة يهودية، وتقسيم المسجد الأقصى زمنياً ومكانياً بين المسلمين واليهود. ويهدف أيضاً إلى تطوير التنسيق والتعاون الأمني والعسكري بين الأجهزة الفلسطينية والأجهزة الصهيونية إلى إطار أمني وعسكري إقليمي تشارك فيه الأردن، ليطبق الخناق على الشعب الفلسطيني ويحول دون وصول السلاح إلى المقاومة؛ عبر تدويل المعابر والحدود الجوية والبرية والبحرية، وليحمي حدود الدولة اليهودية ويجرد الشعب الفلسطيني من أي عناصر للقوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية، ويقضي على المقاومة تماماً...

تطرح الولايات المتحدة هذا الطرح العدواني في الوقت الذي تفرض على الحكومة المصرية إقامة جدار فولاذي يخنق غزة ويعزلها تماماً عن العالم، ويزيدها بؤساً وفقراً، ويحول دون إعادة إعمارها ونموها الطبيعي، وفي الوقت الذي تشترك الولايات المتحدة مع فرنسا في إحكام الحصار على غزة ومراقبتها عبر الأقمار الصناعية، وفي الوقت الذي تسابق الآلة الصهيونية الزمن لطمس الهوية العربية والإسلامية للقدس وتهويدها وطرد أهلها المسلمين منها...

إذاً المقصود هو دمج الكيان الصهيوني في منطقتنا العربية وإنجاز ما عجزت الولايات المتحدة عن إنجازه عبر حروبها على العراق وأفغانستان، ليتمكن الكيان الصهيوني السرطاني من الاستمرار في أداء دوره الاستعماري واستنزاف العرب والسيطرة على ثرواتهم واستغلالهم أبشع استغلال في خدمة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. فهل نتوقع من الأمريكيين والبريطانيين الملطخة أياديهم النجسة بدماء المسلمين في العراق وأفغانستان غير تصفية القضية الفلسطينية لصالح العدو الصهيوني؟ هل يهمهم مصلحة الشعب الفلسطيني أم أنهم يريدون تمهيد منطقتنا لمشروع الشرق الأوسط الكبير!

بالتأكيد هناك طابور خامس يروج مثل هذه الحلول الرخيصة والمشاريع العدوانية؛ بذريعة أن مساحة الأرض لا تتسع لثلاث دول، وأن الاندماج بين فلسطين والأردن أمر لا بد منه، وأن الرخاء سيعم المنطقة! وإذا كان اندماج الشعبين الأردني والفلسطيني في دولة واحدة له ما يبرره، فكيف يبرر هؤلاء المنافقون والبراغماتيون الانهزاميون والخونة المرجفون دمج الصهاينة مع الشعبين الأردني والفلسطيني وتحويل الأردن إلى وطن بديل للفلسطينيين!

إن هذا الطرح الصهيوصليبي مرفوض تماماً، لأنه لا يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المسلوبة وأرضه المغتصبة، ولأنه يعطي للصهاينة ما لا يستحقون ويمنحهم شرعية على أرض عربية اغتصبوها بالقوة وعلى مقدسات إسلامية خالصة، ولأنه يؤدي إلى تكريس الاستبداد العربي والتبعية العربية للولايات المتحدة وإلى قتل الطموحات العربية بالوحدة والنهضة، ولأنه يساعد الصهاينة على تحقيق حلمهم بإقامة (إسرائيل) الكبرى!

20/12/2009

(74)    هل أعجبتك المقالة (82)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي