أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الإرهاب يضرب من جديد في بغداد ... رشيد شاهين

كان يوم أمس الثلاثاء يوما داميا آخر في عاصمة الرشيد، حيث وقعت خمسة تفجيرات إجرامية في أماكن مختلفة من بغداد خلفت وراءها بدون أي تمييز، مئات الضحايا، عدد كبير منهم كان من الأطفال والنساء والشيوخ الذين لا ذنب ولا جريرة لهم سوى إنهم من أبناء العراق وبغداد تحديدا.
الذين سقطوا ضحايا كانوا من جميع الأطياف العراقية، سنة، شيعة، عربا، أكرادا، مسيحيين وأيضا تركمان وسواهم، وفي هذا دلالة واضحة على ان العراقيين بجميع أطيافهم هم الهدف وليس فئة بعينها، لان الإرهاب لا يفرق بين هذا وذاك.

التفجيرات التي وقعت في بغداد لم تكن الأولى بالطبع، وهي لن تكون الأخيرة، وكنا قد حذرنا في أكثر من مقال بان أياما سوداء دامية وقاتمة آتية، وانه لن يكون فقط أربعاء دام وأحد دام، بل سيكون هناك ثلاثاء واثنين وغيرهما من أيام، ستكون كل أيام الأسبوع - هذا ما لا نتمناه- حمراء دامية، ذلك ان ما جرى للعراق من غزو فاحتلال لم يستهدف فقط النظام الأسبق ولا حزب البعث، بل كان ولا زال يستهدف العراق العربي كقلعة عصية، كقوة يحسب لها المتربصون في الشرق وفي الغرب ألف حساب، وإنها إذا ما تمكنت من النهوض، فإنها سوف تكون بمثابة الدرع الواقي لهذه الأمة.

ان يتم توجيه الاتهامات إلى التكفيريين والقاعدة والصداميين والبعثيين بنفس الطريقة التي تعودنا على سماعها من أبواق الفتنة، فهذا لم يعد مجد ولا مقنع، حيث ان إثباتا أو دليلا قاطعا واحدا لم يتم إبرازه بعد كل عملية تفجيرية إجرامية تتم في ارض العراق، وتوجيه اللوم أو الاتهامات إلى سوريا وسواها، لم يعد أيضا مقنعا لأي كان، وعلى هذا الأساس فان على ساكني المنطقة الخضراء البحث عن طريقة أخرى أو ربما جهات أخرى لتوجيه الاتهامات إليها.

بعد التفجيرات مباشرة، اتصلت بالأصدقاء في بغداد من اجل الاطمئنان على الجميع هناك، قال لي احدهم، وهو بالمناسبة إنسان عادي غير مسيس، ولا علاقة له بكل هذا الذي يجري من عملية سياسية كما تسمى "نريد لهذه الانتخابات ان تنتهي بسرعة، لان كل ما يجري هو بسبها، الخوف هو ان يحدث العشرات من نوعية هذه الانفجارات قبل الانتخابات، لان الكل يريد ان يثبت انه نفسه الأفضل والنسب للعراق، العراق أصبح فقط للنهب والسلب والقتل، الكل يقتل الكل من اجل مصالحه الخاصة، الشعب مغلوب على أمره، القوى السياسية تتقاتل فيما بينها والناس الأبرياء هم الذين يدفعون الثمن". طبعا الرجل قال هذا الكلام بلهجة عراقية فيها الكثير من الوجع والآهات والألم.

من المؤكد بان هنالك العديد من الأطراف التي قد تستفيد مما يجري في العراق من دمار وقتل وتفجيرات إجرامية، إلا ان هنالك تفاوتا في هذه الفائدة التي يمكن ان تتحقق لكل طرف من هذه الأطراف، حيث انه ومن دون شك ان كل من هو معاد للاحتلال قد يستفيد بطريقة أو بأخرى من سوء الأوضاع الأمنية وتدهورها، لكن هل ستقوم هذه الأطراف بكل هذا القتل، هل يستحق هذا الموقف كل هذه الأرواح البريئة.
كذلك ومن دون شك فان قوى إقليمية متعددة تعتبر مستفيدا أساسيا بكل ما يجري في العراق، ويمكن ان تكون إسرائيل على رأس قائمة المستفيدين من كل ما يمكن ان يبقي العراق على فوهة بركان أو يواجه الدمار والقتل بشكل يومي.

بالإضافة إلى ان الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر احد أهم المستفيدين من استمرار تدهور الأوضاع وبقاء الأمور كما هي عليه، لا بل ربما هي تتمنى ان تستمر بالتراجع إلى الأسوأ فالأسوأ، ولا يمكن المراهنة على اتفاقية العار التي تم توقيعها بين حكومة المنطقة الخضراء فيما يتعلق بالانسحاب، والتي تشير إلى ان انسحاب قوات الاحتلال يعتبر رهن بتحسن الأوضاع الأمنية في العراق، وما تحذيرات اديرنو من ان العراق سوف يشهد المزيد من مثل هذه التفجيرات خلال الفترة القريبة ليس سوى رسالة إلى العراقيين بأننا باقون.

الأصوات التي سمعنا بعضا منها في مجلس النواب العراقي خلال جلسة الأمس التي تلت التفجيرات، كانت أيضا مؤشرا على اختلاف وجهات النظر في التعامل مع التفجيرات، حيث كان من الواضح ان القوى المدعومة من إيران كانت تؤشر وتتهم جهات بعينها- بعث وصداميين وقاعة وتكفيريين- فيما تلك غير المحسوبة على إيران كانت تؤشر إلى جهات أخرى، اختراقات أمنية للقوى والأجهزة المختلفة وتواطؤ بين هذه الأجهزة وجهات منخرطة في العملية السياسية.

خلال الأسابيع الماضية شاهدنا مهزلة قانون الانتخابات وقضية النقض ونقض النقض، والقصة المعروفة، والتي يعتقد على نطاق واسع بأنها لم تكن أكثر من مهزلة، أراد من يقف وراءها من أعضاء البرلمان والكتل السياسية المشاركة فيما بات يعرف بالعملية السياسية، ان يحقق دعاية انتخابية رخيصة، حاول من خاضها ان يظهر بطولات فارغة، وحرصا على المصلحة العامة غير صحيح ولا موجود على ارض الواقع بقدر ما هو حرص على استمراره مع سواه في تحقيق امتيازات على حساب أبناء الشعب العراقي. وتأتي تفجيرات الأمس ليحاول هؤلاء مرة أخرى الرقص على جراحات ودماء العراقيين الأبرياء من خلال خطب استعراضية، أثارت غضب وسخط الكثير من أبناء العراق.

بينما يستمر الجدل حول من المستفيد ومن المتورط في الدم العراقي، يظل السؤال الذي يقض مضاجع أبناء العراق، أين هي الخطط الأمنية التي لم تتوقف حكومة المالكي عن الحديث عنها؟ والسؤال الآخر، إلى متى يستمر هذا السيل من دماء الأبرياء؟ في العادة وفي - النظم الديمقراطية تحديدا- وعندما تفشل الحكومات عن تحقيق الأمن والأمان للوطن والمواطن فإنها تستقيل، وحيث ان الحكومة العراقية ، تعتبر حكومة ديمقراطية مثل سويسرا!!!، وتم انتخابها من قبل الشعب - أو ليس هذا ما يقال عن حكومة لمنطقة الخضراء- فان عليها ان تقدم استقالتها، وان تعتذر للشعب العراقي عن كل هذا القتل الذي يحدث في شوارع العراق، والذي تسبب في مئات آلاف الأرامل وملايين الأيتام وملايين اللاجئين. كما ان على كل من هو مشارك في - العملية السياسية- ان يقر أمام أبناء شعبه والتاريخ والضمير، بان ما يجري في العراق ليس سوى مهزلة وانه لا يمكن للبلاد ان تخرج من هذه الحالة إلا بزوال الأسباب والتي يعتبر الاحتلال السبب الوحيد خلفها.
9-12-2009

(85)    هل أعجبتك المقالة (84)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي