أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بطلاها صحافية لاجئة وكندي باكستاني.. سقوط أحد أكبر الروايات حول وحشية تنظيم "الدولة"

كاليماشي

الحروب عواصف هوجاء، وعلى هذا الأساس تضيع كثير من تفاصيل الحقائق في خضمها وربما تختفي، ولذلك تبقى فرصة هدوء العاصفة هي الحل المرتقب حتى تتضح الصورة.. هذا في حال الحروب "البسيطة"، فكيف إذا كانت مثل هذه الحروب متشابكة الأطراف، ومحاطة بغلاف من التصورات المسبقة والروايات المرعبة، مدعومة بحضور تنظيم كان وما يزال يسوق في ساحة الإعلام، على أنه النموذج الأكثر وحشية في الحرب السورية، حتى أكثر من نظام الأسد.

لاشك أن عاصفة الحرب السورية لم تسكن تماما، ولكن الغبار الكثيف الذي أثاره نشوء تنظيم الدولة ثم تقهقره قد زال بشكل شبه كلي، وبات بإمكان البعض أن يروي للناس ما كانوا سيرجمونه بسببه من قبل إن هو أخبرهم به في عز معركة الإعلام ضد أكثر التنظيمات إثارة للرعب.

واليوم، تبرز شهادة "شاهد من أهلها" أي أهل الصحافة المطلعين على كواليس "المطبخ" الإعلامي، حيث كانت تعد الوصفات، التي تضمن أعلى قدر من تهييج وتغييب الجمهور، وتجلب لـ"الصحافي" كثيرا من التصفيق والمديح، وكذلك الجوائز.

ففي آخر مقالة له، يميط الصحافي "بن سميث" من جريدة "نيويورك تايمز" اللثام عن واحدة من عمليات التلاعب والتهويل التي جعلت عبارة "تنظيم الدولة" مرادفا تاما لفرط الإجرام والتوحش.

*ليس تصرفا فرديا
تقول صحيفة "ذي جارديان" البريطانية في تقرير مطول نشرته الأحد 18 الجاري، وتولت "زمان الوصل" ترجمته، إن "بين سميث" الصحافي المعروف في "نيويورك تايمز" ورئيس التحرير السابق لـ" BuzzFeed" فجر في آخر مقالاته قنبلة مدوية، عندما كشف زيف تقارير كتبتها واحدة من "ألمع" زميلاته في "نيويورك تايمز"، المراسلة "روكميني ماريا كاليماشي" التي نالت الكثير من الشهرة، وجائزة كبرى، على خلفية تغطيتها لقصة صعود وسقوط تنظيم "الدولة".

يؤكد "سميث" أن "نيويورك تايمز" انخرطت في سلسلة من الهفوات أثناء تعاطيها مع "كاليماشي" وما تقدمه من تقارير، ما أودى بالصحيفة إلى هاوية نشر الافتراءات (الفبركات).

أحد هذه الافتراءات حسب قول "سميث"، تم دسها وترويجها في خضم استعار سوق الأخبار والتقارير حول "دولة الخلافة"، ففي تقرير وصف بأنه "رفيع المستوى"، زعمت "كاليماشي" عام 2018، أنها تروي "قصة" من داخل التنظيم، مستندة إلى "مصدر" ادعى أنه سافر إلى سوريا وانضم إلى التنظيم ونفذ بنفسه عمليات إعدام.

لكن في الشهر الماضي (أيلول)، ألقت الشرطة الكندية القبض على هذا "المصدر" لتورطه في تسويق "خدعة إرهابية"، حين انخرط في تصوير مفرط لكيفية مشاركته في أعمال العنف المرتكبة من قبل التنظيم داخل سوريا، وهذا الاعتقال أثار أسئلة حرجة حول تقارير "كاليماشي" وعملها.

ومن هنا، خلص "بين سميث" إلى حكم خطير جدا ليس بخصوص " كاليماشي" وحدها بل بخصوص صحيفة "نيويورك تايمز" وإدارتها، مشيرا إلى أن "كاليماشي" لم تكن صحافيا "مارقا" تمرد على قوانين مؤسستها وخرقها بتصرف فردي، بل كانت – أي كاليماشي- شخصا "يقدم ما يطلبه كبار قادة المؤسسة الإخبارية، مع كل الدعم منهم".

عندما وصلت "كاليماشي" إلى "نيويورك تايمز" عام 2014، سرعان ما أصبحت نجمة صاعدة في الجريدة، مع سعيها للانتقال من سجل الصحافيين ذوي التقارير الرتيبة المملة إلى ديوان أصحاب الروايات العظيمة، كما يرى "سميث".

*أكبر "خبطة"
وعلى هذا الأساس انبرت إحدى الدوريات لوصف "كاليماشي" عام 2016، بأنها "أفضل مراسل" غطى أكبر "ضربة (خبطة صحفية)" على مستوى العالم، قاصدة بذلك التقارير المتعلقة بتنظيم الدولة، وروايات التوحش التي سيقت خلالها.

مثل هذه التقارير والأصداء المبجلة لها، جعلت "كاليماشي" أكثر ثقة بنفسها، وجعلت الآخرين أكثر تصديقا لها، واعتمادا على رواياتها.

ورأى "سميث" أن "كاليماشي" كانت على عكس زملاء آخرين أمضوا سنوات في تغطية شؤون الشرق الأوسط، حين أخذت على محمل الجد دعايات التنظيم التي تدور حول إقامة دولة، وعلى هذا الأساس قامت "كاليماشي" بكتابة مجموعة من تقاريرها منطلقة من أفكارها المسبقة، أي إنها كما يقول كانت تبني قصصها على فكرة موجودة في رأسها وتبحث عمن يخبرها بما تعتقد بالفعل (لم تكن تبحث عن الحقيقة بل عمن يؤيد أفكارها تجاه التنظيم).

ولما كانت سلسلة تقارير "كاليماشي" حول "الخلافة" بمثابة واسطة العقد بين كل أعمالها، فقد كان لسقوط "مصدرها" أثر مدو للغاية، حيث تبين أن "أبو حذيفة" الذي قدمته بوصفه مقاتلا كنديا عائدا من التنظيم، لم يكن سوى شاهد مفبركا،لم تطأ قدماه أرض سوريا سابقا على الأرجح (سنعرض في نهاية التقرير جزءا من سيرة "أبو حذيفة").

فقد قدم "أبو حذيفة" شهادات صادمة عن حوادث قتل مارسها التنظيم، قبل أن يتضح لاحقا ومن خلال التحقيق معه، أن كل ما سوقه كان مختلقا، وليس له أي أساس.

اللافت أن سلسلة "الخلافة" المكونة من 6 تقارير متعاقبة، اعتمدت بشكل شبه كلي على روايات "أبو حذيفة"، وهذا ما كان يشكل مصدر قلق وتشكك داخل بعض أروقة "نيويورك تايمز"، ولكن الصحيفة كانت -على ما يبدو- قد أنفقت كثيرا على هذه السلسلة، بحيث أصبح التراجع عنها أمرا صعبا، حسب ما أكد "بين سميث".

*من هو "أبو حذيفة"
"أبو حذيفة الكندي" هو الاسم الحركي الذي اختاره لنفسه شاب كندي من أصول باكستانية يدعى "شهروز شودري"، مخادعا عددا غير قليل من وسائل الإعلام في العالم، ومقدما نفسه كعنصر في التنظيم شهد وشارك بفظاعات متعددة.

الشاب الذي يبلغ حاليا عمره 25 عاما، كان ولعدة سنوات بمثابة "الشاهد الملك" الذي ساهم بفعالية في تكوين قناعات واسعة اخترقت صفوف الجمهور في العالم الغربي، لاسيما كندا والولايات المتحدة، وكانت رواياته المختلقة خير معين وسند لأنصار التطرف من اليمين واليسار الغربيين، ومروجي الرهاب الإسلامي (إسلاموفوبيا)، بل إن شهاداته المزيفة أثرت على السياسة الكندية وقرارات الدوائر الرسمية، حيث أمالت الكفة لصالح من ينادون بعدم استقبال الكنديين العائدين من التنظيم.

ورغم تطرفها في التهويل، فإن الكثيرين انساقوا وراء روايات "شودري" وسوقوها، بمن فيهم أعضاء في البرلمان الكندي، لاسيما بعد أن أمنت "نيويورك تايمز" عبر مراسلتها "كاليماشي" منبرا ضخما للشاب من أجل تصدير أكاذيبه للجمهور وصدمهم بقصص مقززة ومرعبة، مغلفة ذلك بغلاف السبق الصحفي والانفراد.

وبقيت روايات "شودري" ككتاب منزل، إلى أن أعلنت السلطات الكندية أواخر أيلول الماضي اعتقاله بتهمة ترويج أكاذيب وقصص مختلقة، أشاعت المخاوف في المجتمع، ورفعت مؤشر الحذر من وجود تهديدات إرهابية محتملة.

*من هي "كاليماشي"
روكميني ماريا كاليماشي، صحفية أمريكية من أصول رومانية ولدت عام 1973 (47 عاما).

تعرف عن نفسها بالقول إنها "مراسلة صحيفة نيويورك تايمز المتخصصة بتغطية داعش والتطرف العنيف"، بينما تؤكد سيرتها المهنية أنها عملت لصالح وكالة AP الأمريكية من قبل.

ذاع صيت "كاليماشي" بشكل كبير، بعد بثها سلسلة التقارير الصوتية الوثائقية بعنوان "الخلافة"، وهي التقارير التي أهلتها لنيل جائزة Peabody عن أفضل بث صوتي.

لديها حساب على تويتر يتابعه نحو 400 ألف شخص، بمن فيهم متخصصون ومهتمون بشؤون التطرف، وقضايا منطقة الشرق الأوسط، تصف فيه ""كاليماشي" نفسها خلاله بأنها "لاجئة سابقة".

رغم ما يمثله من خرق للقواعد المهنية، فإن "كاليماشي" أصرت على تقديم "أبو حذيفة الكندي" كشاهد ملك غير قابل للتشكيك ضمن سلسلة "الخلافة"، وهي الروايات التي انهارت تماما (ولكن بعد سنوات من انتشارها وإحداثها صدمة كبيرة) مع إعلان السلطات الكندية أن كل ما روجه "أبو حذيفة" مجرد أضاليل واختلاقات.

ترجمة وإعداد: إيثار عبدالحق - زمان الوصل
(168)    هل أعجبتك المقالة (146)

علي حيدر

2020-10-19

للأسف الشديد هذه وسيلة من مئات الوسائل والوسائط المستخدمة والموظفة على مدار الساعة وحول العالم لتشويه وشيطنة الإسلام والمسلمين والعرب والشعوب في هذه المنطقة... بفضلهم وبفضل حكامنا العظماء أصبحت أسماءنا وجوازاتنا وملامحنا إشارة خوف ورعب وتردد لكل من يتعامل معنا من الخارج ونحن لسنا سوى شعب مسالم يرغب بالحياة وينبذ الإجرام والمضحك المبكي بالموضوع بأننا رمز التطرف والتخلف والعنف في العالم وحلوها إذا بتنحل... حسبي الله ونعم الوكيل..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي