أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بين إيران وتركيا.. كراسٍ على خراب*

أرشيف

من المفارقات العجيبة، وما أكثرها في عالم السياسة العربية، أن تطلق حملات مقاطعة البضائع التركية، أو بتسمية أدق محاربة الاقتصاد التركي، في الوقت الذي تشهد فيه دول المنطقة تحركات سياسية لبناء علاقات سياسية واقتصادية مع إسرائيل، أو إخراج تلك العلاقات من مرحلة السرية إلى مرحلة العلنية الرسمية.

الحملة بهدف مقاطعة البضائع التركية، سبق وأن شهدت المنطقة شبيها لها، لجهة مقاطعة البضائع الإسرائيلية والأمريكية، وكانت عبارة عن حملات موسمية آنية ارتبطت عادة بالتصعيد الإسرائيلي، ولا أعتقد أن هدفها كان بالفعل الضغط على إسرائيل عبر الضغط على الشركات الداعمة لها، بقدر ما هو محاولة لامتصاص غضب الشارع العربي، وتنفيس بعض احتقانه.

الأمر الذي يثير الدهشة أن نشهد دعوات محمومة لضرب الاقتصاد التركي، بينما لم نشهد بالمقابل أي دعوة لإنهاء المعاملات التجارية مع إيران وما أكثرها بين طهران وبين دعاة مقاطعة الاقتصاد التركي، رغم أن الأولى لا تتوقف عن التهديد والوعيد، المقرون بالفعل، من استهداف ناقلات النفط إلى التهديد بتسوية أبراج دول خليجية بالأرض، ناهيك عن الإطباق على منطقة الخليج برمتها عبر الكماشة اليمنية – العراقية التي تديرها إيران وتفخر بهذه الإدارة وتضرب بعرض الحائط "أحلام" كل منهم على الضفة الأخرى للخليج "العربي" أو "الفارسي" بحسب التسمية الإيرانية، وربما الأمريكي بحسب أحد المتهكمين.. في السياسة، ومن قواعدها الأولى، المصالح الدائمة، كما قال ونستون تشرشل، فليس هناك عدوات دائمة ولا صداقات أبدية، بل هي المصالح صاحبة الكلمة الفصل في إدارة بوصلة السياسة، وإلى الآن أحاول البحث عن مصلحة واحدة، واحدة فقط، للدول العربية في معاداة تركيا، وحتى إيران، لولا أن الأخيرة لديها مشروعها التوسعي الفج القائم على دماء العرب وأرضهم ومياههم، وربما يسأل سائل وماذا عن المشروع التركي، نعم لاشك لها مشروعها، ولكنه بالحد الأدنى لا يملك الدموية نفسها ولا الفجاجة في اختراق تركيبة المجتمعات كما تفعل إيران.. بالعودة إلى مفهوم المصالح، لا أعرف أي ضرر في أن يبحث دعاة الحرب على تركيا، عن علاقة طيبة معها، بما يخدم مصالحها، علاقة يمكن من خلالها موازنة الهيمنة الإيرانية، أو على الأقل اللعب على نقاط التضارب في الثنائية الإيرانية التركية والاستفادة من عمق وثقل إضافي بدل الدخول في "حروب" خاسرة بكل المقاييس..لاشك أن ملف الاخوان المسلمين و"دعم" تركيا لهم سيخرج إلى العلن عند أول كلام عن العلاقة العربية التركية المضطربة، وهو ملف مهم، ولكنه أصغر من أن يقف في طريق بناء علاقات قائمة على المصالح السياسية والاقتصادية، عندما تكون تحركات الساسة في سياق البحث عن بناء دول لها وزنها، وربما في السياسات الإيرانية والتركية وتحولاتها، والقفز الذي تمارسانه على حبال السياسة، خير دليل على ذلك.

أي مراقب لسياسة الدول، الدول الحقيقية، يرى أنها يمكن ان تنسف تحالفات عمرها عشرات السنين إذا تعارضت في لحظة ما مع مصالحها كدول وليس كأشخاص، وقد تضع قيمها ومبادئها التي نادت بها لسنين طويلة في سلة المهملات إذا كان ذلك يخدم وجودها وقوتها ورفاه شعبها، أما في تلك البقعة التي مازالت محكومة بالقهر والدم، فالمتحكمون بمصيرها على استعداد أن يرتكبوا كل الموبقات لزيادة كم الخراب فتزداد كراسيهم ارتفاعا..

*حسين الزعبي - من كتاب "زمان الوصل"
(222)    هل أعجبتك المقالة (218)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي