أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

دعونا نتفائل ... بلال حسن التل

أعرف تماماً بأن الأردنيين يعيشون منذ سنوات حالة من الإحباط والتشاؤم، جعلتهم غير مكترثين حتى بما يجري في بلدهم؛ خاصة على صعيد تشكيل الحكومات، أو رحيلها على قاعدة «الجاي أخو الرايح». وقد ساهم الإعلام المنفلت من عقاله، والفاقد للكثير من قواعد المهنية والإنضباط بمعايير المصلحة الوطنية في إشاعة أجواء التشاؤم والإحباط، خاصة عندما أخذ هذا الاعلام بالتركيز على السلبيات والثغرات والعثرات وتكبيرها وتضخيمها، بل وأختراعها أحياناً، مع تجاهل شبه تام للإنجازات الوطنية، حتى صار المتابع للإعلام في الأردن يظن أننا في واحدة من جمهوريات الموز التي لا تحكمها قواعد المنطق. وهذه كلها ساهمت في تكريس حالة التشاؤم والإحباط التي يعيشها الأردنيون، والتي ندعوهم للخروج منها واستقبال الحكومة الجديدة بشيء من الأمل والتفاؤل على قاعدة «تفاءلوا بالخير تجدوه» أولاً، ولأن التفاؤل يشجع على العمل، ويريح الأعصاب، ويساعد على التفكير المنظم، ويمنع التشتت وهذه كلها ضرورات يحتاجها الفريق الوزاري الجديد وهو يباشر عمله.
غير قاعدة «تفاءلوا بالخير تجدوه» فإن هناك أسباباً أخرى تجعلنا ندعو للتفاؤل؛ منها: أن بلدنا هو بلد المفاجآت غير المتوقعة. من ذلك على سبيل المثال ان الديموقراطية في بلدنا ولدت وترعرعت على يد العسكريين والمحافظين، لا على أيدي الحزبيين والليبراليين. فدولة السيد أحمد عبيدات القادم إلى رأس هرم السلطة التنفيذية من على رأس هرم الجهاز الأمني في بلدنا، هو من أجرى انتخابات برلمانية فرعية شهد لها الجميع بالنزاهة. وهو الذي صار وما زال رمزاً للدفاع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان. ومثله كان سمو الأمير المغفور له بإذن الله زيد بن شاكر القادم أيضاً إلى رأس السلطة التنفيذية من على رأس هرم قواتنا المسلحة، هو الذي أشرف على إجراء أكثر الانتخابات نزاهة وتجرداً عام 1989. وهي الانتخابات التي أفرزت أقوى المجالس النيابية في تاريخ الأردن، وأكثرها تمثيلاً لإرادة الأردنيين، ومثلهما وقبلهما كان دولة الرئيس مضر بدران القادم أيضاً إلى رأس السلطة التنفيذية من على رأس مؤسستنا الأمنية نموذجاً في الحفاظ على الديموقراطية. فما زلنا نذكر قوة أعصابه وجلده وتحمله لأطول وأقسى جلسة ثقة لحكومة أردنية، عندما تقدم دولته لنيل ثقة برلمان 1989م لأول حكومة تُشكل بعد عودة الحياة النيابية لبلدنا حيث تحمل دولته أثناء جلسة الثقة حتى التجريح الشخصي حرصاً على نجاح التجربة الديموقراطية.
فوق أن أصحاب الدولة الثلاثة القادمين من المؤسسة العسكرية كانوا حريصين على الديموقراطية، ونزاهة الحكم، فقد أمتازوا أيضاً بالحرص على المال العام، وعلى النزاهة والشفافية، وعلى سياسة الأبواب المفتوحة مع الناس. وهذه إحدى مفاجآت الأردن؛ فالطبيعي من عسكر دول العالم الثالث أن يكونوا مستبدين لا يؤمنون بالديموقراطية ولا بالانتخابات ولا بالنزاهة، وأن يقيموا بينهم وبين الناس الحواجز والمتاريس وهو ما لم يفعله أبناء المؤسسة العسكرية الأردنية عندما انتقلوا إلى السلطة السياسية في بلدنا.
غير مفاجأة العسكر الأردنية، فهناك مفاجأة أردنية أخرى صنعها شباب الأردن الذين أسندت إليهم قيادتهم مسؤولية قيادة السلطة التنفيذية، فحدثت على أيديهم التحولات الكبرى في بلدنا. وفي هذا المجال ما زال الأردنيون يتذكرون: وصفي التل الذي جاء إلى موقع رئاسة الوزراء دون المرور بالمنصب الوزاري. مثلما يذكرون عبد الحميد شرف، وهزاع المجالي، فثلاثتهم تولّوا قيادة دفة السلطة التنفيذية، وهم في شرخ الشباب، وثلاثتهم تركوا بصمات واضحة خلدتهم في ذاكرة شعبهم، وجلهم إن لم يكونوا كلهم، أعني (العسكريين والشباب) ينتمون الى ما يسمى بالمدرسة المحافظة ومع ذلك فعلوا ما فعلوه وأنجزوا ما أنجزوه وهذه واحدة تجعلنا ندعو للتفاؤل بالحكومة الجديدة التي يُحسب رئيسها على فئة الشباب، ويصنف سياسياً على مدرسة المحافظين فهل يفعلها الرئيس الرفاعي ويحقق مفاجأة جديدة؟.
أسباب أخرى تجعلنا ندعو إلى التفاؤل، وهي ديناميكية الحياة السياسية في الأردن، ووعي الأردنيين، وقدرتهم على الجهر بالرأي. وهذه القدرة تجعل كل من يتولى المنصب العام يحس أنه تحت مجهر الرقابة؛ ومن ثم فإنه يحرص على النجاح؛ وأظن ان الرئيس سمير زيد الرفاعي يجب أن يكون حريصاً على النجاح لأسباب كثيرة أهمها؛ الحفاظ على ثقة جلالة الملك، ثم الحفاظ على تراث أسرته الذي وصل إليه فصار أميناً عليه.
فإذا أضفنا إلى هذه وتلك من أسباب الدعوة للتفاؤل أن كتاب التكليف السامي، تضمن توجيهات واضحة، وآليات محددة للعمل والتقييم والمحاسبة، ابتداء من آلية اختيار الوزراء ومطالبتهم بخطط عمل لوزاراتهم ترفع لجلالته خلال شهرين، مروراً بوضع مواثيق شرف تحكم أداء الحكومة ومؤسساتها وإلزام الجميع بالعمل كفريق واحد. كل ذلك يجعلنا ندعو للتفاؤل ونطالب الجميع بعدم إطلاق الأحكام المسبقة، ومصادرة المستقبل عندما يبدأون الحديث عن فشل الحكومة حتى قبل ان تبدأ بممارسة أعمالها، بكل ما يشكله هذا الحديث من ظلم وتجنٍ على وطننا وأبنائه الذين آن لهم أن يخرجوا من دائرة الإحباط والتشاؤم. وقبل ذلك ان يخرجوا من دائرة السلبية، فبناء الوطن وتغيير واقعه ليس مهمة الحكومة وحدها، ولكنه مهمة الجميع. فالتغيير عملية جماعية لها قوانينها وسننها وأولها ان نغيّر ما بأنفسنا إستجابة لأمر الله «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» فلنفكر بالغد من زاوية أكبر من زاوية الحكومة التي من واجبنا أن نراقب أداءها لنحاسبها ولكن من حقها أيضاً أن نعطيها فسحة زمن، وقبل ذلك فسحة أمل وتفاؤل، وأن نأمل لها النجاح، لأن نجاحها نجاحٌ لوطننا الذي يستحق الأفضل

(91)    هل أعجبتك المقالة (83)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي