أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

استقالة أبو مازن حكمة أم مناورة؟! ... مهى عون

 

منذ أن أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عزمه على الاستقالة، ومن ثم عودته عن قراره هذا مرحليا عل أقله إلى حين الاستحقاقات الرئاسية المقبلة، ومختلف المواقف والتعليقات تتناول موقفه هذا وتنقسم بين الحذرة والقلقة والمشككة. فمنهم من تمنى على الرئيس الفلسطيني العودة عن قراره، بدءاً بالرئيس الأميركي وصولاً إلى مختلف القادة العرب، وفي مقدمهم أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى، ومنهم وهم (فئة المناوئين)، اعتبروا كلام محمود عباس بشأن الاستقالة من باب المناورة ليس إلا. وبغض النظر عن هذه المواقف فالذي رأى ملامح وجه محمود عباس المتجهمة، وبقربه كبير المفاوضين صائب عريقات، وعلى محياه علامات اليأس إياها، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد في الرباط في نهاية الزيارة التي قاموا بها تلبية لدعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس، بمناسبة انعقاد منتدى القدس الدولي، يدرك أن حالة الإحباط تسيطر على الرئيس الفلسطيني وأنه قد يكون ذاهب فعلا للتنحي عند انتهاء مدة رئاسته.
وقد لا يكون قرار الرئيس الفلسطيني بالاستقالة مستغرباً، أما المبررات الدافعة باتجاه خياره هذا هي جداً قائمة وليست من باب الخيال أو التوهم. والرجل براغماتي وواقعي ويعرف أنه لا فائدة من الاستمرار في ضرب الرأس بالحائط. كما يعرف أيضاً بأنه إذا كان لا بد من التخلي عن السلطة في كل الأحوال، تبعا لمبدأ تداول السلطة في الحالات العادية، كيف إذاً في حالة الفشل وعدم القدرة على الإيفاء بالوعود. وكلمة حق تقال فالفشل لا يعود لتقصير من قبل الرئيس الفلسطيني، بقدر ما يعود لتضافر العوامل المحبطة والمحيطة بعملية السلام، والتي ساهمت مجتمعة بإفشال كل المساعي الوفاقية وعلى رأسها المبادرة المصرية ، والتي بذلت خلالها الدبلوماسية المصرية أقصى الجهود لتقريب وجهات النظر ولمد الجسور بين مختلف الفرقاء. فتردي العلاقة مع حركة حماس من ناحية، بالإضافة الى تصلب الحكومة الإسرائيلية زائد الضعف الذي بات يميز سياسة الإدارة الأميركية في التعامل مع الأزمات الشرق أوسطية العالقة، شكلت كلها مجتمعة عوامل هذا الفشل.
فنتنياهو من ناحيته لم يسهل مهمة محمود عباس. وهو لم يقف حتى الساعة عند حدود. وأمام تعنته وتماديه في غيه ومراوغته لم يصدر عن الإدارة الأميركية سوى بيانات الشجب والاستنكار. فبعد أن أعلن على الملا بأن القدس هي عاصمة أبدية لإسرائيل وبالتالي ادعى بأن قرار وقف الاستيطان لا يشملها، أتبعه بآخر أكثر خطورة يشدد على يهودية إسرائيل، مبعداً بواسطته حق العودة لفلسطينيي الشتات، ومحولاً فلسطينيو الـ48 إلى مجرد لاجئين، ومن ثم جاء إعلانه الأخير وربما من باب التنازل النسبي أمام الضغط الأميركي، عن عزمه لوقف عملية الاستيطان لمدة عشرة أشهر مستثنيا القدس الشرقية، ومنطقة المدارس والمرافق العامة الضرورية التابعة لها. ولم تتأخر السلطة الفلسطينية في إظهار استيائها لهذا القرار إذ أعلن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه في مؤتمر صحافي في رام الله إن" عملية السلام وانطلاقها من جديد لا تحتاج إلى كل هذه الخطوات المسرحية".
والسؤال هو هل كان على السلطة الفلسطينية أن تفعل أكثر مما فعلت؟ وهل من مجهود إضافي كان منتظراً من الرئيس الفلسطيني في صراعه المنفرد مع التنين الإيراني من ناحية، والمراوغة الإسرائيلية من ناحية أخرى، وتأخر عنه؟ في كل الأحوال لا بد من التسليم بأن حجم الصراع هو أكبر من الرجل وحتى أكبر من السلطة الفلسطينية بكاملها، في ظل غياب المساندة العربية والدعم الدولي. وإذا كان العرب في حالة انكفاء والكل يحاول أن يتفادى مجابهة الخطر الإيراني الداهم، فالوهن الدولي وبخاصة الأميركي تجاه التعنت الإسرائيلي لم تسهل الأمور أيضا على السلطة. فواشنطن تراجعت عن الدعم الذي كانت وعدت به الرئيس الفلسطيني. وطلب أبو مازن إرجاء التصويت على تقرير غولدستون أضر بصورته بشكل قاس جداً. محمود عباس بات عاجزاً عن إنجاز أي تقدم على أي مسار يصب في مصلحة إقامة الدولة الفلسطينية الواحدة الموحدة، تبعا لكل المقررات الدولية السابقة والتي تقر جميعها بنهائية الكيان الفلسطيني الموحد، بعد ما اتضح أن الترجمة الفعلية على الأرض لخطاب الرئيس الأميركي في القاهرة لم يكن بمستوى تطلعات وآمال الفلسطينيين. وهو الذي وعد بإحلال السلام الشامل والعادل بموجب القرارات الدولية، وبقيت وعوده معلقة في الهواء.
إن قرار أبو مازن في الاستقالة يتسم من دون شك بالحكمة والاعتدال وبعد النظر، من ناحية عزمه الكف عن مصارعة طواحين الهواء. وفي حال كان قراره من باب المناورة السياسية التي تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني فلما لا، إذا كانت تلك الوسيلة المتبقية الفاعلة مع الإدارة الأميركية في غياب لغة العقل والحق. في كل الأحوال، الكرة في ملعب الرئيس الأميركي وإليه تعود مهمة تدارك تداعيات السيناريو الأسوأ، والذي ليس أقله تربع إيران في ما بين البحر الميت والبحر المتوسط، في حال جاءت نتائج الرئاسة الفلسطينية المقبلة لمصلحة حركة حماس، وما يمكن أن يعني ذلك ليس فقط لدول الجوار العربي، بل وأيضاً وخاصة لإسرائيل من ناحية محاصرتها بين فكي الكماشة الإيرانية.

المستقبل - الثلاثاء 1 كانون الأول 2009 - العدد 3498

(85)    هل أعجبتك المقالة (89)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي