أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الأسد الجمهوري وأسماء الديمقراطية!*

قد تسبق سوريا أمريكا سياسياً، وتتولى امرأة الجمهورية الثالثة، قبل أن تتولى أمريكا امرأة. سوريا كانت رائدة دوماً، لنتذكر أن حزب البعث انقلابي، والانقلاب حرق للمراحل، وقفز بالزمن إلى الأمام، وتسارع للقيادة، غير موافق لسرعة الشعب، وقد حرق الأسد المراحل والرواحل.

يذكّر شأن وردة الصحراء بمصطفى طلاس، الذي ظهر مرة إبان وفاة الأسد في لقاء على التلفزيون السوري بعدسة مقربة، وهو قليل الظهور، وكان ظهوره لغاية، وهي توطئة الرتبة للأسد إعلامياً، وتهيئة التوريث في الجمهورية الثانية، فقال إنَّ بشار كان ينام مع الأسد الأب في غرفته، وسنتجاوز الكذبة ونُعرض عن تهافتها، أو احتمال أن بشار كان يخاف من الأشباح، فقد كان طلاس يريد القول إن شعاع القداسة والموهبة كان ينتقل إليه عبر الشخير في الليل البهيم، ولم يكن مثل باسل الأسد الذي كان ينام في غرفة أخرى مستقلاً بنفسه، وانتقل إليه التوريث عبر شعاع دفقة الصُلب وحده.

وقال طلاس: إنَّ العائلات السياسية ظاهرة عالمية، وليست بدعة سورية، فذكّر بعائلة بوش وعائلة نهرو، وعائلات سياسية أخرى معاصرة، فالأسد مثلهم، ولم يفرّق المهرج السوري، والملقب بالبقرة الضاحكة بين الزعامة، وبين الوراثة الرئاسية، التي أدّت إلى قلب الدستور.

يبذل مرشحو الرئاسة الأمريكان جهوداً كبيرة مالية ودعوية، صحيح أنهم لا يفون بجلِّ وعودهم، لكنهم يعدون، والوعد أمل. وكان أوباما قد وعد بإغلاق غوانتانامو ولم يفعل، ووعد ترامب بوعد أفغانستان، ويوشك على الوفاء به إلا إذا تراجع في اللحظة الأخيرة، وهذا وارد أيضاً.

لقد رأينا صوراً عملاقة للسيدة الأولى في شوارع سورية المهدّمة، ستِّ الكل، ووردة الصحراء والخرائب، هيلاري سوريا، فبدتْ مثل فيلم إيطالي من أفلام فلليني.

يذكر محللون ثقات وإخباريون أن لها نفوذاً كبيراً، يصل إلى تعيين ألوية أو تسريحها بإحسان، وهم يُرجفون بتوليها الرئاسة أو يرهصون بذلك، علّها تُحدث ثغرة في الممانعة العالمية لرئاسة زوجها، الذي بات مثل الخثرة الدموية في شرايين الحياة السياسية السورية، وقد أنهى دورة رئاسية حديثة مع دورتين قديمتين، وقدّم خدماته العظيمة للنظام العالمي، ويستحق على خدماته دورات  رئاسية بلا نهاية، ويمكن مقارنة انتخابات سوريا بانتخابات أمريكا التي يرقبها العالم، وهي انتخابات لها ما لها وعليها ما عليها:
-  إنَّ النظام الانتخابي الأمريكي شديد التعقيد، فالنقاط الانتخابية في المجمع الانتخابي الأمريكي غير الأصوات، وقد يتشابهان في هذه الخاصة، فللقرداحة -وهي قرية- نقاط، وليس لدمشق عاصمة الأمويين، بل إنَّ للشعب كله أصوات لا تبلغ قوة صوت الرئيس لنفسه، وهو الوحيد الذي ينتخب بديمقراطية من غير خوف، ويحصد الأصوات المخالفة للرئيس والموافقة أيضاً، وأصوات الأحياء والأموات أيضاً.

- ولا وجود للولايات المتأرجحة في سورية، المحافظات السورية ليست ديزني لاند حتى تتأرجح فيها حصائل الأصوات مثل نواعير الألعاب، هي محافظات، وليست ولايات، فإعلام النظام البعثي يعتبر صفة الولاية صفة رجعية.

- ولا يقوم الرئيس بزيارة المدن والمحافظات، ولم يفعل منافسوه الذين ظهروا في الدورة الثالثة، كان استفتاء تحوّل إلى انتخاب من غير ضجة أو زيطة، وكان يستحق احتفالاً.

- لا يتبارى المرشحون في سوريا على أصوات الناس بالوعود، وإبراز البرامج السياسية. شخص الرئيس هو البرنامج، وتمتاز سوريا عن الولايات المتحدة بميزة، هي الانتخاب بالدم، وهو عمل قرباني يقوم فيه المستفتي بجرح أحد أصابعه بدبابيس هيّئتْ لهذا العمل الفدائي النبيل. 

ويتميز الاستفتاء السوري أيضاً بميزة لم نجدها في انتخابات أمريكا التي تسعى إلى التشويق كأنها أفلام حركة، وهي انتشار الرقص والدبكات الشعبية، احتفالاً بالعرس الديمقراطي، وأحياناً بتوزيع الحلويات و إقامة المآدب.

- الفروق غير كبيرة بين المرشحين في أمريكا في السياسية الخارجية والداخلية، لكنها هائلة بين المرشحين في سوريا، فالمرشحان الأمريكان يمثلان أقوى حزبين، وعادة ما يتحول يوم فرز الأصوات إلى يوم تحتبس فيه الأنفاس، أما الفروق بين المرشحين في سوريا، فهي كالفروق بين الفيل والنملة.

- لا توجد أحزاب قوية في سورية، فأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية اسمها أحزاب الميكرو باص، هي أحزاب وصيفة. أسماء الأسد سنيّة بالولادة مثل ستيف جوبز، والملكة اليزابيث، زعموا أنها من آل البيت، وكان أبو لهب من آل البيت، بالدماء أيضاً.

- لا وجود لحملات انتخابية أو وعود انتخابية في الاستفتاءات السورية، ولا قلق على نجاح أو خوف من سقوط، ولا شعوذات أو تنجيم أو فقرات كوميدية بالذهاب إلى حيوان منجّم مثل الدب أو الأخطبوط لقراءة المستقبل. الدولة ملكية والانتخاب احتفال بعيد الجلوس على العرش، وإن باسم آخر هو الاستفتاء.

- ستفرح الدوائر السياسية في العالم الأول بفوز مواطنة بريطانية برئاسة سوريا، إن قرّ القرار برئاستها، فهي جميلة، و"الحُسن مرحوم"، والعالم المتقدم كثير الاحتفال بالشكل، وشديد الاهتمام بالبطولة النسائية. ستتولى سيدة بريطانية الرئاسة، فتصير الولاية لبريطانيا مباشرة، وليس عبر الوكيل أو الخادم، وسيكون الأسد راضياً، لأنَّ اسم أسرته، الأسد سيبقى سائداً، وسيحتفظ باللقب.

- ثمة شبه مؤكد بين سوريا وأمريكا هو أنَّ السنّة صاروا مثل "الأمريكيين الأوائل"، أصحاب الأرض الأصليين الذين انقرضوا.

*أحمد عمر - من كتاب "زمان الوصل"
(242)    هل أعجبتك المقالة (240)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي