أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تقرير: في غزة... حلم السفر... من الجو والبر والبحر إلى الأنفاق!!

في قطاع غزة, أن تحزم أمتعتك وتجهز نفسك للسفر هو من العجب العجاب بل من سابع المستحيلات, وشئ مثير للضحك والسخرية في هذا الوقت لأنه بعيد المنال, و إن حصل هذا فبأي طريقة يكون السفر والى أين وما هي إمكانيات الحصول على هذا الامتياز؟.. إن تحققت المعجزة وتبدد المستحيل وكان هناك مقدرة مادية لذلك فالأنفاق إذن في قطاع غزة هي أم الحلول في ظل وجود مال وفير لها.

من البديهي والمنطقي أن يكون في كل بلد ولكل شعب عدة موانئ برية وبحرية وجوية تكون منفذهم ومتنفسهم إلى العالم الخارجي يتنقلون من خلالها إلى حيث ومتى يشاءون, وهذا يعتبر من أهم الحقوق المكفولة, إلا في قطاع غزة, فالشق الأول من البديهيات والقائل بوجوب وجود معابر وموانئ للسفر فهو بالفعل موجود, لكن الشق الآخر منها وهي أن تكون متنفسهم ومنفذهم إلى العالم الخارجي يسافرون منها متى وكيفما يشاءون فهذا غير موجود على الإطلاق, فلقطاع غزة ميناء جوي وحيد قام الاحتلال الإسرائيلي بإغلاقه منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية أي بعد العام 2000م, ودمره أيضا عدة مرات خلال اجتياحه للقطاع, وهناك إلى جانبه مجموعة من الممرات البرية للمواطنين والبضائع كلها يتواجد فيها الاحتلال الإسرائيلي بحكم وجودها مع حدود دولة الاحتلال الإسرائيلي عدا واحد منها وهو معبر رفح البري والذي يقع على الحدود المصرية الفلسطينية في مدينة رفح, لكنه مغلق إلا في بعض الأيام النادرة في السنة, مغلق منذ حوالي أربع سنوات بفعل عدم اقتصار القرار فيه على الجانب المصري والفلسطيني!!

حلم السفر الفلسطيني..
" لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم ما حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته, ولكل فرد حرية مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده, ولا يجوز حرمان أحد تعسفا من حق الدخول إلى بلده" هذه مجموعة من الفقرات في المادة رقم اثنا عشر الخاصة بحرية التنقل والسفر والتي وردت في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي أقرت في العام 1976م من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة, وهي أحد أهم المواثيق الدولية المعترف بها و التي أقرت بموافقة العالم والتي باتت تخترقها دولة الاحتلال الإسرائيلي أمام مرأى ومسمع العالم كله وعلى مدار الساعة ضد الفلسطينيين, فحرية التنقل والسفر والتي باتت حلما لدى كل فلسطيني في قطاع غزة بددتها دولة الاحتلال الإسرائيلي, وقامت باستخدامها كأداة ضغط وابتزاز غير مبررة لتمرير ما تريده على الفلسطينيين مهمشة وضاربة عرض الحائط تلك لقوانين الدولية و غير آبهة بها كما تعاملت وما زالت تتعامل مع أي قانون آخر يخصها والفلسطينيون, إلا إذا تماشى معها ومصالحها.


أن تسافر إلى الجحيم!!
" في قطاع أن تطلب السفر إلى الجحيم فهو أقرب لك وأسهل من أن تطلب السفر إلى خارج القطاع سواء للضفة الغربية أو الدول العربية الأخرى" هذا ما قاله لي أحد الأصدقاء الذين حصلوا مؤخرا وبصعوبة بالغة على تصريح دخول من معبر "ايرز" الإسرائيلي إلى الضفة الغربية المحتلة, فالصعوبة لا تكمن في طريق شاق أو تكاليف باهظة وإنما في الموافقة الإسرائيلية على تصريح وتأشيرة التنقل التي أصبحت ضمن رزمة المستحيلات التي يواجهها الفلسطيني في كل خطوة يقدم عليها.


السفر عبر الأنفاق...
" لقد كنت في بداية الأمر أتخوف كثيرا حين أدخل النفق وأسير فيه مع ابنتي الصغرى والذي يكاد يتسع إلى شخصين فقط, فقد يحصل قصفا إسرائيليا في أي لحظة أو حتى مداهمة مصرية لهذا النفق", هكذا تحدثت أم جمال والتي تقطن مدينة رفح جنوب قطاع غزة وتنتمي إلى إحدى العائلات التي انقسمت بعد ترسيم الحدود المصرية الفلسطينية عند مدينة رفح في سنوات الثمانينات من القرن الماضي, فنصفها يسكن في رفح الفلسطينية والنصف الآخر يسكن في رفح المصرية, وفي ذلك تقول أم جمال "أهلي يسكنون في مدينة رفح المصرية, وزوجي لديه نفق يعمل فيه على إدخال البضائع إلى قطاع غزة, فأصبحت الآن "أسافر" عبر نفقنا إلى رفح المصرية في كل مناسبة, وأيضا أهلي يأتون إلينا عبر النفق نفسه في كل مناسبة " وتضيف حيث بدأت علامات الخوف تظهر على وجهها " لكن لا أعتقد أن النفق هو المكان المناسب والمثالي للسفر لي ولأي فلسطيني, حتى لو كان لمكان قريب ويفي بالغرض, فانا حين أسافر عبره وأجلس عند أهلي أسبوعين أو أكثر أو اقل "أبقى على نار" فمن الممكن أن تتعرض الأنفاق للقصف في أي وقت وتقفل هذه الوسيلة وتتقطع بي السبل حتى لو كنت عند أهلي" وتواصل أم جمال قائلة " هذا المكان لا يليق بالبشر كي يتحركون من خلاله أو حتى يجلبون بضائعهم وحاجاتهم من خلاله, فالأرض للأموات فقط, لكن الضرورة تحكم"


للقصة والحلم بقية...
سواء للأموات أو للأحياء, فهو أصبح واقع يتم التعامل على أساسه في قطاع غزة, أي الأنفاق بالطبع, أم جمال "تسافر" إلى أهلها عبر النفق الذي يمتلكه زوجها, فكيف السفر بالنسبة لمن لا يمتلك نفقا؟
وهنا يقول أبو حسن أحد سكان مدينة غزة والذي يعمل فيها نجارا " إذا ما تحدثنا في أن تكلفة إدخال بضاعتي, الأخشاب, من خلال النفق من الجانب المصري مرتفعة جدا, الأمر الذي ضاعف تكلفة المصنوعات بشكل كبير جدا هنا في غزة, فماذا أقول لو أردت أن أسافر عبر احد الأنفاق؟" ويواصل أبو حسن الحديث حيث تعلوه ابتسامة خفيفة " في ذات المرات قلت ممازحا لصاحب النفق الذي أتعامل معه, أريد أن اذهب إلى احد أصدقائي في الجانب المصري بزيارة خاطفة, فكم تطلب مني؟ فأجابني دون تردد أطلب اربعمئة دولار أمريكي" ومن ثم يقول أبو حسن " هذه هي ضريبة السفر هنا في قطاع غزة, فهي باهظة للغاية وبشكل لا يُصدق".
أما الشاب أحمد, والذي أنهى دراسته الجامعية في تخصص اللغة العربية في قطاع غزة منذ حوالي السنة, ارتبط حلم السفر لديه بفتح المعابر, فكان ومازال يحلم بأن يسافر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة لدى أحد أقربائه المقيمين فيها والذي وعده بتأمين عمل له, لكن الحصار وإغلاق المعابر كان سدا منيعا أمام تحقيق هذا الحلم والذي بات مؤجلا إلى أجل غير مسمى, وفي ما إذا كان يفكر بمحاولة تحقيق هذا الحلم وتقصير مدة تأجيله عبر السفر عن طريق أحد الأنفاق أم لا, فيقول " لقد طرأت علي فكرة السفر عن طريق الأنفاق, بل وطرحها لي الكثير من الأصدقاء, لكن ماذا بعد؟, فهذا يعتبر تهريب وإقامة غير قانونية رغم أن الحصار نفسه غير قانوني" يعتدل في جلسته ويشبك يديه ويواصل سرده " أنا أفضل أن أعيش داخل بلدي بكرامتي حتى لو كنت محاصرا على أن أذهب مهربا عبر نفق إلى أي دولة كانت حتى لا أعيش فيها مطاردا, فأنا واقعي, إذا ما استطعت السفر عبر النفق وإذا ما توافرت معي مصاريف "السفر النفقي" فهذا لن يزيل مخاطره حين أكون في مصر أو الدولة التي اذهب إليها"
إذن هي نظرة عقلانية من قبل أحمد قد لا تتوفر عند كل الشباب الفلسطيني في قطاع غزة ومعها لا يتوفر أيضا المال ومصاريف السفر عبر النفق والتي يطلبها صاحب ذلك النفق.


الحلم واستغلال أباطرة الأنفاق له...
ظاهرة التنقل والسفر من قطاع غزة إلى المدن المصرية الحدودية والعكس عبر الأنفاق أصبحت منتشرة بشكل كبير بين أصحاب و "أباطرة الأنفاق" وبعض العمال الذي يعملون لديهم, فاختراع الأنفاق كان من أجل التخفيف من أعباء الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة وليس من أجل جلب الراحة والمال بدون حدود ولا رقيب لأباطرة ومستثمري الأنفاق, فاعتماد أصحاب الأنفاق على جلب المال فقط بأي وسيلة وإهمال المواطنين يتضح بأي طلب أو خدمة قد تطلبها من أي صاحب نفق في قطاع غزة مهما صغرت الخدمة, فهنا التعامل معهم, أي أصحاب الأنفاق, يكون حسب المال ولا يكون إلا بالدولار الأمريكي متحججين بطبيعة الحال بغلاء أجور العمال, وحتى لا أبتعد كثيرا عن فحوى الموضوع, أحببت أن أتأكد من كل شئ على ارض الواقع وحتى أكون منصفا للجميع, توجهت إلى صاحب احد الأنفاق والذي علمت بأنه يعمل على إدخال الأشخاص من غزة إلى الأراضي المصرية وبالعكس عبر نفقه بمقابل مادي معين, وطلبت منه خدمة إدخال احد أقربائي من الجانب المصري إلى قطاع غزة دون أن أعلمه بـأني صحفي, وهي مجرد بالون اختبار بالطبع, فكان رده " مجيئه فقط إلى قطاع يكلفك ثمانمائة دولار وفي خروجه أيضا كذلك" وبعد اخذ وعطاء ومد وجزر استمر لمدة ربع ساعة انخفض السعر إلى ستمائة وخمسين دولارا في المجيء ومثلها في الخروج, وهذا الغلاء طبعا يكون بسبب غلاء أجور العمال!!!


هكذا هي الصورة إذن, لا ميناء بري ولا بحري ولا جوي ولا حتى ارضي في يد الفلسطيني, استغلال واحتلال من قبل الاحتلال الإسرائيلي لكل الموانئ في قطاع غزة عدا الأرضية منها " الأنفاق" فالاستغلال يكون من قبل أباطرتها, فالحلم الفلسطيني هو من ابسط واقل ما يكون, فهل ستبقى صورة الحلم الفلسطيني في التنقل والسفر هكذا وتحت رحمة المحتل وغيره؟!!!


محمد عثمان
(79)    هل أعجبتك المقالة (87)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي