ما بين لبيبة و متعب
( صبغت الإشارة الحمراء وجهي بالحذر ،
توقفت مضطرا ،
أدق بيدي على مقود السيارة ،
قدماي تهتز بشدة ،
بدأ القلق يفترسني ،
مددت يدي أخرج هاتفي المحمول ،
تطلعت إلى الوقت ،
ما هذا ؟
الساعة قاربت على الثامنة و الربع ،
غير معقول ،
لن ألحق بالمباراة في البيت ،
مستحيل ،
ماذا أفعل الآن ؟
دقائق و ستنطلق المباراة ،
أنقذتني أبواق السيارات من خلفي تطالبني بالتحرك ،
انتهبت لسيل الضوء الأخضر الذي أغرقني ،
انحرفت إلى طريق جانبي ،
دارت عيني هنا و هناك للبحث عن ملجأ ،
هناك هناك ،
نعم ، ها هو المكان الأنسب بعيدا عن الزحام ،
ولجت إليه بسرعة ،
نزلت مسرعا ،
جريت أبحث عن أقرب مكان لمشاهدة المباراة ،
سمعت صياح الجماهير ،
جريت ناحية الصوت ،
و إذا بقارب النجاة ، قهوة المصريين ،
صرخت مقلدا (عوكل) ابن بنت بنت الست ( أطاطا )
ـ قهوة المصرييــــــــــــــــــــن .
( تجمهر العديد من الناس ،
لم أشاهد التلفاز في بادئ الأمر ،
عندما أقتربت لاح التلفاز بين الكثير من أعلام مصر التي يحملها المشجعين ،
حاولت التقدم للحصول على مكان أنسب لمشاهدة المباراة ،
لا فائدة ،
يبدو أنني سأرى المباراة وقوفا ،
لا يهم ، المهم أنني سألحقها من بدايتها ،
بدأت المباراة ،
أخذ جسدي ينتفض مع كل كرة تتناقل بين أرجل لاعبينا ،
فجأة انتفض الجالسون )
ـ جــــــــــــــــــــــــــــول ، جــــــــــــــــــــــــــــــــــــول ......
ـ الله أكبر ، الله أكبر ، جول جول جول ....
( أخذت أقفز في الهواء ،
أحتضن الناس من حولي ،
رفعت أحد الرجال لأعلى ،
ما هذا ؟
غير معقول ،
مشجع جزائري ؟
هنا ؟
بادرني بابتسامة عريضة )
ـ ممكن تنزلني ؟
( أنزلته بهدوء ،
تصببت عرقا ،
حاولت الاعتذار )
ـ آسف جدا .....
( تلعثمت الحروف بين شفتي ،
بادرني الرجل بكل أدب )
ـ لا داعي للأسف ، هذا حقك ، عادي ...
ـ أرجو المعذرة ، لم أتخيل تواجدك بيننا .....
( بادرني الرجل و هو يضحك )
ـ لا عليك ، و لكن ، سنرد عليكم بعد قليل ، فصبر جميل ...
( أخذنا نكمل مشاهدة المباراة ،
صفر الحكم معلنا انتهاء الشوط الأول ،
أشرت إلى النادل ،
جاءني على عجل ،
التفت لأخي الجزائري )
ـ تشرب إيه ؟
ـ لا شيء .
ـ لا ، لابد أن آتيك بشيء ، شاي ؟ قهوة ؟
ـ بس لا تكون سادة ، هاها ..
( أخذنا نضحك ،
قاطعني النادل )
ـ المفروض هو اللي يعزمك ، فهذا شارعه و هذا مقهاه الذي يجلس عليه كل يوم ....
( قاطعه الرجل )
ـ نعم و الله ، المفروض أن أحييك أنا ،
يبدو أنك غريب عن منطقتنا ...
ـ نعم ، فلقد كنت مارا من هنا و نزلت لألحق بالمباراة .
ـ إذن أنت ضيفنا ، ماذا تطلب ؟
ـ لا شكرا ...
ـ لا شكر على واجب يا رجل ، شاي ؟
ـ شاي .
( عندها نادى النادل )
ـ و عندك اتنين شاي على حساب ( أبو رابح ) و صلحـــــــه ...
( داعبته )
ـ هل ستظل أبو رابح بعد خسارتكم ؟ هاهاها ...
ـ لن تفوزوا علينا ، سنتعادل في الشوط الثاني إن شاء الله ، و حتى إذا فزتم فلن تذهبوا إلى جنوب إفريقيا ، فلا تنس أنكم يجب أن تفوزوا بفارق ثلاث أهداف ، و هذا صعب جدا صراحة ...
ـ إن شاء الله هدفين ، لكي لا نضيع عليكم نزهة السودان بإذن الله ،ها ها ها ها ...
ـ مستحيل ، و سنرى ...
( بدأ الشوط الثاني ،
بدأ التوتر يتسلل إلي ،
مع مرور كل دقيقة من المباراة ، يقترب ( أبو رابح ) من حلمه ، بينما أخذ حلمي يتلاشى رويدا رويدا ، و كلما مر الوقت ينظر إلى الرجل و يبتسم ، لا حول و لا قوة إلا بالله ، باغتني )
ـ هيه ، أمازلت عند وعدك بخصوص نزهة السودان ؟
( ضحكت و الألم يعتصر قلبي ،
حاولت إخفاء قلقي عن ناظريه ،
رحت أشاهد المباراة و أنا أتجول خلف المشجعين ،
لم أستطع الوقوف في مكان ،
كلما مر الوقت كان الرجل ينظر إلي و يبتسم ،
فجأة ،
لمحتها تجلس هناك تطالع المباراة ،
كانت ممسكة بعلم صغير في يدها ،
غير معقول ،
من ؟
الخالة لبيـــــــــــــــبة ؟
نظرت إلي ، لكنها أشاحت بوجهها عني ،
ذهبت إليها ،
صاحت بوجهي )
ـ أيوة ، أيوة ، ، إعمل نفسك مش شايفني ؟
ما تخافش يا خويا مش عاوزاك تعزمني على سحلب ،
الجماعة قايمين بالواجب و زيادة ....
ـ خالة لبيبة ؟ و الله العظيم ما شفتك ....
ـ أيوة ، خش ياد في عبي خش ....
ـ هو إنت كمان بتشجعي مصر ؟
ـ و ما اشجعش ليه ؟ ناقصة إيد و إلا رجل ؟
هو أنا مش مصرية زيك ؟
ـ و أم المصريين كمان ، مين اللي معاك ده ؟
ـ إبني ( مصطفى ).
ـ هو إنت لك ابن غير ( علي ) ؟
( همست )
ـ ده واد يتيم بعيد عنك لقيته و أخذته أربيه ...
ـ الله يبارك فيك يا خالة ، جزاك الله خير ...
ـ اقعد على جنب بقى عشان أشوف الماتش ...
( انتبهت إلى المباراة ،
وقفت بجوارها أشاهد ما تبقى من المباراة ،
لا حول و لا قوة إلا بالله ،
يبدو أن تنبؤ ( أبو رابح ) سيتحقق ، فلقد انتهى الوقت الأصلي للمباراة ،
سمعت صوت بكاء ( مصطفى ) ابن لبيبة ،
عندها ترقرقت الدموع في عيني ،
نظرت إلى لبيبة و هي تحتضنه ،
و تهمس له في أذنه )
ـ ما تزعلش ياضنايا ، إوعى تزعل أبدا ، و الله ها نغلب إن شاء الله ..
( عندها ضحكتك ألما )
ـ بس ما تحلفيش يا خالة لبيبة ، شكلها خلاص ....
( نظرت إلي و في عينيها نظرة تحدي ، و قالت )
ـ طيب و الله العظيم مرة تانية لنكسب ...
( لم أعرف من أين أتت بهذا اليقين ،
وجدتها ترفع يديها للسماء ،
بادرتها صارخا )
ـ بلاش هبل يا ولية انتي ، ما عدش غير الكورة تدعي ربنا عشانها؟؟؟؟؟؟؟؟
ـ و أدعي عشان أقل من كده بكتير ، و إنته إيه اللي فهمك إنته ؟
( عندها تسربت القشعريرة إلى جسدي ،
نظرت إليها ،
جحظت عيناي ،
أخذت تناجي رب العالمين )
ـ و النبي حبيبك ، عشان خاطر الواد اليتيم ده ، تخلي متعب يجيب جون .
( عندها خطف بصري برق رهيب ،
صم أذني قرقعة رعد مهولة ،
زلزال ارتجفت له الأرض من تحت أقدامنا )
ـ جـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول ، جول ، جول ، جــــــــــــول ...
( كلما حاولت تذكر ما حدث بعدها ،
ترتد الأبواب منغلقة في وجهي .......... )
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية