منذ اشهر تقريبا، يجري في العراق حراك سياسي واصطفافات من كل الأشكال والألوان بين المكونات أو الحركات والأحزاب المشاركة فيما بات يعرف بالعملية السياسية التي تجري منذ أن خضع العراق للاحتلال الأمريكي، وقد نجم عن هذا الحراك والاتصالات الحميمة والحثيثة تشكيلات سياسية وتحالفات كثيرة، وجميعها تريد خوض الانتخابات التشريعية القادمة، التي كان من المقرر أن تجري في كانون الثاني يناير القادم- هناك من المعطيات التي استجدت والتي تتعلق على سبيل المثال بالنقاش الدائر في المجلس التشريعي العراقي حول موضوع أصوات المهجرين العراقيين في الداخل والخارج، والذي أثار أزمة منذ تم نقضه من قبل طارق الهاشمي الذي يشغل منصب نائب الرئيس في حكومة المنطقة الخضراء، هذه المعطيات تؤشر إلى انه سوف يتم تأجيل الانتخابات إلى فترة قد تكون أسابيع محدودة فيما لو حل هذا الموضوع قريبا، وقد يستغرق الأمر فترة أطول من ذلك في حالة استمر السجال الدائر-.
ما يجري في بغداد برغم كل ما فيه من إسفاف ومحاولات من القوى السياسية لإشغال - الناس- في موضوع الانتخابات، ليس سوى محاولات واهنة وباهتة وزائفة، لا يمكنها أن تنطلي على العراقيين، وهي تهدف فقط للتغطية على الفشل المدوي لكل الخطط الأمنية التي تم الإعلان عنها بأسماء وتفاصيل مختلفة، وبرغم كل هذا الطحن ومحاولات الإثارة والاستثارة، إلا أنها فشلت في التغطية على أصوات الانفجارات التي تحدث بشكل يومي ضد المحتل وأعوانه في حكومة بغداد، التي تم تنصيبها من قبل القوات الغازية. حيث لا يمكن لأحد أن يصدق بأنه يمكن أن تكون هناك سلطة لأي كان في ظل وجود الدبابات الأمريكية، كما لا يمكن أن يكون هنالك انتخابات ديمقراطية حقيقية في ظل وجود القوات المحتلة، وبالتالي فان ما يمكن أن تسفر عنه أي عملية انتخابية لن يتميز بأي شرعية.
الانتخابات القادمة لن تكون الأولى بعد احتلال العراق، حيث جرت الانتخابات في أكثر من مناسبة، وقد رأينا كيف يتم التلاعب بنتائجها، كما وتوظيف العوامل الطائفية والدينية والمرجعيات الدينية واستغلالها بشكل مرعب، كما والتخويف لا بل الإرهاب الذي مورس بحق الناس الذين شاركوا والذين لم يشاركوا في تلك الانتخابات.
واقع الحال يقول إن الانتخابات يتم إقرارها في دولة معينة من اجل اختيار قيادات أو شخصيات بعينها، من اجل قيادة الدولة إلى اجل مسمى، قد تختلف مدته بين بلد وآخر، كما إنها تجري من اجل اختيار قيادات لا بد ستقود البلد - أي بلد- إلى التقدم والنمو، ومن اجل سن قوانين في صالح تطور الإنسان والبلد، إلا انه كان من الواضح، ومن خلال التجربة التي حدثت في العراق بعد غزوه فاحتلاله، لاحظنا أن من تم انتخابهم إنما كانوا واجهة مبتذلة لممارسات الاحتلال، وترسيخا لمنهجية جديدة في إدارة الدولة العراقية كانت احد أهداف الغزو والاحتلال، تمت على أسس طائفية وعرقية بغيضة، كادت أن تأخذ العراق إلى مهاوي ومتاهات الحرب الأهلية لولا تميز العراقيين العجيب وانتمائهم اللصيق إلى عراقهم العظيم. وقد كان هؤلاء الواجهة السيئة التي من خلالها تم حكم العراق على مدار السنوات الأخيرة وحاول هؤلاء القيام بما عجزت عنه قوات الاحتلال من محاولات لزرع الفتنة والفرقة بين أبناء العراق.
ما جرى في العراق ومذ وقع في قبضة المحتل الأمريكي إنما يؤشر على ان المخططات الأمريكية في تطويع العراق، إنما تحقق بعض النجاحات في إيصال من ترغب إلى سدة الحكم في المنطقة الخضراء، ويمكن القول في هذا السياق ان الولايات المتحدة استطاعت ان تأتي بمن هم من - ازلامها- إلى سدة الحكم، والناظر يستطيع ان يتبين من خلال مراجعة بسيطة لأسماء من حكموا المنطقة الخضراء، ان هؤلاء كانوا من الخلص والتابعين للدوائر الأمريكية المختلفة، إلا ان هذه النجاحات إذا جاز لنا ان نسميها كذلك تصطدم دائما بقوة ضربات المقاومة العراقية الباسلة، التي انطلقت ربما كأسرع مقاومة وطنية ضد جيوش دولة احتلال في العصر الحديث.
الاهتمام الأمريكي في موضوع الانتخابات العراقية إنما يأتي لأسباب عديدة أهمها ما قاله أكثر من مسؤول أمريكي حول ضرورة استمرار العملية السياسية، وبرغم عدم قولهم إنهم يرغبون بها على المقاس الأمريكي، إلا ان هذا الاهتمام يأتي على خلفية الخشية من نجاح ممن يعتقدون انه قد لا يلبي المتطلبات الأمريكية بشكل كامل، أو ان تكون لديه ارتباطات ربما مميزة وقوية بالدولة الإيرانية التي تتمتع بنفوذ واسع في أوساط من قدموا إلى العراق من جهة الشرق بعد الاحتلال الأمريكي للعراق.
الحديث الأمريكي وهذا الاهتمام بالانتخابات والدعوات إلى التسامح - في غمز لحزب البعث- ليست حقيقية، حيث ان من أوصل العراق إلى ما وصل إليه من دمار وخراب، لم يكن إلا الأمريكي، وما هذه الدعوات إلا لذر الرماد في العيون، وهي تأتي على أرضية محاولة أمريكا ترويض ليس فقط حزب البعث، لا بل وكل قوى المقاومة التي تتسبب بالضربات الموجعة لقوات الاحتلال ومن تعاون معها وتحويل هؤلاء إلى مجموعة من المستفيدين من عمليات النهب بحيث تطغى المصالح الخاصة لديهم على المصالح العامة والمتعلقة بتحرير العراق من رجس المحتل وأتباعه.
لقد تبين خلال الفترة القريبة الماضية ان معظم ان لم يكن جميع المشاركين في - العملية السياسية- تنخرهم طائفية وعرقية حاقدة، وقد تبين ذلك من خلال التحالفات غير المقدسة التي حدثت، وخاصة فيما يتعلق بموضوع نقد الهاشمي، حيث انتقلت وتحولت التحالفات من النقيض إلى النقيض، وخاصة فيما يتعلق بالطرف الكردي الذي يقوم على قيادته مجموعة من الأشخاص الذين ارتبطوا تاريخيا بالقوى الغربية والكيان الصهيوني.
الانتخابات العراقية لن تكون نزيهة ولا شفافة ما دامت تتم تحت سنابك الاحتلال، وما دامت تجري طبقا لقانون انتخابي ودستور طائفي عرقي يحاول ترسيخ الانقسام، وهي كذلك لن تكون شفافة في ظل من - يشرعن- الوجود الأجنبي من خلال اتفاقيات مشبوهة، عدا عن بيع كامل للعراق وموارده من خلال توقيع اتفاقيات مشبوهة فيما يتعلق بالثروة النفطية للعراق.
الحديث عن عراق واحد موحد، وعن انتخابات حقيقية تنقل البلد إلى مصاف الدول المتقدمة والديمقراطية، لا يمكن أن يتم من خلال ما يجري على الأرض من قبل القوى التي تحكم المنطقة الخضراء، وهو لن يتشكل إلا من خلال وحدة العراقيين بالنظر إلى أن الوجود الأمريكي في العراق ليس سوى وجود لقوات احتلال وليس قوات للتحرير كما يروج البعض. الانتخابات القادمة لن تكون سوى محاولة أمريكية جديدة لن تفرز سوى صورة أو نسخة عن النسخ السابقة في حكم المنطقة الخضراء.
1-12-2009
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية